عندما يطلق المزارع الفلسطيني النار على رئتيه.... في الخليل محاصيل زراعية بطعم الموت
عندما يطلق المزارع الفلسطيني النار على رئتيه.... في الخليل محاصيل زراعية بطعم الموت

الثلاثاء | 01/11/2011 - 06:01 مساءً

 

 تحقيق: ثائر فقوسة

لم يخطر ببال المزارع أبو سعيد الذي خرج  للاعتناء بكرم العنب الذي يملكه في بلدة بيت أمر، أن  يُعثر عليه ملقىً على الأرض فاقدا للوعي والحركة، وعلى ظهره يحمل "تنكة رش" كان يستخدمها في مكافحة الحشرات التي أخذت تفتك بمحصوله، وعند نقلة إلى المشفى اتضح أنه تعرض لاستنشاق كمية من مبيد "الفوليدول" السام الذي يحظر استخدامه دوليا، وقتها لم يكن أبو سعيد يعلم أنه يحمل الموت بين كتفيه، وبدلا من أن يقتل الحشرات، كان عرضة للموت قبلها.

مبيدات محرمة دولياً 

ويتكرر هذه المشهد القاتم بين مزارعي محافظة الخليل، سيما في موسم بداية نضوج العنب والفاكهة، لتزدحم المشافي بالمصابين بحالات التسمم الخطرة نتيجة تعرضهم او ملامستهم  لبعض أنواع المبيدات الزراعية المستخدمة في رش محاصيلهم، فمنهم من يغادر المشفى بعد تقديم العلاج اللازم له، ومنهم من يبقى يصارع المرض لعدم معرفة المصل المضاد للمواد السامة التي تحتوي عليها المبيدات.

غاز مثيل بروميد  الإسرائيلي المحظور  في معظم دول العالم لا يزال غير محظور في الضفة الغربية وقطاع غزة ويستعمل لتعقيم التربة

 
وتستهلك المحاصيل الزراعية في الخليل كميات كبيرة من المبيدات، حيث تصل إلى ما يقارب  80 طناً سنويا، تتوزع على أكثر من 250 نوعا، وقبل بضع سنوات أقدمت وزارة الزراعة الفلسطينية على منع تداول نحو 16 مبيدا تم حظرها من قبل" منظمة الصحة العالمية" والتي أطلقت عليها لقب  "القائمة السوداء" او مجموعة "الاثنى عشر القذرة"  ورغم تعميم هذه القرار إلا أن هذه المبيدات ما زالت تظهر في الأسواق الخليلية، ويستخدمها المزارعون دون معرفة أخطارها القاتلة على أنفسهم أولا، ثم على المستهلكين والبيئة، ومن هذه المبيدات (قوطنيون، الفوليدول، والمرشال، سوبر أسيد، برودكس، ثيونكس، روبيجان، ميثيل بروميد، مانيك، وهكسانول) ويعود تحريم هذه المبيدات لوقوفها المباشر وراء انتشار أمراض السرطان وتحطيم الجهاز العصبي والتنفسي والعقم والطفرات والتشوهات، إضافة إلى التسمم المباشر للمزارعين الذين يستخدمونها.

رئيس قسم تداول المبيدات في وزارة الزراعة الفلسطينية المهندس عبد الجواد سلطان يشير إلى أنه تم ضبط 3 طن من المبيدات المحرمة دوليا في محلات بيع المبيدات، حيث تم فرض غرامات مالية على أصحابها وحول بعضهم الى النيابة العامة، مؤكدا أن تكثيف الحملات التفتيشية على التجار ساهمت بشكل ملحوظ في اختفاء هذه السموم القاتلة من رفوف محلات بيع المبيدات، إلا أن مرشدي وزارة الزراعة ما زالوا يكتشفون أن بعض المزارعين يستخدمونها في رش محاصيلهم، مما جعلها غير صالحة للأكل، فهذه المبيدات المحظورة التي تظهر في محافظة الخليل كانت الدول تمنع رشها الا بواسطة طائرات زراعية وباذن مسبق من الجهات المختصة، ولا تستخدم إلا عند الضرورة القصوى، ويمنع على المزارعين دخول حقولهم او قطف ثمارها الا بعد مدة طويلة تسمى "بفترة الأمان" ومنها ما كان يستخدم في الحروب لإبادة الجيوش او تطهير الأراضي من السكان، والمزارع الفلسطيني على غفلة من هذه الأخطار.

