صُنع في فلسطين... في ليلة الزفاف الأولى أطفأ بجسدها أربعين سيجارة تعبيرا عن الرجولة!!
صُنع في فلسطين... في ليلة الزفاف الأولى أطفأ بجسدها أربعين سيجارة تعبيرا عن الرجولة!!

الخميس | 04/04/2013 - 10:19 صباحاً

 إعداد: الصحفية ياسمين شملاوي

على بعد أمتار من مسجد القرية أعلى التلة، وجدنا قصة اجترها الألم والعذاب، قُدِر لها أن تسقط مجبرة في دوامة من العادات والتقاليد فلا تجد ما يجتثها من وسط أكداس العذاب والألم الذي طَنَّ في حياتها، وسلبها معاني الأمان والسعادة بعنف ومرارة.

 

أيادٍ قاسية أطبقت على حياة (تهاني) فجعلتها لعبة بيد الصدفة، وتمادت أبعادها المظلمة منذ سنوات حياتها الأولى حين نُسي كيانها كإنسانه يحق لها اختيار مَسير حياتها وشريكها، في عادة تسمى( عطية الصينية) بين أبيها وعمها، وهي عادة ظلت سائدة في قرانا الفلسطينية لزمن غير بعيد، (فيقوم أحد الشقيقين(والد الأنثى) بتقديم طفلته كزوجة مستقبلية لابن شقيقه دون تسمية مهر أو أخذ موافقة الطرفين، وتبقى تلك الطفلة وقفا(متحراه) لابن العم حتى يتزوجها أو يطلق سراحها للزواج من غيره).

 
اقتعدت تهاني بنت 48 عاماً من إحدى قرى نابلس حافة الكرسي أمامنا بهدوء، تتنهد وتروي لنا حكايتها "أنا عشت اثنان وعشرون عاما تحت وطأة من الظلم الشديد بعد زواجي من ابن عمي، وأحمد الله بأني خرجت بأولادي وعقلي، فلقد مررت بأيام أتمنى من الله أن لا يذيق طعمها لأي إنسان وحسبي الله ونعم الوكيل".

 
لم تكن عطية أبيها لعمها سوى بداية صغيرة، للحوادث الكبيرة والمؤلمة بحياة تهاني، تقول" لقد أخبرني أهلي منذ صغري بأني سأكون لأبن عمي، الذي لم أكن قد رأيته أبدا بعد هجرة عمي وعائلته في صغرنا نحو بلاد الخليج ليعمل هناك، كان قد مضى من عمري تسعة عشر عاما، حين عاد عمي وابنه وتم زفافي على عجل لأبن عمي ليغادر هو ووالده من جديد إلى الخليج في أقل من أسبوع ويتركني لأكثر من تسعة أشهر ".
 

تتابع " كنت قد قلقت كثيرا، وأرسلت برسالة إلى أختي تزوجت وكانت تعيش مع ابن عمي الآخر في إحدى دول الخليج، وقامت بدورها بعمل تصريح لي من أجل زيارتها، وعندما سافرت عشت عند زوجي أيضا على (عطية الصينية)، وفي أول ليلة أقضيها معه أشعل أربعين سيجارة، وأطفأها في كل مكان في جسدي، بعيون تتلذذ على صنع عذابي وألمي، لتسمع صوت الأنين والتوسل وهمساتي المتتالية لستر جسدي، أحبس أصوات الألم والأنين خشية أن يسمع عمي وحماتي وأبناءهم صوتي من الغرف القريبة خوفا من أنكشف عليهم، أطبقت فمي على عذابي وقلبي متعلق برحمة من الله ".

لا شيء؟!

داخل ذلك الجسد الجالس بكبرياء، قلب يحوي كماً هائلا من الحزن والضيق، فبعد ليلة عجّت فيها الدموع لتحرق وجنتي تهاني، تسرد:" في الصباح طلبت منه الطلاق، وأخبرته بأنني لا أريده، فهز رأسه باستهزاء وقال لي لماذا سأطلقك ؟ وأنتِ لم تفعلي شيئا، لكني سأعذب أختكِ بكِ".
 

كان زوج تهاني متعلقا جدا بوالديه، وكان منساق بطواعية لكل ما يأمرانه به، لكن زوج أختها كان أكثر انفتاحا واستقرارا ومحبة لزوجته، وهذا ما لم يرضَّ عنه الأهل، والأخ الذي اعتبر حب الزوج لزوجته انصياعاً منه لها، و تمرداً منها عليه.

 
وفي كل يوم يمضي كانت تهاني تحاول فيه أن تروض نفسها داخل مساحات من الآهات المتزايدة، واصفة حالها بعد مضي ما يقرب العام تقول:" كان قد عزلني عن كل من يمت لي بصلة القرابة، ويعيش بنفس الدولة، و أذكر بأن زوجة أخي أنجبت سبعة مرات ولم أزرها مرة واحدة، وأخذ يكذب علي في كل مرة أسأل فيها عن أخي، ولكي يختبرني إن كنت أكلمه قال لي بأنه معتقل لدى الشرطة، وحين اكتشفت عكس ذلك وراجعته، أمسك بسلك كهربائي وبدون سيطرة على نفسه أخذ يضربني حتى فقدت الشعور بجسدي".

 
من خلف مساحة اللون البني في عينيها بدأت تتسلسل دموع صامته، فتتنهد تهاني وتتابع:" بعث بي إلى منزل أختي، وحين رآني زوجها، صعق وقال له: يجب أن تُضرب مثلما ضربتها، فهي أمانه جاءت باسم زوجتي، لن أسمح لك أن ترجعها أبدا سأعيدها إلى أهلها بالضفة".

