منذ فجر التاريخ، كان البحث عن حريات جديدة طموحا إنسانيا وسيظل كذلك، وبالتالي سيبقى الإنسان يطالب بمزيد من الحقوق التي قد تبدو اليوم غير قابلة للتحقيق أو سخيفة، غير أن السعي إليها يجب ألا يؤدي إلى تقليص حريات كان الحصول عليها بشق الأنفس أو إلى التخلي عن حماية الضعفاء.

ويقول جاك أتالي، الكاتب والاقتصادي والمستشار السابق للرئيس الفرنسي، في افتتاحية صحيفة ليزيكو الفرنسية، إن الإنسانية بنت بالنضال ديمقراطيات وحصلت على حقوق الإنسان والحقوق السياسية والاجتماعية، غير أن معارك أخرى ستجري في المستقبل لتعميم هذه الحريات.

وسيطالب الناس بحقوق أخرى وربما يحققونها، كالحق في عدم الارتباط والحق في الخصوصية والحق في الموت بكرامة، وحتى الحق في الحصول على عمل مجز، والحق في إنجاب أطفال من حمل خارجي طبيعي أو صناعي، أو حتى الزواج قانونيا مع كائن مستنسخ أو مع تجسدات افتراضية.

وأشار الكاتب إلى أن بعض السلوكيات المحظورة بالفعل في العديد من البلدان، والتي يتغاضى عنها في كثير من الأحيان، كالرق واستغلال الأطفال جنسيا والعنف ضد النساء والأطفال والحيوانات والمضايقات في العمل، ستتحول إلى جريمة خطيرة عالميا يقدم مرتكبوها إلى المحاكم، كما سيصبح حمل الأسلحة وعقوبة الإعدام يوما ما عملا غير أخلاقي حتى في الولايات المتحدة.

وباسم الأخلاق بداية -كما يرى أتالي- سيمنع تدريجيا أي عمل يُنظر إليه على أنه هجوم على كرامة الأقلية، وسيحاكم الأموات بهذا المعيار قبل الأحياء، مما يعني إعادة كتابة كتب التاريخ وروائع الأدب لإلغاء عدد لا يحصى من الأعمال الفنية أو محتواها أو سلوك مؤلفيها.

وربما تصبح بعض طرق التعامل المرحب بها اليوم مجرمة لأنه سيُنظر إليها في المستقبل على أنها مسيئة أو مهينة أو عدوانية، كما قد نحرم باسم حماية الصحة من أكل الملح والسكر، وباسم حماية الكوكب من الاستهلاك المفرط للحوم والمياه العذبة واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة، حتى إن هناك من يريد منع الإنسانية من التكاثر، لحماية بقية الأنواع الحية.

وخلص الكاتب إلى أن التنبؤ بالسلوك والذكاء الاصطناعي والمراقبة بالفيديو وتقنيات التحليل الجيني، سوف تسهل تنفيذ هذه المحظورات، مما يجعلنا نصل أو بالأحرى نعود إلى الدكتاتوريات، حتى تصبح الحرية الفردية استثناء.

وختم الكاتب بأن الواجب يملي ألا نتخلى عن حظر ما لا يطاق وألا نتوقف عن حماية الأضعف من عواقب الحرية المفرطة للأقوى، غير أنا يجب ألا نذهب بعيدا كي لا ندمر الحريات المكتسبة بصعوبة.