ويشير سلطان أن هناك عدة طرق لوصول هذه المبيدات الى المزارعين حيث يقوم بعض التجار بتخزينها  في مناطق "C " بعيداً عن أعين المفتشين وصلاحياتهم، ليبيعها المهربون للمزارعين بسرية تامة ودون التعريف بأسمائهم، مما يصعب على الجهات الأمنية الوصول اليهم حال تم ضبط المبيدات، وهناك تجار يعتمدون على باعة متجولين سيما في الريف الخليلي لتوصيل هذه المحرمات للحقول الفلسطينية، ويقوم بعض المزارعين بشراء هذه المبيدات المحظورة من قبل إسرائيليين يسكنون المستوطنات المجاورة، والذين يتسابقون لتوفير أي مواد تعود بالضرر على الإنسان والبيئة الفلسطينية،  وفي كل الأحوال فإن هذه المبيدات ذات سمية عالية تبقى في الثمار، وتفتك بالمزارعين والمستهلكين وتدمر الأرض،  وأضاف: "أمام جشع التجار ومحاولة الإسرائيليين تدمير الزراعة الفلسطينية إحدى مقومات الصمود، ستبقى هذه المبيدات تظهر في حقولنا باعتبارها وسيلة جديدة في حربهم علينا".

منع استخدام 16 مبيداً
ونظراً للأضرار الناتجة عن المبيدات التي تباع في الأسواق الفلسطينية ويستخدمها المزارع بشكل مستمر، أصدرت وزارة الزراعة  بتاريخ 27/7/2011 قائمة جديدة تمنع فيها استخدام وتداول 16 مبيداً (مادة فعالة) إضافية تحوي مواد شديدة السمية، ومنح التجار مدة أربعة أشهر للتخلص منها.

والمزارعون ضحايا لجشع تجار المبيدات حيث يستغلون خوف المزارع على محصوله من الهلاك لاقناعة بشراء مبيدات خطيرة، دون الرجوع الى المرشدين الزراعيين لتشخيص نوع الآفة التي تضرب  الثمار، وبالعادة يتم بيعها بناءً على الوصف الشفوي من قبل المزارع دون زيارة الحقول للمعاينة عن قرب، ومعظم المبيدات المستخدمة بالضفة الغربية يوزعها فلسطينيون يعملون كمندوبين للشركات الإسرائيلية، وغالبا لا يزود المزارع بمعلومات كاملة باللغة العربية (تعطى له بالعبرية) عن كميات الاستخدام المناسبة، وطرق التخزين والتخلص من العبوات، ومتطلبات السلامة العامة والأمان، مما ساهم في تدمير محاصيلهم.
كما أن جهل المزارعين بأنواع المبيدات وأضرارها يفاقم من حجم المشكلة ويساهم في استمرار التحايل عليهم من قبل التجار مما جعلهم وعائلتهم عرضة للموت او الإصابة بالأمراض، حيث أظهرت دراسة علمية- أجريت على مزارعي بلدة بيت امر أكثر البلدات استخداما للمبيدات في الخليل - أن أغلبية أفراد أسر المزارعين يتعرضون لآثار المبيدات المدمرة بطرق مباشرة او غير مباشرة وتزيد فرص تعرضهم لهذه الآثار القاتلة من خلال الآتي: 93% من المزارعين يعودون لبيوتهم بملابس العمل، و66% لا يقرأون التعليمات الموجودة على العبوات قبل الاستخدام، 72% يتبعون ما يبلغهم به بائع المبيدات دون استشارة مختصين زراعيين  و75% يستخدمون أكثر من الكمية المطلوبة و82 % يخزنون فائض المبيدات في البيوت، والأغلبية العظمى من زوجات المزارعين يقمن بمساعدة أزواجهن في عمليات الرش، إضافة الى عدم استخدام الألبسة الواقية، وافتقار عائلات المزارعين للمعلومات التي تنبههم لأضرار المبيدات على الصحة والبيئة.

إسرائيل قدوةٌ لمستخدمي المبيدات من المزارعين
فيما كان الاستغراب والتشكيك أكثر العبارات الظاهرة على  وجوه  تجار المبيدات في المحافظة عندما تم سؤالهم عن مدى خطورة بيعهم تلك المبيدات، حيث سارعوا بالقول:  "لماذا تمنع هذه المبيدات في الأراضي الفلسطينية بالرغم من استخدامها في إسرائيل الدولة الأكثر تقدما في المنطقة من حيث الزراعة"، مؤكدين أن "كل مبيد يكلف وزارة الزراعة الإسرائيلية نحو 100الف دولار تجارب، حتى يتم تسجيله والسماح باستخدامه بعد التأكد من أنه لا يشكل خطورة على الإنسان والبيئة"، و حمّلوا المزارع نفسه مسؤولية الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والمواطنين، معللين ذلك لسوء استخدامهم للمبيدات ما ساهم في ظهور الأمراض وموت النباتات، مما دفع وزارة الزراعة الفلسطينية الى منعها تحت حجة أنها سامة أو قاتلة.

