«جابوا الصخر بالواد».. مدائن صالح مدينة سعودية قد تحتاج فتوى لزيارتها
«جابوا الصخر بالواد».. مدائن صالح مدينة سعودية قد تحتاج فتوى لزيارتها

الأحد | 17/02/2019 - 12:27 مساءً

لا أكل ولا شرب ولا نوم في مدائن صالح. هذه القبور والمعابد المنحوتة في صخور السعودية تجاورها آبار وقنوات جفت، لكنها ما زالت شاهدة على من عاشوا هناك يومًا.

بجوار مدائن صالح، في الأيام القليلة الأخيرة في عام 2018، غنت ماجدة الرومي، في حفل جاء ضمن فعاليات مهرجان «شتاء طنطورة» الذي أُقيم بمحافظة العلا غرب السعودية، ولكن لم ينته الحفل على خير كما يبدو؛ إذ أوقفت«القناة السعودية الأولى» التي بثت الحفل، وتداولت أنباء عن استبعاد مدير «القناة السعودية الأولى» عن منصبه، وانتشر هاشتاج #ماجدة_الرومي_في_العلا، والذي تضمن العديد من الانتقادات للحفل ومكان إقامته.

«الذين جابوا الصخر بالواد»

مدائن صالح موقع أثري يقع في غرب المملكة العربية السعودية كان يومًا ما مستقر قوم ثمود، وأُطلق عليهم «أصحاب الحجر» لنحتهم بيوتهم في الصخور، وهم الذين ذكرهم القرآن على أنهم ذبحوا ناقة نبي الله صالح التي أرسلها لهم معجزة، فأهلكهم الله بصيحة واحدة من جبريل الملاك.

وتعد مدائن صالح ثاني أكبر مدينة جنوبية لمملكة الأنباط من بعد البتراء بالأردن، وتفصلهم مسافة 500 كيلومتر. وتقع مدائن صالح على طريق التجارة القديم الرابط بين شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، وعلى بعد 320 كيلومترًا شمال المدينة المنورة.

وعُرفت مدائن صالح قديمًا باسم «أجرا» كما ذكرها المؤرخ والجغرافي اليوناني سترابو، وذكرها المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر، باسم «هجرا» في موسوعته «التاريخ الطبيعي»، والتي نشرها بين عامي 77، 79 للميلاد، أما اسمها «مدائن صالح» فيرجع إلى أوائل العصر الإسلامي.

تنتشر في منطقة مدائن صالح أعمال هندسية رائعة منحوتة في الجبال، وهي الأعمال التي اشتهر بها الأنباط. ويوجد بالمنطقة 130 قبرًا ضخمًا منحوتين في صخور منفردة طولية وبينهم تمر أمواج الرمال، وجزر متآكلة من الحجر الرملي شكلت منحوتات هي الأخرى، ولكن بفعل الطبيعة، كما شكلت «حرة عويرض» بأرضها البركانية التي تضيف لهذا المشهد.

زيارتها «محرمة» في رأي غالب العلماء

في عام 2008، اختارت منظمة «اليونسكو» مدائن صالح موقعًا للتراث العالمي، وكان الأول في السعودية. وبالفعل نفذت الهيئة العامة السعودية للسياحة والآثار مشروعًا لتأهيل الموقع وفق معايير «اليونسكو»، وأعلنت أن الموقع مفتوح لاستقبال الزوار، وخففت الحكومة القيود المفروضة على زيارة المكان، الذي لم يشهد رغم ذلك ما يستحقه من إقبال.

فعلى عكس البتراء لا يزور أحد مدائن صالح، فالمسلمون لا يأتون إليها لأنهم يعتقدون أنه مكان ملعون، ومن الصعب الحصول على تأشيرات سياحية لغير المسلمين لدخول المملكة العربية السعودية، إلا أن غياب البشر عنها، فضلًا عن المناخ الصحراوي الجاف السعودي أبقوا على سلامة مدائن صالح، بينما تتحلل واجهات البتراء الأخرى ببطء.

ويستند العلماء في السعودية في فتواهم بتحريم زيارة مدائن صالح بحديث جاء فيه أن النبي محمد لما مر بالحجر (مدائن صالح) قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم فيصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي»، ويعتقد آخرون في أن المنطقة ينتشر فيها صوت ناقة صالح تئن ليلًا ونهارًا، وأن روحها تحوم في الأرجاء، دون تخمين أن النحيب الذي يُسمع هو غالبًا صفير الرياح التي تمر بين الممرات الجبلية القريبة والمقابر المنحوتة في الصخر.

