الخسف ... خطر يتربص بالمياه الجوفية وسط جهل رسمي وشعبي مطبق
الخسف ... خطر يتربص بالمياه الجوفية وسط جهل رسمي وشعبي مطبق

الأربعاء | 05/09/2012 - 07:14 مساءً

 اعداد  شذى حماد

 تفتقر الضفة الغربية وقطاع غزة لإستراتيجية التخلص من المياه العادمة بطرق صحية، ما يعد مشكلة خطيرة ينجم عنها مخاطر بيئية على الطبيعة والمياه الجوفية.

والخسف (الصدع) من أخطر الطرق التي يستخدمها المواطنون للتخلص من المياه العادمة، عن غير وعي لما يرتكبونه من انتهاكات بحق الطبيعة ودون رقابة رسمية، حيث يقيم المواطن حفرة امتصاص على الخسف  حتى لا يضطر لإعادة سحب المياه العادمة مرة أخرى، فيوفر تكلفة التخلص منها، مخالفاً بذلك قانون البيئة الفلسطيني والذي ينص على إقامة حفرة صماء غير مسربة للمياه العادمة، تلزمه القيام بسحب محتواها كلما امتلأت ثم إلقائه بمكان تخصصه البلدية.

مشكلة حاضرة غائبة 
وعلى الرغم من أن كلمة "خسف" من الكلمات الجيولوجية الرائجة بين المواطنين وطريقة شائعة الاستخدام، إلا أنها غير دراجة ضمن المصطلحات البيئية المستخدمة في الوثائق والنشرات والدراسات البيئية ما أثار صعوبة في تناول القضية ومناقشتها.
وبهذا الشأن أكد مدير الإدارة العامة للسياسات والتخطيط في وزارة جودة البيئة زغلول سمحان على أن مصطلح "الخسف" غير دارج في المصطلحات البيئية المعتمدة في الوزارة، وقد يكون ترجمة لمصطلح جيولوجي أجنبي. 
وقال سمحان: "التخلص من المياه العادمة يجب أن يتم في محطات المعالجة التي تصلها "المجاري" عبر شبكات الصرف الصحي، والتخلص منها في غير ذلك يعتبر مصدر تلويث للبيئة عامةً وللمياه الجوفية بشكل خاص". مضيفا بأنه حين يتم التخلص من المياه العادمة بطريقة عشوائية في البيئة الطبيعية من خلال تفريغها في الأودية والسيول، تجتاز طريقها عبر الفتحات والشقوق وتتسرب إلى المياه الجوفية فتلوثها وتهدد جودتها. 
ويبين سمحان أن "الخسف" هي تشققات عميقة في الصخر الجوفي يستخدمها المواطنون بطريقة مباشرة للتخلص من المياه العادمة جاهلين أنها تشق طريقها لتتسرب إلى المياه الجوفية، ويشير سمحان إلى أن نوعية الصخور والتربة وطبيعة التضاريس تلعب دوراً في تسهيل تسرب المياه العادمة عبر "الخسف" ووصولها ونفاذها إلى المياه الجوفية. 
وأوضح سمحان أن أثر المياه العادمة ليس سلبياً فقط على المياه، وإنما أيضاً على التربة حيث تزيد نسبة الملوحة فيها وتتغير جودة المعادن التي تحتويها. 
من جهة أخرى، أشار سمحان إلى أن المياه العادمة مشكلة تواجهها الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، وأشار: " تعاني قطاع غزة من المياه العادمة ونقص المياه الصالحة للشرب والتي وصلت إلى 5% بسبب ارتفاع نسبة النيترات والفلورايد جرّاء تسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي".

آفة اجتماعية 
ولا تختصر مشكلة التخلص غير الصحي من المياه العادمة عبر حفر الامتصاص على تلويث البيئة فقط، بل تمتد لتخلق مشاكل اجتماعية وعائلية داخل المجتمع الفلسطيني، حيث يقول مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه الفلسطينية عادل ياسين بأن التخلص من المياه العادمة عبر حفر الامتصاص المقامة على الخسف تخلق مشاكل اجتماعية بين الجيران والأقارب قد تفاقمت إلى شجار وعنف وأدت في بعض الأحيان إلى القتل، مضيفا أن حفر الامتصاص تمتلئ وتفيض على الشارع مما يسبب إزعاجًا للمواطنين. 
وبين ياسين أن حفر الامتصاص تشكل خطورة كبيرة على أساسات المنازل، فالمياه العادمة تتسرب عبر الخسف إلى أساسات المنازل وتقوم بحتها وتسارع في تآكلها ما قد يؤدي إلى انهيار المنازل مع مرور الوقت. 
ولا يقتصر دور المواطنين على تفريغ المياه العادمة في حفر الامتصاص الغير قانونية فقط، بل يتعمدون نضحها في فصل الشتاء بالشوارع وإلقائها بشكل عشوائي في الأودية ظنا منهم أنها ستذهب مع المياه .
في ذات السياق، أوضح ياسين أن 40 مليون متر مكعب من الحفر الامتصاصية تتغلغل سنويا إلى التربة والمياه الجوفية، داعياً السلطة الفلسطينية إلى الإسراع بإنشاء شبكات صرف صحي تصب في محطات معالجة لضمان التخلص من المياه العادمة بطريقة صحيحة.

