إغتيال براءة الطفل معاذ
إغتيال براءة الطفل معاذ

السبت | 20/07/2019 - 09:29 صباحاً

كتب العقيد لؤي ارزيقات..

 

لم يكن يعلم معاذ أنّ خروجه من منزله في ذلك اليوم سيكون الأخير وبلا عودة، وفراقه لاشقائه وخاصة أصغرهم سيكون الفراق الأخير، كما لم يعلم أنّ وعده الذي قطعه على نفسه لهم أنّه سيعود سالما لن يتحقق.

معاذ طفل جميل محبوب احبه والداه واخوانه واشقاءه وجيرانه والجميع؛ لأن روحه مرحة وضحكته لا تغادر وجنتيه ولا يغضب أحدا.

معاذ لم يعلم أنّ الموت ينتظره اسفل منزله، وقدره سيأتيه بعد لحظات من مغادرته. ويعلم أنّ رصاصة غادرة ستفاجئه وتمزق صدره وتستقر في قلبه، لتنزع روحه من جسده ليغادر الدنيا مفارقا احبائه لجوار ربه الذي سيقبله طيرا من طيور الجنة. كيف لا وهو قُتل بلا ذنب، فهو لم يحمل سلاحا ولم يحمل سكينا ولا حجرا، فهو لا يعلم فيما يتقاتل هؤلاء ولا يعرف فيما تتشاجر هذه الجموع المستهترة بارواحهم وارواح الاخرين.

معاذ توقع كل شيء الا أن يكون هو ضحية هذا الشجار، فهو ذهب لشراء لعبة له ولاخيه الأصغر الذي شاركه في جمع ثمنها من مصروفهما اليومي على مدار أسابيع، ولم يظن للحظة أنّها الشيء الأخير واللعبة الأخيرة التي سيقوم بشرائها دون أن يلعب بها، لعبة لطالما حلم بامتلاكها وباللهو بها مع شقيقه الذي احبه كثيرا وعندما تحقق الحلم قتل برصاصة غادرة وحقدٍ وتشاجر بين اشخاص لسبب أقل ما يقال عنه بانه تافه.

شاب ينظر لشاب اخر فتتشاجر العوائل فيرمي كل طرف الآخر بالحجارة والزجاجات واطلاق النار، كيف لا والجهل سيطر على العقول وغاب اهل العقل والتفكير والتروي، ومات من يزن الامور بميزان الحوار ورجاحة العقل، وظهر من يزنها بميزان العنف والتعصب والقتل والحرق.تفاجأ معاذ بعد خروجه من محل الالعاب بكثافة الحجارة والعصي والزجاجات الفارغة والحارقة تطلق في كل مكان في حارته وحيّه وشارعه، وحرق منازل جيرانه التي احبها واحب من فيها من اطفال طالما لعب معهم أياما وساعات طوال، لايعلم ما الذي حصل.ينظر للعبته التي اشتراها فرحا كأنه ملك الدنيا كلها ويسير، وهو يحتضنها ينظر اليها مرة وأخرى لشرفة منزله التي يقف عليها شقيقه الذي ينتظر لحظة وصوله ليفرحا معا، لكنه ومن هول ما شاهد معاذ في شجار المتشاجرين جعله يرتجف خوفا، لا على نفسه، وانما على لعبته وخوفه على ضياع فرحة شقيقه الصغير.

معاذ يصرخ بعفوية طفولته على هذه الجموع توقفوا توقفوا... لماذا كل هذا؟ وعلى ماذا تتشاجرون؟ أنا سأعتذر للجميع مهما كان الأمر صعبا، صرخة طفل بريء لم يسمعها احد منهم، صرخة سعت لوقف هذه المهزلة ولحقن الدماء وليصل معاذ وكل الاطفال لمنازلهم وليسلم ما اشتراه له ولشقيقه، يشاهد رجل يرمي حجرا وشاب يرمي زجاجة وطائش يحرق منزلا، وفتى يكسر مركبة واخر يشعل نار الفتنة والقتل..

صوت العقل لا يصدح به الا طفل يعتصر الما على جيرانه واهله وحيه واصدقائه لكنه يرتجف خوفا من المجهول الذي ينتظر هؤلاء الجاهلين المتشاجرين المتقاتلين بنظرة شاب لشاب لم تعجبه هذه النظرة.

معاذ لم يسمعه احد وهو يختبئ من الحجارة يمسك بيده لعبته الجميلة الجديدة وبالاخرى كسرة خبز يقتات عليها في مشواره القصير، وعيناه تنظران لباب منزله وتفكيره منشغلا بكيفية الوصول اليه دون أن يصيبه مكروه، يفكر للحظات فيشعر أن الشجار قد هدأ قليلا ليقرر العودة ويبدأ بالركض وهو فرحا بالعودة وقرب الوصول للمنزل، ولكن القدر اكبر من كل شي، اكبر منه ومن تفكيره وحلمه واستعجاله، وقبل وصوله بامتار يخرج شخصا لا يراعي طفولة ولاقرابة ولا صداقة ويبدأ باطلاق النار في كل مكان فيزداد خوف معاذ ويرتجف اكثر فاكثر ودقات قلبه النابض بحب اخيه تتسارع وتفكيره يتسع برسم خطة الوصول، ولكن شيئا رهيبا يحدث لم يكن بالحساب، رصاصة طائشة تغشاه وتستقر في قلبه وتتناثر دمائه وتسيل على صدره ووجهه وتغرق لعبته بدمائه، ينظر اليها فتسيل دمعته باكيا عليها؛ لأن الدماء غرقتها دون أن يعلم أنه سيغادر الدنيا بعد لحظات تاركا لعبته، وتاركا هؤلاء الاشخاص يتشاجرون ويتقاتلون في معركة اللا شيء الكبيرة التي راح ضحيتها طفل كان حلمه أن يلعب ويفرح بلعبته الجديدة، طفل اطلق صرخته ليتوقفوا ويتراجعوا ويستخدموا عقولهم لحل مشاكلهم وليرحموا الاهل والجيران لكن الحقد اعماهم والعنف اغراهم وعدم التقدير تغلب عليهم.

معاذ غادر الدنيا تاركا الجهل والعصبية والفتنة ونار حقد تشتعل في حيه وحارته.

معاذ ترك رسالته قبل أن يغادر أنّ الحب والوئام والسلام هو الطريق الاسلم لتعايش مع بعضهم البعض، لكن هل من مستجيب؟



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:10
الظهر 11:44
العصر 03:15
المغرب 05:56
العشاء 07:19