قبل 1700 عام: فقدت روما إمبراطوريتها بسبب اللاجئين!
قبل 1700 عام: فقدت روما إمبراطوريتها بسبب اللاجئين!

الثلاثاء | 31/01/2017 - 07:51 مساءً

في الثالث من آب لعام 378 وقعت معركة في أدرنة المحافظة التركية، والتي كانت تُعرف آنذاك بتراقيا، ووصفها القديس أمبروسيوس بـ"نهاية البشرية جمعاء، ونهاية العالم".

حينها قاد الإمبراطور الروماني الشرقي فلافيوس يوليوس فالنس أوغسطس، والذي يشتهر باسم فالنس، قواته ضد القوط، وهم شعب جرماني يسميهم الرومان بالبرابرة، وكان يقودهم فريتجرن. وقد خاض فالنس، الذي لم ينتظر المساعدة العسكرية من ابن أخيه الإمبراطور الروماني الغربي جراتيان، المعركة بجيش قوامه 40 ألف جندي. أما قوات فريتجرن، فقد بلغت حوالي 100 ألف جندي.

لقد كانت مذبحة، فقد قُتل 30 ألف من الجنود الرومان وهُزمت الإمبراطورية، وكانت هذه باكورة سلسلة من الهزائم، واعتُبرت بمنزلة بداية نهاية الإمبراطورية الرومانية الغربية في 476 للميلاد. خلال تلك المعركة، كانت روما تسيطر على أراضٍ تبلغ مساحتها ما يقرب من 600 مليون هكتار (2.3 مليون ميل مربع، أي ما يقرب من ثلثي مساحة الولايات المتحدة حاليًا)، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 55 مليون نسمة.

لم تحدث الهزيمة في أدرنة بسبب تعطش فالنس، الملقب بآخر الأباطرة الرومان الحقيقيين،  للقوة، أو لاستخفافه بقدرات خصمه. فما يمكن القول إنها كانت الهزيمة الأكثر أهمية في تاريخ الإمبراطورية الرومانية لولا أن لها جذور أخرى: أزمة لاجئين. قبل عامين من تاريخ المعركة، تقاطر القوط نحو الأراضي الرومانية؛ بحثًا عن مأوى. وقد أشعل سوء التعامل مع اللاجئين القوطيين سلسلة من الأحداث التي أدت إلى انهيار واحدة من أكبر القوى السياسية والعسكرية التي عرفتها البشرية.

إنها قصة مماثلة مثيرة للصدمة لما يحدث في أوروبا في الوقت الراهن، وينبغي أن تكون بمثابة ناقوس خطر. وفقاً للمؤرخ أميانوس مارسيليانوس، في 376م اضطر القوط لمغادرة أراضيهم، التي تعرف الآن بأوروبا الشرقية، بعد أن دفعهم شعب الهون جنوبا. حيث وصف مرسلينوس الحدث بالقول إنه "سباق وحشي لا مثيل له". ويضيف: "انحدر الهون من أعالي الجبال مثل الزوبعة، وكأنهم قد نهضوا من رقود سري تحت الأرض، واجتاحوا ودمروا كل ما يعترض طريقهم".

وقد أسفر ذلك عن إراقة شلال من الدماء، فقرر الكثير من القوط الفرار. وقد قرروا أن الاستقرار في تراقيا، الواقعة عبر نهر الدانوب، هو الحل الأفضل. فقد كانت الأرض خصبة، وسيمثل النهر حاجزاً بينهم، وبين الهون.

لم تكن تلك الأرض خالية، بل كانت تتبع الإمبراطورية الرومانية، وهي خاضعة لحكم فالنس. ولذا طلب منه فيتجرن، الذي كان يقود القوط، "أن يستقبلهم بوصفهم رعاياه، واعداً إياه بالعيش في هدوء والمساهمة في القوات المساعدة إذا ما ظهرت أي ضرورة لمثل هذه القوة|. وكان لروما الكثير من المكاسب من هذا الأمر، فقد احتاجت تلك الأراضي إلى الزراعة، ووجود المزيد من الجنود كان دائماً موضع ترحيب من الإمبراطورية. يكتب مرسيلنوس عن فالنس فيقول: "من خلال الجمع بين قوة شعبه مع هذه القوى الخارجية، فقد بنى لنفسه جيشاً لا يقهر على الإطلاق".

