وفقا لدراسة جديدة نشرت بدورية "كارنت بيولوجي" في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي، فإن فريقا بحثيا دوليا من كل من جامعتي كارديف البريطانية وبينغامتون ومتحف ولاية نيويورك الأميركية اكتشف أقدم غابة في العالم تبلغ من العمر 385 مليون سنة، مما يكشف النقاب عن الأشجار الحديثة التي ظهرت في وقت مبكر أكثر مما كان يعتقد.

فيضان هائل

تحتوي الصخور التي تم اكتشافها في مقلع حجارة مهجور ببلدة كايرو، بالقرب من ولاية نيويورك الأميركية، على الجذور الخشبية المتحجرة لعشرات الأشجار القديمة، والتي تدل على بقايا غابة أثرية. وقد احتوت الغابة على أشجار من خشب وأوراق مشابهة لأشجار غابات العصر الحالي.

وتوقع فريق الباحثين أن فيضانا هائلا قتل معظم أشجار الغابة وغطى الأشجار وجذورها بكمية كبيرة من التربة مما ساهم في حفظها، والسبب وراء هذا الاعتقاد هو العثور على العديد من أحافير الأسماك المرئية على السطح قرب الأشجار الكبيرة.

ويمثل البحث نقطة تحول في تاريخ الأرض. حيث إنه عندما طورت الأشجار هذه الجذور، ساعدت بذلك في سحب ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الهواء، مما أدى إلى تحول مناخ الكوكب بشكل جذري فتكون الغلاف الجوي الذي نعرفه اليوم.

واعتقد العلماء سابقا أن أقدم غابة أحفورية كانت تلك التي تم اكتشافها في غيلبوا "Gilboa Fossil Forest" بولاية نيويورك، على بعد حوالي 40 كلم من موقع كايرو والتي احتوت على عينات عمرها 382 مليون عام، إلا أن غابة كايرو أكبر عمرا من السابقة وتختلف عنها جذريا.

كان يعتقد أن غابة غيلبوا المتحجرة الأقدم عالميا حتى اكتشاف غابة كايرو (ويكيميديا كومونز)

ويقول كريستوفر بيري (الباحث المساعد بالدراسة وعالم الآثار من جامعة كارديف) إن غابة كايرو تظهر تحولا كاملا في النظام البيئي للأرض والمنطقة، بالأخص عند مقارنتها بغابة منطقة غيلبوا.

غابات العصر الديفوني 

كان الفريق قد عثر على موقع الغابة لأول مرة عام 2009، في مقلع حجارة مهجور في سفوح جبال كاتسكيل Catskill بمنطقة وادي هدسون بولاية نيويورك، وخلص الباحثون بعد عشر سنوات من فحص عينات وتحليل الحفريات التي يحتوي عليها الموقع إلى أن المقلع/المحجر كان يضم غابة تعيش فيها أقدم أنواع الأشجار وأكثرها تنوعا.

قام فريق العلماء برسم خرائط لأكثر من 32 ألف قدم مربعة من الغابة. ويقول علماء من جامعة بينغامتون إن هذا الاكتشاف يمنحهم "نظرة أعمق بكثير على انتقال الأرض إلى كوكب غني بالغابات".

وأثناء فحص التربة الأحفورية بمنطقة كاتسكيل القريبة من كايرو، اكتشف الباحثون نظام الجذور الشاملة للأشجار التي يبلغ عمرها 385 مليون عام والتي كانت موجودة خلال العصر الديفوني، المعروف بعصر الأسماك، وهو رابع العصور الستة المكونة للحياة القديمة على كوكب الأرض.

وعلى الرغم من أن بذور النباتات لم تظهر إلا بعد حوالي عشرة ملايين عام، فإن أنظمة الجذور المحفوظة هذه تظهر دليلا على وجود الأشجار ذات الخشب والأوراق، وكلاهما شائع في نباتات البذور الحديثة. ويعد هذا الاكتشاف أول دليل على أن الانتقال نحو الغابات الحديثة بدأ في وقت مبكر عما كان يعتقد سابقا.

ثلاثة أنظمة جذرية

ضم موقع كايرو ثلاثة أنظمة جذرية فريدة من نوعها، مما دفع وليام شتاين المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ الفخري بالعلوم البيولوجية بجامعة بينغامتون وفريقه إلى افتراض أنه -كما هو الحال اليوم- كانت غابات العصر الديفوني غير متجانسة، تتكون من أشجار مختلفة تحتل أماكن مختلفة حسب الظروف المحلية.

ووجد العلماء أن موقع كايرو تميز بكونه موطنا لنوعين مختلفين على الأقل من الأشجار. الأول نباتات شبيهة بالسرخس البدائي تسمى أوسبيرماتوبتيريس (Eospermatopteris) وقد عثر عليها سابقا في غيلبوا وهي شجرة تفتقر إلى الأوراق الخضراء المسطحة الكلاسيكية، ولكن لها قاع سميك وتاج من الفروع في الأعلى يشبه النخيل. 

أما النوع الثاني من الأشجار الذي تميزت به كايرو فكان أركايبتيريس (Archaeopteris) والتي تشترك في عدد من الخصائص مع نباتات البذور الحديثة. وهي أول النباتات المعروفة التي تشكل الأوراق.

يقول شتاين إن هذه الأشجار لها خصائص "أكثر حداثة" إذ تتشابه أنظمة أوراقها وجذورها مع شجرة الصنوبر. كما وجد وفريقه أيضا نظاما لجذر ثالث بالتربة المتحجرة في كايرو ينتمي لشجرة يعتقد أنها كانت موجودة فقط خلال الفترة الكربونية وما بعدها تنتمي إلى فئة ليكوبسيدا (Lycopsida).

ويرى العلماء أن دراسة هذه الأشجار قد تساعدنا في دراسة التحولات المناخية القادمة، وتأثيرها على التحول الجذري في الحياة على كوكب الأرض، والتي قد تنتهي بالانقراض أيضا.

المصدر :  الجزيرة