مبيدات اسرائيلية تباع بكثافة في محلات المبيدات بالخليل

"عزام الشرباتي" أحد اكبر وكلاء المبيدات القادمة من الشركات الاسرائيلية يطالب وزارة الزراعة الفلسطينية بضرورة وضع حد "للسوق السوداء" التي تباع فيها المبيدات في الخليل،  والتي تعود بالضرر على الوكلاء الرسميين بالخسائر الفادحة، كاشفا عن قيام بعض المواطنين ممن يحملون بطاقات زرقاء بإحضار المبيدات الخطرة وبيعها للمزارعين  بأسعار مرتفعة، وتابع:" لم تكتف السلطة الفلسطينية بقيام إسرائيل بمنع دخول بعض المبيدات للأراضي الفلسطينية بذريعة استخدامها في المتفجرات، بل تزيد في تضييق الخناق عليهم عبر فرض قوائم جديدة من المبيدات الممنوعة، لتصبح الخيارات أمامهم وأمام المزارعين محدودة".
ومن الجدير ذكره أن وزارة الزراعة الفلسطينية ضبطت منذ سبع سنوات كميات كبيرة من  المبيدات المحرمة دوليا والمنتهية الصلاحية لدى تجار محافظة الخليل، حيث طلبت من التجار ارجاعها الى الشركات الإسرائيلية المصنعة لتتحمل مسؤولية إتلافها، إلا أن الشركات رفضت، ولغاية هذه اللحظة لم تستطع وزارة الزراعة التخلص منها بطريقة بيئية سليمة لافتقارها للوسائل المناسبة، فالبيئة الفلسطينية متخمة بالملوثات، كما أن الإبقاء على هذه المبيدات مخزنة قد يؤدي إلى كارثة بيئية.

السرطان والتشوهات في ارتفاع
"فجميع المبيدات التي تستخدم في الأراضي الفلسطينية تدمر البيئة وتقتل الإنسان إلا أن المبيدات المحرمة تعمل بشكل أسرع وبصورة مباشرة في ارتفاع فعالية المواد الكيماوية السامة التي تحتوي عليها" كما يشير المتخصص في المبيدات المهندس اياد أبو عوض، موضحا: "أن  لكل مبيد فترة امان - وهي الفترة الزمنية اللازمة لانتهاء مفعول المادة السامة للمبيد على القشرة الخارجية للثمار – حيث يصاب كل انسان بالتسمم المباشر في حال تناوله لثمار مرشوشة بمبيد معين دون انتهاء هذه الفترة، ومعظم المزارعين لا يعيرون اهتماما لهذه الإرشادات خاصةً عند ارتفاع أسعار المحاصيل المزروعة في حقولهم، أما المواد السامة التي تتراكم داخل الثمار، فإن تأثيرها يظهر بعد فترة من الزمن بحيث لا يستطيع جسم الانسان التخلص منها بشكل كامل، ويتم تخزينها في خلايا الجسم وعندما يصل تركيزها إلى حد معين فإنها تؤثر على انقسام الخلايا مما يؤدي الى انتشار السرطان والطفرات والتشوهات، وهناك إحصائيات تظهر أن السرطان وأمراض الخلل الجيني في ارتفاع مستمر".

مزارع خليلي يرش دون ارتداء البسه واقيه

من جنة إلى أرض خراب
ويتوقع عوض أن تصبح الأراضي الفلسطينية الزراعية جرداء خلال الأعوام القادمة لكثرة استخدام المبيدات التي أخذت تدمر التربة، من خلال رفع نسبة الملوحة التي تمنع جذور النبات من امتصاص الماء اللازم لبقائها على قيد الحياة، إضافة إلى مساهمتها في قتل الكائنات الحية الدقيقة التي تعمل على تحليل المواد العضوية المفيدة في توفير الغذاء للثمار والأوراق، مما ينذر بحرق التربة واختفاء الغطاء النباتي فيها، وهذا يوضح الخسائر التي يتكبدها المزارعون نتيجة موت محاصيلهم التي تزرع في البيوت البلاستكية في محافظة الخليل التي تستخدم فيها المبيدات بشكل مكثف.

كما أنها تعمل على تلويث المياه الجوفية باعتبارها مركبات كيماوية سامة تبقى عالقة بالتربة، وعند نزول الأمطار تذوب وتتسرب إلى المياه الجوفية مما يؤدي إلى تلويثها، وتساهم بعضها في تدمير طبقة الأوزون مثل غاز "ميثل البروميد" الذي يستخدم في تعقيم التربة.
بعد التعرف على الاضرار الصحية والبيئية المخيفة الناتجة عن استخدام المبيدات بأنواعها، ومدى فوضى وعشوائية بيعها واستعمالها  تحت "فلسفة الكذب التجاري وغش المستهلك"، فهل يمكن للجهات المختصة الرسمية والأهلية أن تتحرك بشكل حاسم لحماية الإنسان الفلسطيني وبيئته من الهلاك، وهل هذه المخاوف ستدفع المزارع الفلسطيني للتفكير في الزراعة العضوية الخالية من المبيدات الكيماوية القاتلة.

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:32
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:15
العشاء 08:43