ومن بين الفتاوى ما ذكره محمد بن رزق بن الطرهوني في كتابه «الصيحة الحزينة في البلد اللعينة: رسالة في حكم زيارة مدائن صالح وما شابهها» أنه «لا يجوز شد الرحال إلى مدائن صالح بتاتًا ولا قصدها للزيارة، وأن من مر بها يُفضل له سرعة السير، حتى يُجاوزها، ويجب عليه ألا يشرب من مائها، ولا يأخذ منه شيئًا، ويُسن أن يغطي وجهه فلا يراها، وإذا وقع بصره عليها استعاذ بالله من أن يصيبه مثل ما أصاب قومها، ويظل باكيًا، وإن لم يتمكن من البكاء طوال مدة بقائه فحذار أن يقترب منها، ومن فعل فلا يلومن إلا نفسه، حيث وقع في الحرام وعرض نفسه للعنة والعذاب».

ولكن تزامن انضمام مدائن صالح لقائمة «اليونسكو» مع فتوى عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي بجواز زيارتها، وأنه زارها ويشجع السياحة بالمنطقة من أجل أن يعمل الفقراء، ولكنها الفتوى التي لا يأخذ بها رأي الأغلبية من علماء المملكة بعد.

من أين جاء الثموديون؟

يُنسب الأنباط على الأرجح إلى نابت بن اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهم عرب، استعملوا اللغة الآرامية فقط في النقوش والشؤون العمرانية، وشاركوا العرب في عبادة بعض الأصنام المعروفة عند العرب مثل اللات والعزى. ووضع الأنباط أساس دولتهم العربية في القرن الرابع قبل الميلاد إلى أوائل القرن الثاني؛ حيث قضى الرومان كورفلس بالما بأمر من الإمبراطور تراجان، ثاني الأباطرة الأنطونيين الرومان، على وساطة الأنباط في التجارة العالمية، واحتلها الرومان عام 106 ميلاديًّا.

وفي رواية لفريق من الباحثين أن قوم ثمود هم فلول الهكسوس الذين أجلاهم أحمس عن مصر، وحين استقر بهم المقام في شبه الجزيرة العربية نحتوا بيوتهم في الجبال على شاكلة القبور التي شيدها المصريون القدماء، وتحلوا بطبائع المصريين، فقد بقيت العلاقة بين مصر وقبائل المنطقة العربية، تنتعش فترة وتضمحل فترة أخرى تبعًا للتحالفات القبلية، وهناك احتمال وجود علاقة وطيدة بين مصر والثموديين منذ عصر الدولة الحديثة، بسبب أنه بعد غزو سرجون الثاني (722-705 ق.م) لمصر مباشرة أنزل الهزيمة بالثموديين وغيرهم من جيوب المصريين شمال الحجاز.

كيف كانت الحياة قديمًا بالمدائن؟

تعد مملكة الأنباط إحدى الدويلات التي قامت على طريق البخور التجاري إلى أطراف بلاد الرافدين وسوريا والأردن وفلسطين، وساهمت التجارة في تكوين التاريخ الاقتصادي لها، خاصة وأنها تقع على مفارق الطرق، في المنطقة الواقعة على خليج العقبة، وامتدت في أوج اتساعها لتضم أطراف نهر الفرات والأقسام الجنوبية من فلسطين وحوران حتى تتصل بالبحر الأحمر، ثم دمشق وسوريا وحدود مصر غربًا في سيناء. تكونت المملكة في مجملها من أربع مقاطعات غالبًا، وربما أكثر أو أقل، ولكن يُلاحظ وجود معبد رئيس للإله ذو الشرى في كل مقاطعة مثل: البتراء، مدائن صالح، أم الجمال، النقب.

 

وتتكون الأنباط من أراض صخرية حجرية في أغلب مناطقها، ففيها الجبال والشعاب والواحات الخصبة التي تتوفر فيها المياه ما سهل استقرار الأقوام فيها ومزاولة مهنة الزراعة. ويمكن القول إن بداية نشأة مدائن صالح يرجع إلى أوائل الألف سنة قبل الميلاد، ومن المحتمل أنه قد حكمها الديدانيون الذين عاشوا في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، ومن ثم جاء بعدهم اللحيانيون في حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، وقد اتخذوا مدائن صالح عاصمة لدولتهم.

واللحيانيون هم عرب بقي اسمهم في أماكن عدة من شمال الحجاز وكانوا سادة الإقليم لفترة من الزمن إبان الحكم النبطي، وكان مركزهم الرئيسي هو واحة ديدان جنوب مدائن صالح، وأشارت النقوش في مدائن صالح إلى أن مملكة اللحيانيين قد وقعت في نهاية الأمر بيد القائد النبطي مسعودو، ولكن لا أحد يعرف شيئًا عن زمن حدوث ذلك، ومتى دُمجت مدائن صالح مع مملكة الأنباط، ورُبما يكون ذلك في القرن الأول قبل الميلاد.

