فضيحة البيض الفاسد تضرب صناعة الغذاء في أوروبا
فضيحة البيض الفاسد تضرب صناعة الغذاء في أوروبا

الإثنين | 21/08/2017 - 06:02 مساءً

يوم بعد آخر يتسع نطاق فضيحة البيض الأوروبي الملوث، لتتجاوز القضية الآن حدود بلدان الاتحاد الأوروبي وتصل إلى سويسرا، بل تتجاوز مجمل القارة الأوروبية وتصل إلى هونج كونج، وسط مخاوف حقيقية من أن تتسع أكثر فأكثر خلال الأسابيع المقبلة، ويتم الكشف عن مزيد من البلدان والمستهلكين الذين وقعوا ضحايا استهلاك البيض الأوروبي الملوث.

القضية - بكل المعايير - وجهت ضربة مؤلمة، ليس فقط لتلك الصناعة الأوروبية، وإنما لمجمل الصناعات الغذائية الأوروبية، والتشدق الأوروبي الدائم بارتفاع معايير السلامة الغذائية في القارة العجوز، وسط قلق ملموس في وسائل الإعلام الأوروبية من إمكانية تأثير الفضيحة في بعض جوانب التجارة الدولية.

واندلعت الفضيحة بعد اكتشاف السلطات البلجيكية، أن البيض المبيع في الأسواق والمنتج في القارة الأوروبية وتحديدا هولندا ملوث بمادة "الفيبرونيل"، وهي مبيد حشري يستخدم عادة للتخلص من البراغيث والقمل والجراد في الحيوانات المنزلية الأليفة مثل الكلاب والقطط، لكنه محظور من قبل الاتحاد الأوروبي للاستخدام على الحيوانات الموجهة للاستهلاك البشري مثل الدواجن.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يعد "الفيبرونيل" مادة سامة إلى حد ما إذا تم تناولها بكميات كبيرة، ولديه تأثير خطير في الكلى والكبد والغدة الدرقية، ويتسبب تناوله في حالة من الغثيان والقيء والآلام في البطن والدوخة والصرع، لكن تلك الأعراض يمكن التصدي لها وفقا لوكالة المعايير الغذائية الهولندية.

وبتسليط وسائل الإعلام الأوروبية الضوء على فضيحة البيض الملوث، سحبت السلطات في بلدان الاتحاد الأوروبي ملايين من البيض الملوث من رفوف المحال التجارية في 15 دولة من دول الاتحاد، وهي: بلجيكا وهولندا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والسويد وإيرلندا والنمسا ولوكسمبورج وسلوفاكيا وسلوفينيا وبولندا ورومانيا والدانمارك إضافة إلى سويسرا وهونج كونج.

وأدت الفضيحة إلى إغلاق 180 مزرعة في هولندا المصدر الأساسي للبيض الملوث، وكذلك عشرات المزارع في بلجيكا، وشنت تحقيقات واسعة النطاق؛ باعتبار أن ما حدث يدخل في إطار الجرائم، حيث طالت التحقيقات القبض على بعض الأشخاص المتورطين في الفضيحة.

الدكتور روبرت بلوم نائب رئيس قسم التحليلات في هيئة الأغذية البريطانية سابقا، يشير إلى أنه وفقا لوكالة المعايير الغذائية الهولندية، فإن بعض البيض الهولندي يمكن أن يشكل استهلاكه خطرا على الصحة العامة، إذ إن الاختبارات كشفت عن مستويات أعلى من المسموح بها من مادة "الفيبرونيل" وفقا للقواعد الغذائية في الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد لـ "الاقتصادية"، أن خبراء السموم وبعض وكالات المعايير الغذائية الأوروبية، يعتقدون أنه تمت المبالغة إعلاميا في خطورة الوضع، وطبيعة المخاطر الصحية التي يمكن أن تصيب المستهلكين للبيض الملوث، فهو يصبح خطرا على الصحة العامة - من وجهة نظر بعض الخبراء - إذا تم استهلاكه يوميا مدى الحياة.

وحول الوضع في المملكة المتحدة، يوضح روبرت بلوم أن نحو 700 ألف بيضة استوردتها بريطانيا من الخارج تدخل ضمن فئة البيض الملوث، وهذا العدد لا يمثل سوى 0.007 في المائة من البيض المستهلك في الولايات المتحدة سنويا، ومن ثم من غير المتوقع أن يؤثر في الصحة العامة في المجتمع البريطاني.

