هل صحيح أن لاسم (كاليفورنيا) جذور إسلامية وأنه مشتق من اسم ”الخليفة“؟
هل صحيح أن لاسم (كاليفورنيا) جذور إسلامية وأنه مشتق من اسم ”الخليفة“؟

الإثنين | 26/11/2018 - 09:44 صباحاً

من بكين في الصين إلى (بوينوس آيريس) في الأرجنتين، ومن موسكو في روسيا إلى مكة في المملكة العربية السعودية، حول العالم كله يعرف الناس جميعا ولاية (كاليفورنيا) الذهبية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي إلى جانب وجودها الحسي، مكان يعيش في مخيلة كل واحد فينا.

تقع ولاية (كاليفورنيا) في الحدود الغربية للولايات المتحدة. لهذه الأرض بعد نفسي تمثل من خلاله أرضاً واعدة مليئة بالإمكانيات المتاحة والفرص الذهبية. خلال القرن الماضي؛ ظلت أمواج كبيرة من المهاجرين تتدفق إليها، من صناع الأفلام إلى المنقبين عن النفط إلى المزارعين إلى أصحاب الشركات التقنية ورواد عالم الإنترنيت، قامت كل من هذه الأطياف المتنوعة بالهجرة إلى هذه الولاية وهم كلهم أمل في الحصول على حصتهم الخاصة من ”الحلم الكاليفورني“.

لكن حتى على الرغم من أن اسم (كاليفورنيا) معروف في كافة أنحاء العالم، فإن معظم الناس، بمن فيهم سكان الولاية أنفسهم، لا يعلمون بأصوله. قصة أصل اسم «كاليفورنيا» التي سنسردها عليكم في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف» تبرز أن الحلم الكاليفورني ليس ظاهرة جديدة ولا حديثة، بل أنه كان موجوداً وقائماً في مخيلة رجال ونساء على مر قرون من الزمن في الماضي.

كاليفورنيا المستكشفين الإسبان في القرن السادس عشر

تم اشتقاق اسم (كاليفورنيا) من رواية رومنسية تم تأليفها في القرن السادس عشر من إبداع المؤلف والكاتب الإسباني (غارثي رودريغيث دي مونتالبو)، والتي كان عنوانها «Las Sergas del muy esforzado caballero Esplandian, hijo del excelente rey Amadis de Gaula»، الذي يعني «مغامرات الفارس القوي (إسبلانديان)، نجل الملك المميز (أماديس) الغالي [أي من بلاد الغال]».

ورد في هذه الرواية وصف لجزيرة معينة، قريبة جدا من ”جنات عدن“ على الأرض، التي كانت مليئة بالذهب، وكانت تحكمها مجموعة من النساء السوداوات والقويات جدا. كان يعيش على هذه الجزيرة أيضا حيوانات الـ(غريفين)، وهي حيوانات خرافية تتمثل في كائن هجين له جسم أسد ورأس نسر وجناحان، التي كانت النساء تحتفظ بها كحيوانات أليفة.

كان كل رجل يتجرأ على دخول هذه الجزيرة وتطأ قدماه أرضها يقتل ويتم إطعامه إلى حيوانات الـ(غريفين). أوَ تعلمون ما كان اسم هذه الجزيرة الخرافية؟ إنها «كاليفورنيا».

جدارية الملكة (كاليفية) ونساؤها القويات في «غرفة الدون» في فندق (مارك هوبكينز)، في (سان فرانسيسكو) في (كاليفورنيا).

جدارية الملكة (كاليفية) ونساؤها القويات في «غرفة الدون» في فندق (مارك هوبكينز)، في (سان فرانسيسكو) في (كاليفورنيا) – صورة: مدونة Chasing Journeys

وصف (دي مونتالبو) جزيرة (كاليفورنيا) الخيالية في روايته كالتالي:

 

إعلم أنه في الجهة الشرقية من جبال الإنديز كانت هناك جزيرة تدعى (كاليفورنيا)، وكانت قريبة جدا من منطقة «جنة فردوس الأرض»، والتي كانت تقطنها نساء سوداوات، لم يكن هناك رجال بينهن. كانت أجسادهن قوية ومشدودة وكانت قلوبهن متوقدة وكن ذوات قوة عظيمة، كانت الجزيرة نفسها حصينة بصخور شديدة الانحدار وجلاميد وجروف لم يكن لها في العالم مثيل. كانت أسلحتهن مصنوعة من ذهب، وكذلك كانت السروج التي استعملنها لامتطاء حيواناتهن الوحشية بعد ترويضهن لها، ولم يكن في كامل الجزيرة معدن آخر [عدا الذهب]…

على هذه الجزيرة، التي تدعى (كاليفورنيا)، كان هناك الكثير من حيوانات الـ(غريفين)… والتي عندما كانت صغيرة كانت هذه النساء يأخذنها معهن إلى كهوفهن، وهناك كنّ يربينها… وكن يغذينها بكل أولئك الرجال والأولاد الذين كانوا يولدون… وكل كائن حي كان يدخل الجزيرة؛ كان يقتل ويتم التهامه من طرفها [الغريفين]…

كانت على رأس تلك الجزيرة ملكة ذات بدن عظيم، وجميلة جدا، وفي ريعان شبابها، كانت في أفكارها تواقة لتحقيق أمور عظيمة، وكانت فائقة القوة، وكانت ذات دهاء متقد في قلبها الشجاع، أكثر من أي شخص حكم تلك الجزيرة من قبلها.. إنها الملكة (كاليفية) [خليفية].