جاء الاهتمام قديمًا بمنطقة مدائن صالح بخلاف بقية بقاع مملكة الأنباط في عصر الحارث الرابع ملك الأنباط، وأصبحت منطقة عسكرية واستراتيجية للانسحاب في حالة استيلاء الرومان على البتراء، ولا سيما أن الحارث قد تعرض لضغط روماني شديد في أثناء حكم الإمبراطور أغسطس، وأصبح البحر الأحمر مجالًا لنشاط الغزاة الرومان ما يعني أن الأنباط لم يخسروا التجارة البحرية فقط، وإنما تضاءلت حصتهم من تجارة البر، حتى أصبحت طريق البتراء- غزة تكاد تكون مهجورة، ليلجأ النبطيون إلى الجنوب لإنعاش وضعهم التجاري.

أطلالهم تخبرنا ببعض معتقداتهم

المعلومات عن ديانة وآلهة الأنباط قليلة؛ إذ جاءت الإشارة مقتضبة خلال الكتابات والنقوش المتعلقة بالأديان، واقتصرت الإشارات على ذكر أسماء بعض الآلهة، دون الحديث عن التقاليد والعادات والمعتقدات، إلا أنه تم التعرف على المزيد من المعلومات عن الآلهة عبر تحليل النقوش النبطية وقراءتها، فضلًا عن التنقيبات الأثرية كحفريات خربة التنور في وادي الحسا في الطفيلة.

 

وقد اشتهرت هناك عبادة الإله ذو الشرى ولا سيما في مدينة البتراء، ومن هذه المدينة انتشرت عبادته إلى سائر الأنحاء، ورأت الديانة التوراتية أن الإله يهوه هو نفسه ذو الشرى، حيث يقيم في بيت من الحجر يدعى «بيت إيل»، أي بيت الله.

وكان النبطيون يعبدون الشمس عبادة خاصة، فذو الشرى تعني «الإله المنير»، وهناك نص في النقوش الموجودة في مدائن صالح أطلق عليه «فاصل الليل عن النهار»، وفي نقش آخر أحدث منه يُطلق عليه «سيد العالم»، ومن هذه الألقاب نستنتج أن فيها اتجاهًا للتوحيد.

واقترن هذا الإله برموز مناسبة لأوضاعه، ومنها الأسد والصقر والأفعى، وعندما كان ينافس الإله ديونيوس أو باخوس فإن تمثاله يقترن بأوراق الكرمة وعناقيدها، إذ عثر على نقوش في مدائن صالح عليها شعار هذا الإله وهو عبارة عن معصرة نبيذ.

وجد الباحثون بالمنطقة أربع لهجات عربية قديمة هي الثمودية، واللحيانية، والصفوية، والنبطية بالخط الآرامي. وتدل النقوش الموجودة بالمنطقة على قمة جبل غنيم، جنوب شرق المدائن على أنها المكان الأول للعبادة الوثنية التي اعتنقها الثموديون، كما أكدت النقوش في منطقة وادي الأزرق (وادي السرحان حاليًا) على وجود النقوش الثمودية إلى جانب السريانية، والصفوية، والنبطية وأحيانًا اليونانية إلى جانب الكتابات الإسلامية بوصفها شواهد للقبور والكتابات التذكارية.

 

ووفقًا للنقوش التي وُجدت في معبد الغوافة الذي بناه الثموديون بين نهاية 166-169م، فقد عاش قوم ثمود في منتصف القرن الثاني الميلادي، وكانت منازلهم تقع إلى الغرب من تيماء (تابعة لمنطقة تبوك)، قريبًا من الطريق التجاري الواصل بين الجنوب الغربي لبلاد العرب وبين سوريا ومصر؛ بالإضافة إلى آلاف النقوش التي تعود لفترات تاريخية مختلفة تؤكد على أن مدائن صالح كانت مركز استيطان سكاني منذ العصور القديمة، وأن أهلها عملوا بالتجارة لعهود طويلة.

يعد قصر قبر الصانع أحد أهم معالم مدائن صالح، بواجهته العظيمة التي تتكون من خمس درجات، والنقوش أعلى باب القبر، والفتحات التي تنتشر داخل القبر لوضع الجثث. وبخلاف الصانع، هناك الخريمات التي تتكون من 20 ضريحًا، من أكثر الأضرحة التي ما زالت تحتفظ بنقوشها في مدائن صالح. ويجاورها جبل إثلب الذي حُفر بقلبه طريق ضيق يسمى السيق، وحجرة كبيرة تُسمى الديوان يحيطها عمودان ومصاطب حجرية على جدرانها الداخلية الثلاثة.

وفي مدائن صالح هناك قصر البنت الذي نقشت عليه حيتان داخل مثلث تمثيلًا حارس القبر، وهناك أيضًا قصر الفريدة وهو من أشهر أجمل المقابر النبطية، وسُمي بذلك لأنه منفرد بكتلة صخرية وحده، وتختلف النقوش على واجهته عن المقابر الأخرى، إلا أنه يتشابه مع قصر الفريدة بأنهما منقوشان من أعلى ثم لم تكتمل النقوش والنحت عليهما إلى الأسفل.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:39
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:38