لكن اعتقاد بعض الخبراء أن المشكلة لا تحمل تهديدات صحية حقيقية، لم يمنع أن تكون لها تداعيات سياسية واقتصادية، ويرى ميتشيل بيلي الباحث في الشؤون الأوروبية، أن الفضيحة باتت علنية أواخر يوليو الماضي، ولكن بعد وقت قصير من سحب البيض الملوث من رفوف المحال التجارية في هولندا وألمانيا وأماكن أخرى، بدأت القضية تأخذ منحنيات جديدة أكثر اتساعا.

ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الفضيحة كشفت مدى البيروقراطية والتراخي داخل مؤسسات الاتحاد المشرفة على المعايير الغذائية، فبلجيكا كانت تعرف عن تلوث البيض بمادة "الفيبرونيل" قبل نحو شهر من بدء سحب البيض من المحال التجارية، ورغم معرفتها تلك فإنها لم تخطر المفوضية الأوروبية.

وأشار بيلي إلى أن تلك القضية تكشف مدى غياب التنسيق والتعاون بين بلدان الاتحاد الأوروبي، في قضايا حساسة تخص الرأي العام مثل تلك القضية، لذلك فإن وزير الزراعة البلجيكي ونتيجة الهجوم الحاد الذي تعرض له، اتهم هولندا بمعرفة المشكلة منذ نوفمبر من العام الماضي، وهو ما تنفيه هولندا بشدة، ومع تصاعد التوتر حول من يتحمل المسؤولية، وما قد يترافق معها من المطالبة بتعويضات، كما أن رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون سلامة الغذاء دعا إلى وضع حد للوم والتشهير الراهن بين الدول الأعضاء، وذلك بعقد اجتماع وزاري في 26 من الشهر المقبل لبحث الوضع.

لكن حدود المشكلة لم تقف عند تبادل الاتهامات بين بلجيكا وهولندا، إذ باتت قضية مهمة أيضا بين المعارضة والحكومة في ألمانيا، فقد اتهمت المعارضة الحكومة بأن كمية البيض المستورد والمحتمل تلوثه تزيد ثلاثة أضعاف على ما أعلنته الحكومة، فبينما تقول الحكومة إن إجمالي البيض الذي تستورده ألمانيا يبلغ 10.7 مليون بيضة سنويا، أشار وزير الزراعة في ولاية ساكسونيا السفلى إلى أن ولايته بمفردها استوردت نحو 35 مليون بيضة من هولندا.

© Aleqtisadiyah قدمت بواسطة
ويعتقد الدكتور ديفيد بوثم أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن القضية سيكون لها تداعيات سلبية ستتجاوز إنتاج البيض لتطول قطاع الدواجن في الاتحاد الأوروبي ككل، ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن مستقبل قطاع إنتاج الدواجن عامة في الاتحاد الأوروبي وتحديدا إنتاج البيض سيكون سلبيا في الأجل القصير، وفي الأجل المتوسط سيكون غير مستقر.

ويشير ديفيد بوثم إلى أن تلك الفضيحة ستؤدي حتما إلى انخفاض الطلب على البيض من قبل المستهلكين الأوروبيين والمستوردين، كما ستؤدي إلى انخفاض - وإن كان بدرجة أقل - الطلب على الدواجن، ولكن في الأمد المتوسط فإن الصورة لا تبدو واضحة حتى الآن، فالأمر سيعتمد بالأساس على قدرة صناعة الدواجن على استعادة ثقة المستهلك.

لكن بعض الخبراء الاقتصاديين في المملكة المتحدة يختلفون تماما مع وجهة النظر تلك، إذ يرى جون بليك الباحث الاقتصادي، أن التأثير السلبي لتلك الفضيحة سينحصر فقط في هولندا، وربما يمتد إلى بلجيكا، ولكنه لن يتجاوز البلدين بأي حال من الأحوال، بل يعتقد أن تلك الفضيحة لربما يكون لها تأثير إيجابي في مجمل صناعة الدواجن في الاتحاد الأوروبي.

ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن هولندا ستكون الخاسر الأكبر في تلك الفضيحة، فنحو 180 مزرعة قد أغلقت أبوابها، وفي بلجيكا أيضا بعض المزارع تم إيقاف العمل بها نتيجة التحقيقات الجارية، ولكن بخلاف ذلك فإن المزارع في باقي دول الاتحاد الأوروبي تعمل.