ودليلاً على الامتنان إلى فالنس، تحول فريتجرن إلى المسيحية. 

بدأ كل شيء بطريقة سلمية، قدم الرومان خدمة لا تختلف كثيراً عن برنامج البحث والإنقاذ في عصرنا الحديث. يقول مرسلينوس: "لم يتركوا أي شخص وراءهم، ولا حتى من أولئك الذين كانوا مصابين بأمراض قاتلة. وقد واصل القوط عبور النهر ليلاً ونهاراً دون توقف، وشرعوا في الصعود على متن السفن والقوارب وزوارق مصنوعة من جذوع الأشجار ". ويضيف  أن «عدداً كبيراً منهم قد غرق؛ بسبب عددهم الهائل الذي يفوق طاقة السفن، فحاولوا العبور سباحة، وعلى الرغم من بذلهم جهداً مضنياً، إلا أن التيار قد جرفهم».

لقد كان تدفقًا غير متوقع أو مسبوق (تقول بعض التقديرات إن عددهم يصل إلى مائتي ألف نسمة). وقد حاول المسؤولون عن إدارة القوط حساب أعدادهم، لكنهم أدركوا أن ذلك مستحيل.

تقليدياً، كان الموقف الروماني تجاه البرابرة يتسم ببعد النظر للغاية على الرغم من وحشيته، فكثيراً ما كان يرسل السكان حيث تحتاج الإمبراطورية لهم أكثر، دون الأخذ في الاعتبار أين يرغبون في البقاء. ومع ذلك، كان هناك دفعة قوية نحو الاستيعاب الذي حول في نهاية المطاف الأجانب إلى مواطنين. وسيشاهد أبناء المهاجرين بشكل روتيني وهم يتقلدون مناصب رفيعة في الجيش أو الإدارة. وكانت الوصفة التي حافظت على الإمبراطورية آمنة من هجوم مجموعات سكانية أخرى بسيطة: السماح لهم بالإقامة في الإمبراطورية ومعاملتهم كمواطنين.

لكن الأمور تغيرت في نهاية المطاف. فقد كان المسؤولون العسكريون الذين يقودون المقاطعات التي يسكن فيها القوط فاسدين، ونسخة قديمة من الدعم المقدم للمهاجرين الذين يصلون إلى اليونان أو إيطاليا، وتربحوا مما كان من المفترض أن يخصص للاجئينـ واضطر القوط الجائعون لشراء لحوم الكلاب من الرومان.

لم يكن لدى مرسلينوس شك في ذلك حين قال: "كان جشعهم الغادر سبب كل كوارثنا". انفرط عقد الثقة بين القوط، الذين أسيئت معاملتهم، وبين الرومان عدة مرات قبل أدرنة، وتحول القوط من الرغبة في أن يصبحوا من الروم إلى الرغبة في تدمير روما. وبعد أقل من عامين، يقول مرسلينوس: "مع اشتعال جذوة الغضب في قلوبهم، هاجم البرابرة رجالنا وقضوا على الإمبراطورية".

إن المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا في الوقت الحالي ليسوا على وشك التمرد العسكري، وأوروبا ليست -ولله الحمد- الإمبراطورية الرومانية. ولكن هذه القصة تبين كذلك أن الهجرة -الآن وستبقى دائمًا- جزء من عالمنا. هناك طريقتان للتعامل مع اللاجئين: الأولى هي تعزيز الحوار والإدماج، والثانية هي أن نتجاهلهم وندير ظهورنا لهم. أدت الثانية إلى كارثة من قبل، وبطريقة أو بأخرى  سيتكرر المشهد مرة أخرى.

المصدر: ساسة بوست-عبد الرحمن النجار.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:40
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:37