المحرومات من اللباس الأبيض وبدلة العروس في فلسطين
المحرومات من اللباس الأبيض وبدلة العروس في فلسطين

الأحد | 19/05/2013 - 01:02 مساءً

تقرير الصحفية- نور سلاطنة:

 زقاق طويل على جانبيه أبواب حديدية أكلها الصدأ، ارتداد أصوات أطفال الحارة رجع يضرب في أذنيك عند وقوفك أول الزقاق، تسأل إحدى الأطفال عن بيت أبو محمد سماره، ليبادلونك بضحكات متفرقة، وقهقرة من الخلف إذ بامرأة سمعت السؤال أثناء خروجها للتخلص من نفايات بيتها،" اسمه بيت المجانين إذا صح القول"، يعتريك فضول كبير لتطرق باب هذا الشخص لتتعرف على عائلته، ولتشفي أفكارك من بعض التساؤلات التي تسيطر عليك بمجرد طريقك إلى البيت .

أبو محمد الذي يُشكل فئة لا يُستهان به من المجتمع الفلسطيني، لديه عائلة مكونة من ثلاثة بنات وولد، ابنته الوسطى رهف تعاني من اختلال عقلي منذ ولادتها، مما جعل مجتمع ظالم مكبل بعقلية أزلية لا تتعاطى مع هذه الشريحة بسماحة وتعايش طبيعي أن لا يكتفي بحرمانها من حقوقها بل تعدى ذلك ليصل إلى أختيها، فوجود هذه الفتاة وسط العائلة أوقع على عاتق كل فرد فيها أن يدفع ضريبته الخاصة.

تُعبر الأم عن حزنها الشديد على ابنتها رهف، بالوقت نفسه خجلها بها أمام الجيران والأقارب، فتلخص مأساتها بعبارة " ما ذنب بناتي الأخريات أن لا يتقدم أحد لزواجهن، فقط لأن رهف أختهن "، فبناتها ملك وسماح يتمتعن بقدر كبير من الجمال والعقلية المتزنة، لكن مجرد السؤال عن العائلة تُعطي صفة الاختلال العقلي للكل دون استثناء، ما ذنب أخوات رهف كي يدفعن ثمن ذنب لم يبادرن بحدوثه، وحتى رهف من حقها الحياة بنظرة كريمة وعيش سليم أمام جيرانها وأهلها .

وينظر للأعلى ويتنهد أبو محمد ويحرك شفتاه " أنا شوفير تكسي بسيط في جنين، الحمد لله على كل حال، لكن حمل كهذا كبير على كاهلي، همي يكبُر مع مرور الوقت وأنا أرى بناتي كالأزهار تذبل أمام عيوني" ، وتقاطعه أخته الحديث التي كانت زائرة وقتها عندهم وتصرخ بوجه مُحمر" البنات لا أحد يطرق الباب لزواجهن وهذا لوحده قلق يصيبنا بالعائلة كلنا"، وسألناها إذا كان لديك شاب في مقتبل عمر الزواج هل ستزوجينه لإحدى بنات أخوك، فبدأت تُضيع بصرها  للأعلى وابتسمت " الحمد لله ليس لدي أولاد كبار" .

تذكر سماح الأخت الكبرى مشهد لا يغادر مخيلتها " عندما تقدم شاب لخطبتي، وكانت الأمور تسير على ما يرام وشعرت بالاستهجان لأنهم لم يسمعوا أية تعليقات ممن حولنا، وبعدما رأت أم العريس أختي رهف، اختلقت الحجة ليخرجوا ولم يعودوا من وقتها" ، وتضيف لا أحقد على أختي ولا أكره وجودها، لكني استغرب كثيراً ممن حولنا بأنهم غير قادرين على التعايش معنا.

 

إنها مشكلة نظرة سائدة وربما متوارثة وبالتأكيد بالية وظالمة لمن لهم الحق بالحياة، متجذرة بعقولنا وبنظرتنا للأمور، فليس فقط الموضوع مقتصر على الزواج بل تعدى ذلك ليصل الخروج والسير بين الناس لتعطيهم وصمة ترافقهم في كل مناحي حياتهم لتُبقى لهم معاملتهم الخاصة والناقصة، فمحمد أخ رهف بالمدرسة يسمع الكلام والتجريح بأذنيه " انه أخ المجنونة" .

يُعزى الشباب أسباب رفضهن الارتباط بفتيات يوجد بعائلتهن حالة إعاقة عقلية، خوفهم بالمستقبل من إنجاب حالة مشابهة، وأيضاً خوفهم من تغيير نظرة من حولهم لهم، إن الإعاقة العقلية ليست معدية كما يعتقدون، ولا متناقلة وراثية، وفي هذا الصدد يفيدنا دكتور علم الوراثة أيمن حسين " أمراض الاختلال العقلي وعلى رأسها متلازمة داون ليست من الأمراض المتناقلة وراثياً، وسبب حدوثها يكون صدفة لتُنجب حالة على الأكثر مصابة بالمرض " .

ويضيف "على الرغم من وجود نسبة لا يُستهان بها من الأمراض التي قد تكون بمسببات وراثية، لكن تبقى أولى الأسباب تعود للبيئة والظروف المحيطة بالطفل، بالإضافة إلى إصابته ببعض الأمراض واستفحالها مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة لتصل حد التخلف العقلي" .

حبل الأمل لا يُبتر، فمع الجهود الكبيرة المبذولة بحق ذوي الإعاقة العقلية، هناك تطلعات مستقبلية بأن تتغير النظرة للزواج من العائلات التي لديها حالة إعاقة، وتُعلق مديرة جمعية أصوات لذوي الإعاقة العقلية منتهى عودة " لا زالت جهودنا تسير على نفس الوتيرة التي أُنشأت لأجله، مجرد تحرر الأهل من عقدة الخجل تجاه أبناؤهم المصابين بالإعاقة، هذا مؤشر جيد لنواجه المجتمع بهذه الفئة " .

لم تلجأ أم رهف لتُخبئها عن أعين خُطاب بناتها الأخريات، رهف لا تُشكل بصمة العار تلك  التي يمكن أن تشوه العائلة، ولا يجب عقاب أهلها بمناداتهم " بيت المجانين "، لنتجرد من تحجر العقول ونطلق العنان لمن لهم أيضاً حق الحياة والمشاركة وحتى ارتداء الفستان الأبيض .



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:39
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:38