وأشار بليك إلى أن القلق سينتاب معظم بلدان الاتحاد الأوروبي من استيراد البيض وربما الدواجن من هولندا وبلجيكا، وهذا سيلحق خسائر تجارية بهما، وهولندا تحديدا سيتقلص نصيبها من تجارة المواد الغذائية عامة في الاتحاد الأوروبي، وسيتطلب الأمر وقتا طويلا لتستعيد الحصة ذاتها من الأسواق التي كانت تتمتع بها قبل تلك الفضيحة.

لكن في المقابل، كما يقول بليك، ستلجأ معظم بلدان التكتل إلى زيادة إنتاجها المحلي من البيض، وسيجد المنتجون المحليون في الفضيحة فرصة لحث المستهلكين المحليين على استهلاك البيض المنتج محليا وعدم شراء البيض المستورد.

ووفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن هولندا صدرت بما قيمته 591 مليون دولار من البيض العام الماضي؛ أي ضعف الصادرات الألمانية التي تعد ثاني مصدر للبيض في الاتحاد الأوروبي.

لكن الدكتورة إيرنا بلوم الخبيرة في شؤون الاتحاد الأوروبي تعتقد أن أزمة البيض الملوث ستمثل علامة فارقة في مسيرة القواعد المنظمة للأمن الغذائي في الاتحاد.

وتوضح لـ "الاقتصادية"، أن الأمن الغذائي في الاتحاد الأوروبي شهد خلال السنوات القليلة الماضية خروقات شديدة، باتت تطرح تساؤلات جادة حول فاعلية النظم والأساليب الراهنة في التعامل مع قضية سلامة المواد الغذائية التي يستهلكها المواطنون في بلدان الاتحاد، فقبيل سنوات تفجرت قضية لحوم الخيول التي تم خلطها مع لحوم الماشية الأخرى، ولكن من الواضح بعد فضيحة البيض الملوث، أن التدابير التي اتخذت لتحقيق معايير أعلى في السلامة الغذائية في أعقاب فضيحة لحوم الخيول ليست كافية، وأن الاتحاد في حاجة إلى مجموعة أكثر فاعلية من القوانين الجديدة لضمان سلامة المواد الغذائية المستهلكة.

وتشير بلوم إلى أن التخوف هو أن تعني تلك المعايير الجديدة مزيدا من الإجراءات البيروقراطية، كما أن رفع المعايير الغذائية قد يصاحبه مزيد من التكلفة، على الشركات العاملة في مجال الغذاء بصفة عامة وصناعة الدواجن وإنتاج البيض بصفة خاصة، وربما أدى هذا إلى إخراج أعداد ملحوظة من مزارع إنتاج الدواجن والبيض من السوق، وهو ما يعني انخفاض العرض وتنامي الحاجة إلى مزيد من الاستيراد من الخارج.

 روبرت هاروت أحد خبراء الغذاء في بريطانيا وأحد المشاركين في التحقيقات الحكومية الخاصة بفضيحة خلط لحوم الخيول مع لحوم الماشية، يعتقد أن صناعة الغذاء بصفة عامة تعتمد على الثقة، ففرصة الغش كبيرة للغاية في تلك الصناعة، إذ يمكن خلط مكونات رديئة مع منتج مرتفع الثمن، دون أن يشعر المستهلك بذلك، وأيا كانت القوانين المنظمة للمعايير الغذائية فإن جريمة الغش الغذائي لن تزول.

 ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن بريطانيا تخسر كل عام 11 مليار استرليني بسبب الغش الغذائي، وفي الحقيقية فإن هيكل صناعة التجزئة الغذائية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي مصمم بطريقة تحفز السلوك السيئ، فالمتاجر الغذائية الكبيرة ذات الفروع المتعددة تعاني ضغطا شديدا من المنافسين الجدد، ولهذا يضغطون بشدة على أسعار الموردين الذين يستجيبون لتلك الضغوط بخفض التكاليف إلى الحد الأدنى حتى يتمكنوا من تحقيق أرباح.

ويشير هاروت إلى أن القوانين الأوروبية تتطلب أن يتضمن التغليف إظهار كل عنصر من المكونات لكنها لا تتطلب إعطاء بلد المنشأ، ما يعني استيراد بعض المكونات من أماكن مختلفة من العالم دون أن نعلم على وجه اليقين كيفية إنتاجها. ويستدرك قائلا: "المشكلة أن سلسلة توريد الأغذية باتت أطول وأكثر تعقيدا، ما يجعل ظاهرة الغش الغذائي أكثر انتشارا أيا كانت طبيعة القوانين المنظمة للسلامة الغذائية".



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 05:09
الظهر 12:44
العصر 04:15
المغرب 06:57
العشاء 08:20