 
أشد مرارة

في هذا العجيج من القهر والعذاب، أسرعت تهاني نحو الإنسان الذي سيحميها من بركان الظلم والقهر، فهز كيانها جواب أنهى معه آخر أمالها بالنصرة والمساعدة، تردف تهاني:" لم يصدقني والدي، وكانت حجته بأنه لا يمكن أن يحصل ذلك في منزل أخيه الذي يأتمنه على حياته، ولم يمضِ شهران حتى أخذ بيدي وأعادني إلى زوجي، رغم كل رجائي بالبقاء، ومكث معي بمنزل عمي ستة أشهر، فكانوا معي خير الأهل، وحتى أنهم استأجروا لي منزلا لأعيش فيه وحدي مع زوجي... ".

 
وبأسى عميق يخرج من صدى صوتها المرتعد بمرارة،تتابع:"وبمجرد سفر والدي، ردّني لمنزل أهله، وحينها كنت حاملا بشهري الثامن، وتعالت أنواع العذاب، حتى إذا جُعت أطعموني بقايا الخبز المتعفن، وخلال الأربع سنوات الأولى بتتابعها، كنت إن أبديت أي تمرد على حالي المفزع، لا يزيدوني إلا ظلما وضربا هو وأهله ".

 
تشد بيدها المعروقة على حافة الكرسي، وتخفي بيدها الأخرى دموع تنسكب من مقلتيها، وتطلق ابتسامة خفيفة، وتتذكر " في موقف عزّ علي جدا، فبعد أكداس من الضرب المبرح وأنا حامل بابني الثالث، طلبت النجدة من عمي الذي وجه كلامه لزوجي وقال له، إنها قربة دم- أي حامل-، لا تضربها على خاصرتها وإنما على رأسها حتى تفقد ذاكرتها، وتغدو لا تستطيع الكلام".

وأكملت بغصة تلاعبت بصوتها المتغرغر " صرخت به بأن الله كبير وسيحاسبك ويسقيك من نفس كأس الألم، وبالليل أفرغت ما استطعت من أغراضي وأخذت قرارا حاسما بالهروب إلى أهلي، مهما كانت النتائج... ".

 


طلاق من خلاف:

لكن أمام قرارها الحاسم بعدمالعودة، كُسِرت إرادتها أمام استجداء من زوجات إخوتها، تقول:" كلما أرسلت طلبا بالطلاق منه، تتوسلني نساء إخوتي على أن لا أفعل ذلك، فإن تطلقتُ أنا، هن أيضا سينفصلن عن أزواجهن وأختي ستعود أيضا، بسبب هذه العادات الخرافية، وأمام المصلحة العامة، كان لابد أن أعود، وغصة بقلبي تكبر ، فبعد أن أمضيت أكثر من ثلاث سنوات بعيده عن قهره، لكن كان لي شروطي الخاصة الحازمة هذه المرة، وبعد مضي عدة سنوات، وعندما رأيت بأن التمادي بدأ يتسلل ليطال أبنائي الثلاثة في حينها، حملتهم وهربت بهم نحو الضفة وأنا أردد بنفسي، الموت ولا المذلة...".

 
من لا يرحم، لا يُرحم:-

ما أن تستعيد تهاني أنفاسها، وحياتها، وتنتهي من ظلم زوجها، حتى تعود لنفس البداية، لكن هذه المرة كان الحال مختلفاً؟؟! " فجأة رأيت زوجي وأهله بمنزلي في الضفة فطردوني منه، وكان والدي قد توفاه الله، وأمي قد طعنت بالسن ولا تملك غير منزل صغير أعيش فيه وأبنائي داخل غرفة لا يتعدى سقفها المتر، وازددنا ألما، فأخرج أبنائي من المدرسة، وحرمهم من كل شيء، وبلا رحمة أفرط بعذابهم، وقهرهم، فمنع عنهم الطعام، والمصروف، وأجبرهم على العمل بالحقل لجمع المال، وكالعبيد من الفجر حتى آخر النهار، غير آبه بجوعهم أو تعبهم، كأننا نعيش بالنظام الإقطاعي".
 
 
ذيول المأساة الأخيرة

وبعد هذا النزف الطويل الذي امتد لمدة اثنين وعشرين عاما، ارتعدت شفتاها بابتسامة تحدي، وقالت تهاني :" في الفترة التي قضاها بالضفة بعد أن حصل على تصريح وأهله بالعودة، أنجبت ابنتي الصغيرة وأصبح لدي أربعة أبناء، كلما كبروا شعرت بانقشاع الهم الكبير، فأصبحوا يسدون ثقوب الألم في محنتي العصيبة، إلى أن اتهمني بشرفي، الأمر الذي دعى أبنائي من أصغرهم لأكبرهم أن يطلبوا مني الانفصال عنه، وكالغريق المتعلق بقشة للنجاة، لم أفكر فقد انفصلت عنه لأعيش وأبنائي بسلام وأمان، وابتعدت أخيرا عنه، واحتضنت أبنائي وأصبحت الآن أتوق للعيش فقط من أجل أن أراهم وقد أنهوا تعليمهم".

 
وبعزيمة تكمل "أنا الآن أستأجر هذا المنزل الصغير، محاولة أن أعمل بكل ما أستطيع لأبيعه من(الزعتر البري، والسماق، والميريمة...الخ)، وأساهم في تعليم أبنائي الجامعي، أحاول أن أجعل من كل ذكرى ابتسامه جميلة، ونهاية صغيرة لبدايات تجعل حياتهم أعظم وأقل مرارة، لأرى وجها جديدا للحياة من خلالهم".
 

 



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:40
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:37