النضح غير الصحي 
يقوم المواطنون في البلدات والقرى الفلسطينية بنضح حفر الامتصاص بعد امتلائها، وإلقائها في الأودية والسيول بطريقة عشوائية دون معالجتها أو الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، ولا يختلف ذلك عن إقامتها على الخسف، فكلاهما غير قانوني يهلك البيئة ويدمرها.
يقول عدي حامد أحد سائقي سيارات النضح:" أقوم حسب طلب المواطنين بنضح حفرة الامتصاص وإلقائها في المكان الذي خصصته بلدية سلواد، وهو مكب نفايات كفر عانة في بلدة سلواد شرق رام الله"، مؤكداً  قيام بعض المواطنين ببناء حفرة الامتصاص على الخسف، الأمر الذي يوفر عليهم نضحها لخمس أو عشر سنوات. 
في ذات السياق، يفسر سائق سيارة نضح محمد العداسي الخسف بأنه حفر عميقة في الصخر تمتد لأعماق الأرض، يتم تسريب المياه العادمة فيه، ما قد يتطلب عشرات السنوات حتى تصبح هناك حاجة لنضح المياه مجدداً.
ويبين العداسي غياب أماكن محددة لإلقاء المياه العادمة بعد نضحها، وخاصة في ظل الافتقار لمحطات المعالجة وشبكات الصرف، ويقول: "أقوم بإلقاء المياه العادمة في أماكن مفتوحة تحددها البلدية، على الرغم من أن ذلك يؤذي الطبيعة ولكن لا يوجد حفرة تستوعب ما ينتجه المواطنون من مياه عادمة".

شبكات الصرف تخدم 30% من السكان 
يقول مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه الفلسطينية عادل ياسين أن معظم المدن الفلسطينية باستثناء أريحا فيها شبكات صرف صحي تغطي (60 -90%) من مجمل سكان المدن، ولكن القرى والبلدات الفلسطينية تقوم بالتخلص بطرق تقليدية من المياه العادمة عبر الحفر الامتصاصية أو إلقائها في الأودية والسيول، مبينا أن نسبة السكان الذين تغطيهم شبكات الصرف الصحي هي (30 %) من المجموع العام، مؤكدا على أنه من النادر استخدام الـ 70% الباقين من المواطنين للحفر الصماء المنصوص عليها بالقرارات البيئية الفلسطينية. 
ولاحظ ياسين من المعطيات الموجودة لديه ارتفاع نسب النيترات الكلي في بعض الآبار الجوفية في طولكرم وقلقيلية كنتيجة لتسرب المياه العادمة إليها، وخاصة أنه يتم التخلص منها في أودية مفتوحة، وقال،" تم مشاهدة البكتيريا القولونية البرازية في الآبار الجوفية واليانبيع في قرية عين قينيا شمال شرق رام الله والطيرة في غربها، والبلدة القديمة في نابلس، كنتيجة لتسرب المياه العادمة من الحفر الامتصاصية.   
وأوضح ياسين أن نسبة المياه العادمة التي تنتج في الضفة الغربية ( 50– 70 مليون متر مكعب ) يتم معالجة اثنين مليون متر مكعب في محطة معالجة البيرة، و(13 – 15 مليون متر مكعب ) تتم معالجته في إسرائيل، لافتاً إلى أن باقي المياه العادمة يتم إلقائها في وادي الساجور /نابلس، وادي الزومة/ طولكرم، وادي جبل النار / بيت لحم، وادي السمن / الخليل، وادي رباح / قلقيلة، وادي المطوي/ سلفيت". 
وعن استخدام المياه العادمة بعد معالجتها، يقول ياسين: "يتم إلقاء المياه العادمة بعد معالجتها في الأودية ولا يتم استغلالها في الزراعة". 
من جهتها، أكدت مهندسة الصرف الصحي في بلدية البيرة لمياء حمايل على أن 1% أو أقل من المياه العادمة المنتجة من محطة معالجة البيرة يتم استخدامها، مضيفةً: "يدخل يوميا على محطة المعالجة خمسة آلاف متر مكعب من المياه العادمة التي يتم معالجتها ثم إلقائها في وادي العين".
ووسط انعدام شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة في القرى والبلدات الفلسطينية، أصبح الخسف وحفر الامتصاص إحدى الطرق الشائعة للتخلص من المياه العادمة كنتيجة طبيعية لغياب إستراتيجية بيئية فلسطينية تتضمن مياهاً جوفية نقية تسد ظمأ الفلسطينيين وسط الانخفاض المستمر لمستوى المياه الصالحة للشرب.

المصدر: افاق البيئة والتنمية



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:31
الظهر 12:37
العصر 04:17
المغرب 07:16
العشاء 08:44