كيف تحولت مأساة "صانعي القبعات" لكرتون شهير؟
كيف تحولت مأساة "صانعي القبعات" لكرتون شهير؟

الجمعة | 06/09/2019 - 09:28 مساءً

على مدار التاريخ، عرفت البشرية ظهور العديد من المهن الصعبة التي هددت حياة العمال. فإضافة لمهنة الجندي والطبيب أثناء فترة الطاعون وعمّال الحظائر الذين عملوا على تشييد البنايات الشاهقة، مثّلت صناعة القبعات ما بين القرنين 18 و19 واحدة من أخطر المهن، حيث كانت هذه الحرفة محفوفة بالمخاطر التي هددت صحة وحياة العمال، بسبب تعرضهم لنسبة كبيرة من المواد السامة.

صورة تجسد عدد من مراحل صناعة القبعات

 

منذ القرن 14، ظهرت بأوروبا موضة ارتداء القبعات بين الرجال ليسجّل انتشارها بشكل كبير بحلول القرن 17.

وتزامناً مع ذلك، استغل كثيرون الطلب المتزايد على القبعات بمجتمعات أوروبا الغربية ليحققوا أرباحاً خيالية.

إضافة للتجار، انتشر بأوروبا أشخاص امتهنوا صناعة القبعات وعرفوا بصانعي القبعات، عمل هؤلاء في ظروف قاسية وعرّضوا حياتهم للخطر من أجل تلبية طلبات المجتمع الأوروبي.

رسم تخيلي لشخصية صانع القبعات المجنون برواية أليس ببلاد العجائب

في الأثناء، أجرى خبراء تلك الفترة العديد من التجارب لتطوير طرق إنتاج القبعات وتحسين جودتها، حيث تمكّن تاجر فرنسي من ابتكار طريقة فريدة من نوعها، أضرت بكثيرين، حيث عمد الأخير عقب تداويه بالزئبق لعلاج إصابته بالزهري استخدام مادة نيترات الزئبق السامة لتبليل شعر وفراء الحيوانات للحصول بشكل سريع على مادة جيدة تستخدم في صناعة قبعات ذات جودة عالية.

كما اعتمد صانعو القبعات خلال تلك الفترة على محلول برتقالي اللون تكوّن من نيترات الزئبق لانتزاع الفرو عن جلد الحيوانات. وتزامناً مع استنشاقهم للبخار المتصاعد من هذه المادة السامة لفترات طويلة، عرّض العمال أنفسهم لأمراض عصبية وجسدية عديدة كتدهور القدرة على النطق والنظر إضافة للهلوسة والهذيان والهيجان والقلق ورعشة الجسم خاصة عند مستوى اليدين. وبسبب كل هذه الأعراض الغريبة، شبّه العاملون في مجال صناعة القبعات بالسكارى ووصفوا بالمجانين، فضلاً عن ذلك اتجه الأطباء لإطلاق مصطلح "هزّات صانع القبعات" على هذه الأعراض.

صورة للرئيس الأميركي أبراهام لينكولن

مع تدهور حالتهم النفسية ومداركهم العقلية، لجأ صانعو القبعات لتصرفات غريبة ومعادية للمجتمع هددوا من خلالها المحيطين بهم، ولعل أبرز من أصيب بهذه الأعراض هو البطل الأميركي، بوسطن كوربيت (Boston Corbett). فعقب عمله لفترة في مجال صناعة القبعات، انضم لجيش الاتحاد زمن الحرب الأهلية الأميركية قبل أن يقدم سنة 1865 على قتل جون بوث، قاتل الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن، مخالفاً بذلك أوامر المسؤولين الذين طالبوه بعدم فعل ذلك.

عقب انتقامه من قاتل الرئيس لينكولن، تحوّل بوسطن كوربيت لبطل قومي قبل أن يزج به في مستشفى الأمراض العقلية بسبب تهديده بقتل عدد من أصدقائه.

خلال النصف الثاني من القرن 19، أجرت الأكاديمية الفرنسية للطب دراسات حول تأثير نيترات الزئبق وبداية من العام 1874 اتجهت العديد من المؤسسات والمصانع للبحث عن بديل لتعويض هذه المادة السامة.

صورة للمؤلف الإنجليزي لويس كارول صاحب رواية أليس ببلاد العجائب

أواخر القرن 19، عمدت فرنسا وبريطانيا لوضع قوانين لحماية صانعي القبعات من الأمراض سوى أن استخدام نيترات الزئبق استمر لحدود بداية الحرب العالمية الثانية، حيث رفض العديد من المؤسسات وخاصة الأميركية التخلي عن هذه المادة وتعويضها بالهيدروكلوريد.

خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمت نيترات الزئبق لصناعة المتفجرات، ولهذا السبب صادرت السلطات الأميركية كميات كبيرة من هذه المادة لتمويل مجهود الحرب، مجبرة بذلك المصانع على اعتماد مواد بديلة أخرى وعلى رأسها بيروكسيد الهيدروجين ليعرف إثر ذلك نيترات الزئبق نهاية استخدامه في صناعة القبعات.

صورة تجسد عدد من شخصيات رواية أليس ببلاد العجائب

خلال العام 1865، ألف الإنجليزي لويس كارول رواية "أليس في بلاد العجائب" التي تحوّلت تدريجيا لواحدة من أشهر القصص والأفلام الكرتونية التي عرفها التاريخ. وعلى حسب أغلب المصادر، اقتبس لويس كارول شخصية صانع القبعات المجنون (Mad Hatter) بهذه الرواية من معاناة صانعي القبعات مع المرض ونيترات الزئبق خلال تلك الفترة.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:10
الظهر 11:44
العصر 03:15
المغرب 05:56
العشاء 07:19