كيف أصبح اسم هذه الجزيرة الأسطورية اسم الولاية الواحدة والثلاثين في الولايات المتحدة الأمريكية؟

كان المستكشفون الإسبان خلال القرن السادس عشر على دراية بهذه الرواية، وكانوا قد منحوا اسم الجزيرة لما يدعى الآن بـ(باخا كاليفورنيا)، التي كانوا يعتقدون آنذاك أنها كانت جزيرة.

 

بناء على الأساطير التي كانت معروفة آنذاك، كان المستكشفون الإسبان يبحثون عن جزيرة أسطورية أقرب لما تكون جنة على الأرض، حتى على الرغم من أنه في وقت لاحق اتضح أن (باخا كاليفورنيا) كانت شبه جزيرة ولم تكن جزيرة فعلية، فبمجرد أن بدأ هذا الاسم يستعمل على الخرائط، ظل قيد الاستعمال.

الأصول الإسلامية والعربية لاسم (كاليفورنيا)

لقد بدا جليا أن المستكشفين الإسبان اقتبسوا الاسم عن رواية (دي مونتالبو)، لكن من أين اقتبس (دي مونتالبو) نفسه هذا الاسم يا ترى؟

يرى الكثيرون أنه اقتبسه من المسلمين، ويعتقد أنه استلهم الاسم من لقب ”الخليفة“ الذي كان يشار به إلى قائد الأمة الإسلامية آنذاك. مما لا شك فيه أن (دي مونتالبو) كان على دراية بهذه المسميات والألقاب، ذلك أن أقساما كبيرة من إسبانيا كانت تحت سيطرة المسلمين من سنة 757 إلى سنة 1492، وهو ما يتناسب مع حبكة القصة كذلك، حيث يعتبر الكثيرون أن رواية (دي مونتالبو) كانت تجسد تمثيلا حيا للصراع بين المسلمين والمسيحيين خلال الحروب الصليبية.

حكم المسلمين في إسبانيا قديماً

حكم المسلمين في إسبانيا قديماً

تظهر الأصول الإسلامية للإسم مثالا عن الطريقة التي تتأثر وفقا لها حياتنا من خلال الكثير من الثقافات المتنوعة، حتى ولو لم نكن على وعي واضح بهذا التأثير، بالإضافة إلى كل من القهوة، والجبر، والمشافي، وفراشي الأسنان، يجد اسم ولاية (كاليفورنيا) أصوله في العالم الإسلامي، وتماماً مثلما توحي به الولاية نفسها في يومنا الحاضر، فإن اسمها ”كاليفورنيا“ يعبر عن تداخل عدة ثقافات متنوعة.

 

لذا، فإن اسم (كاليفورنيا) يجد أصوله ضاربة في القدم في رواية عمرها مئات السنوات حول جزيرة مليئة بالذهب، تحكمها نساء قويات يربين وحوشا تتغذى على الرجال وكل كائن تطأ قدماه الجزيرة، ومن هذه القصة نستكشف أنها توحي لنا باستقلالية هؤلاء النساء اللواتي لم يكن يحتجن أبدا للرجال من أجل النجاة والاستمرار، وهو ما تحاكيه ولاية (كاليفورنيا) في تاريخها المعاصر، الذي يعتبر حافلاً بمبادرات إعادة هيكلة الأدوار الجندرية في المجتمع، وتتناسب كثيراً هذه الولاية، التي خدمت بمثابة حدود وحاجز ضد مشكلات العرق، والجندر، والدين، مع تلك القصة التي تتعلق بجزيرة أسطورية تذوب فيها الديانة والعرق والجندر.

كما لا يجب أن ننسى أن قصة جزيرة الذهب هذه التي سميت تيمنا بها ولاية (كاليفورنيا) كانت قد سبقت حمى الذهب، التي ساهمت في نشر فكرة الحلم الكاليفورني حول العالم، الذي مازال الناس بعد مئات السنوات لاحقاً، يأتون إلى كاليفورنيا بحثاً عن حصتهم منه.

أغنية (رولاند) في القرن الحادي عشر

في فرنسا في القرن الحادي عشر، أُلفت قصيدة شعرية بعنوان «أغنية رولاند» التي قد تكون مصدر إلهام آخر للمؤلف والروائي الإسباني (دي مونتالبو) لدى ابتكاره لإسم (كاليفورنيا) في روايته السابقة.

تشير هذه القصيدة إلى الهزيمة التي عانت منها فرنسا في الخامس عشر من أغسطس عام 778 ميلادي، وانسحاب الملك (شارلوماني) وجيوشه على يد جيش إقليم (الباسك) في معركة (رونيسنيفو باص) في (بيرين).

في السطر 2924 من القصيدة، وهو البيت رقم 209، يشار بكلمة (كاليفارن) إلى واحدة من الأراضي المذكورة فيها من دون تحديد موقعها الجغرافي بالتحديد.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:34
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:14
العشاء 08:42