أنت بطل خارق أو لا شيء.. لماذا يجب أن نتخلص من عقلية فيسبوك وتويتر قبل فوات الأوان؟
أنت بطل خارق أو لا شيء.. لماذا يجب أن نتخلص من عقلية فيسبوك وتويتر قبل فوات الأوان؟

الأربعاء | 21/10/2020 - 07:31 مساءً

هل سبق أن راودتك فكرةٌ سيئة، أو خاطرةٌ خبيثة، هل كان لديك صديق سوء؟ لا أتصوّر في وجودك بالطبع أنّك ستُصادف الخيّرين، بل أمازحك في الواقع، ولكن ليس كثيراً، لأنّه في ظل زيادة تعقيد العالم نجد أنّ الإجابة قد تكون العودة إلى الثنائيات المطمئنة، لا تقلق فلن أخوض نقاشاً حول المتحوّلين جنسياً، لأنّ الانهيار الذي يعقب ذلك يعني أنّني سأتلقّى عدة تهديدات من أشخاصٍ يعتقدون أنّهم "منفتحون".

ولا أُريد رغم ذلك أن نكون جميعاً غير ثنائيين في طريقة تفكيرنا بشأن القضايا الكُبرى، إذ كان من المحزن للغاية مشاهدة الإساءة التي تعرّضت لها ملالا يوسفزاي على الشبكات الاجتماعية، الأسبوع الماضي، لأنّها رفيقة أحد أعضاء حزب المحافظين. إذ روّجت عبر فيسبوك لشابة مرشحة لمنصب رئيس اتحاد الطلاب المحافظين في أكسفورد، وقالت إنّ صديقتها كانت موهوبة، وإنّ ذلك لا يعني تأييد آرائها السياسية الشخصية.

وبعد أن أُصيبت المرأة بطلقٍ ناريٍّ في الرأس على يد طالبان، تعرّضت للهجوم من متصيّدي الشبكات الاجتماعية. أمرٌ مُحزِن بالطبع، ولكنّنا في كل يوم نشهد سقوط امرأة -ودائماً ما تكون امرأة- بسبب نباح الغوغاء.

وما يُثير الاشمئزاز أكثر هو أن ذلك حدث تحت مسمى "الاشتراكية"، لأنّني أؤمن من الناحية المثالية بقبول الاختلاف على أنّه جزءٌ لا يتجزّأ من أي اشتراكية تستحق القتال من أجلها. وحين زعم النواب الشباب المؤيدون لجيمس كوربن أنّهم لن يُصادقوا عضواً في حزب المحافظين مطلقاً؛ احتُفِيَ بهم على أنّهم أبطال الطبقة العاملة، بينما هم في الواقع أبطالٌ في تسجيل هدفٍ عكسي، إن لم تستطع مصادقة شخصٍ يعتنق فكراً سياسياً مختلفاً عنك فكيف تنوي تحديداً إقناعه بتغيير رأيه؟

ويُقال لنا إنّ العالم بات قائماً على الاستقطاب بشكلٍ متزايد، وهذا أمرٌ صحيح إن كنت تعيش على الشبكات الاجتماعية، حيث الجميع إما أبطال أو لا شيء، ولكن في الحياة الواقعية يستطيع الناس الخوض في نقاشات متعارضة داخل رؤوسهم في الوقت نفسه، الأمر غير ثنائي، فأحياناً تكون المواقف يسارية، وتارةً أخرى يمينية، وغير مُحدّدة في الكثير من الأشياء. لطالما كان فرويد أفضل من مارك في فهم طريقة اتّخاذنا للقرارات، إذ نُصدر أحكاماً تقوم على العاطفة غالباً، ثم نحاول العودة لإضفاء المنطق عليها من أجل تبريرها. وأعاق مفهوم "الوعي الزائف" اليسار كثيراً، بعدما تبيّن أنّ ضرب الناس على رؤوسهم بمطارق الحقيقة المطلقة لن يُؤجّج الثورة.

ولو كان هناك وقت نستطيع خلاله رؤية ترابط وتعقيد المجتمع فسوف يكون في خضم الجائحة. ولم تعُد ثنائيات العلم مقابل الحكومة، والاقتصاد مقابل الصحة، والحكومة الوطنية مقابل الحكومة المحلية صالحة. وعادةً يكون "حمقى كوفيد" ببساطة هم أولئك الذين لا يستطيعون تحمّل خسارة سبل عيشهم. وما نتحمله يتغيّر بتغيّر السياق.

إذ غاب الكثير عن الهويات المبنية على فكرة "إن لم تكُن معنا فأنت علينا" خلال السنوات القليلة الماضية. وتحطّم اليسار على يد هوية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) والسياسات الطبقية، لأنّه لم يتناسب مع الثنائيات التي اعتنقها باعتبارها بديهية. وفي أعقاب ذلك قيل لنا إنّها قضية الشباب ضد العواجيز، كما كان الحال مع هزيمة كوربن. لذا علينا أن ننتظر الشباب النقي الذي يُفكّر في كل الأمور بطريقةٍ صحيحة بضع سنوات أخرى حتى يصل إلى السلطة؟ حقاً؟ هل الأمر بهذه البساطة؟

كادت ملالا أن تموت لأنّها كانت مؤمنةً بشدة بتعليم البنات. والتعليم يعني احتضان التعقيد وليس رفضه. وأعلم أنّه من غير البديهي، في عصر شعارات مثل "استعيدوا سلطتكم" و"الأيدي والوجوه والتباعد الاجتماعي"، نقاش عدم اليقين والتعقيد، ولكن ليس أمامنا خيارٌ آخر. وخطاب اليقين على الجانب المعاكس هو أمرٌ خطير، فهو مميت وأصولي كما تعلم ملالا وكما شهدنا في فرنسا، حيث قُطِعَ رأس مدرس بعد أن عرض على تلاميذه صورة كاريكاتورية للنبي محمد.

وكون هؤلاء الشاب يدعمون شخصاً يمتلك أفكاراً سياسية مختلفة عنهم هو أمرٌ يُعزّز الحياة، وعلى حد تعبير أورسولا كي لي غوين: "لم أعرف أحداً… يجد الحياة بسيطة. وأعتقد أن الحياة أو الزمن تبدو بسيطة حين نُغفِل التفاصيل".

والتفاصيل هي أكثر ما نتجاهله في هذا العصر المليء بالثرثرة الصوابية. وهناك أكثر من وسيلة لمنع الشخص من التفكير بخلاف رصاصةٍ في الدماغ. وملالا هي خير من يعلم ذلك، فبإمكانها أن تُصادق من تشاء، وإنّ كانت أفكارك السياسية لا تسمح بذلك فأنا أشعر بالأسف من أجلك.

– هذا الموضوع مُترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية من قبل موقع عربي بوست



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:38
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:12
العشاء 08:39