صدق المتنبؤون ولو كذبوا
صدق المتنبؤون ولو كذبوا

الجمعة | 26/01/2018 - 09:20 صباحاً

إنتصاراً للعلم...صدق المتنبؤون ولو كذبوا

كتب الدكتور المهندس عماد دواس: 


بالإضافة لكونه موسم المطر, يكاد فصل الشتاء أن يكون موسماً للحديث عن الأرصاد الجوية ودقتها وشريعيتها. فلا يكاد يخلو مجلس من الحديث عمّا تتناقله وكالات الأنباء على ألسن المتنبئين الجويين من إحتمالات المطر والثلوج وكمياتها وتوزيعها وساعات هطولها. ولا يكاد يخلو مجلس يتم فيه ذكر الأرصاد الجوية وما تتنبأ به من شخص يردد عبارة "كذب المنجمون ولو صدقوا" ولا يخلو نفس المجلس أيضا من أشخاص يثنون على قوله ويرددون "الله أعلم" وقد يزيدون بعبارة "كلهم كذابين" ويبدأون بالإستشهاد بمواقف "كذبت" بها الأرصاد الجوية سواء بالتنبؤ بقدوم منخفض لم يأتي أو العكس. وسواء تم ترديد هذه العبارات حرفياً ام لا, فإن النظرة السائدة للأرصاد الجوية على أنها "تنجيم" لا يمكن الركون له إنما تأتي إنطلاقاً من قناعاتنا بأن وصول المطر وكمياته وتوزيعه إنما هو من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله.
مثل هذه المقولات والنظرة لم تأتِ من فراغ, إنها نابعه من نفس المنطلق الذي جعل ذلك الشيخ البسيط الذي اجتاحت محاضرته وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة وجيزة والذي حاول وبكل ثقة اقناع من حضروا درسه بان الارض لا تدور ضارباً بكل ما توصل له العلم من حقائق بهذا الخصوص. ومحاولة شيخ قبيلة قبل أكثر من قرن من الزمان, والذي ألقى بوتد حديدي الى السماء ليهبط على الارض في لحظات ليفحم وبالضربة القاضية كل من ادعى من ابناء عشيرته بان الغرب اخترعوا شئ اسمه طائرة يحملها الهواء حيث شاءت، حسب ما رواه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي. ولا يبخل مثل هؤلاء بالإستشهاد بكل ما أوتوا من قوة الحفظ بآثار تراثية تصب في عمومها الى خلاصة مفادها عدم الإعتراف بالعلم ولا تكتفي فقط بالتشكيك بوسائله ونتائجه.

الخطأ الذي وقع به هؤلاء وجروا وراءهم قاعدة جماهيرية لها الغلبة في كل شئ تقريباً, هو الخلط بين ما هو بيد الله وبين ما هو في علم الله وحده. فالمطر, على سبيل المثال, بيد الله ولكن علمه يقع في نطاق "علّم الإنسان ما لم يعلم" وليس من الغيبيات, وقدرة الراصد الجوي على التنبؤ بقدوم المطر لا يعني أبداً ان المطر بيده. أما موضوع أن الأرصاد الجوية تخطئ أحياناً فهذا راجع لطبيعة علم الأرصاد الجوية التي تعتمد على نمذجة عدد كبير من المتغيرات من سرعات واتجاهات الرياح ونسب الرطوبه وتوزيعها افقيا وعموديا ودرجات الحرارة على سطح الارض وفي طبقات الجو المختلفة وتوزيعها المكاني وغيرها من المتغيرات. كل هذا يتم جمعه في نموذج يفضي الى نتائج تأتي على شكل إحتمالات تزداد دقتها كلما كانت الفترة الزمنية أقل وهذا ما يجعل بعض المختصين في هذا المجال يرددون عبارة: ننتظر بضعة أيام حتى تتضح ما تفضي اليه نماذج التحليل. يضاف الى ذلك, أن كثرة المتغيرات المطلوبة للتنؤ بالحالة الجوية تفتح باب الإجتهاد لأهل الإختصاص لتطوير نماذج مختلفة من حيث المحتويات وطبيعة المعادلات الرياضية المستخدمة مثل ما يذكره الراصدون عن النموذج الآروبي والمنوذج الأمريكي وهي من النماذج المستخدمة في فلسطين.
إن عملية التنبؤ بالأحوال الجوية هي عملية قائمة على أسس علمية بحته ولا تعتمد بأي شكل من الأشكال على التنجيم حتى لو أنها لم تفلح في تنبؤ الواقع فإن ذلك لا ينفي عنها صفة العلم. فإحتمالية عدم الحصول على النتائج المتوقعة هي صفة أصيلة في العلم التجريبي الذي نقل البشرية من ظلمات الجهل والتخلف الى ما وصلنا إليه من تقدم في شتى المجالات من الطب والهندسة والعلوم المختلفة. من هنا فإن الراصد الجوي صادق وإن لم يتحقق ما تنبأبه, ولا يصح ان نصفه بالكاذب او المنجم وذلك إنتصاراً للعلم. وفي الختام أنبه أن الحديث هنا عن الراصد الجوي الذي يعمل على نماذج رسمية معتمدة ولا أتحدث عما يدور على وكالات الأنباء التي تترزق من الكذب الذي تروجه وتجد في موضوع الارصاد مرتعاً خصبا لحصد المشاهدات واللايكات, هذا موضوع مختلف تماماً عما تحدثت عنه هنا.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 05:09
الظهر 12:44
العصر 04:15
المغرب 06:57
العشاء 08:20