من البابليين وحتى «جوجل إيرث».. كيف رُسمت خريطة العالم على مدار التاريخ؟
من البابليين وحتى «جوجل إيرث».. كيف رُسمت خريطة العالم على مدار التاريخ؟

الأحد | 02/01/2022 - 09:50 صباحاً

منذ ظهوره على وجه البسيطة اهتم الإنسان بمعرفة شكل الأرض وتحديد معالم المنطقة الجغرافية التي يستوطنها، بل ثبت حتى أن الشعوب الأولى تمكنت من رسم الخرائط قبل أن تتوصل إلى معرفة الكتابة، وأقدم محاولة يذكرها التاريخ في هذا المجال هي تلك المحاولة التي قام بها البابليون؛ إذ تميزت حضارتهم منذ القدم بالاهتمام بالفلك والرياضات، وقد رُسمت خرائط البابليين في الأساس لتقدير الضرائب، وكانت تُنقش على لوحات من الصلصال المحروق، دعونا نحكِ لكم قليلًا عن تاريخ الخرائط الجغرافية.

البابليون والمصريون والصينيون.. المحاولات الأولى لرسم الخرائط

في متحف الساميات بجامعة هارفاد الأمريكية تقبع أقدم الخرائط البابلية والمعروفة باسم لوحة جاسور، حيث اكتشفت في مدينة جاسور شمال بابل، ويرجع تاريخها إلى عام 2500 قبل الميلاد، وهي عبارة عن لوحة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 7×9 سم، كما توجد أيضًا بالمتحف البريطاني عدة خرائط بابلية تمثل أقاليم ومدن بابل.

ولم يرسم البابليون الخرائط المحلية فحسب ولكنهم أيضًا رسموا خريطة تعبر عن فكرتهم عن العالم والذي تصوروه عبارة عن قرص مستدير تحيط به البحار من جميع الجهات، وفي الوقت الذي اعتمدت فيه الخرائط البابلية على تصورها الفلسفي لشكل الإقليم والأرض فإن الخرائط المصرية القديمة جاءت نتيجة حسابات دقيقة، وعلى غرار البابليين رسم المصريون القدماء الخرائط من أجل تقدير الضرائب التي كانت تحتاج إليها الحكومة، وبالرغم من براعة المصريين في الرياضيات إلا أنهم لم يتركوا وراءهم سوى القليل من الخرائط المنقوشة على ورق البردي.

وقد وجدت عدة خرائط مصرية ترجع إلى عهد الملك رمسيس الرابع، أما أقدم خريطة مصرية فهي موجودة في متحف تورينو بإيطاليا، ويعود تاريخ رسمها إلى عام 1150 قبل الميلاد، وتوضح الخريطة أحد مناجم الذهب المصرية في النوبة، وهذه الخريطة تعتبر أقدم خريطة جيولوجية في العالم.

مصدر الصورة: cojs/

ولم تقتصر محاولات الإنسان في رسم رقعته الجغرافية على الحضارات القديمة في الشرق الأدنى ولكن امتدت للشرق الأقصى؛ ففي الصين نشأ وتطور علم الخرائط بشكل مستقل عن باقي شعوب الأرض، ولنفس الدافع كان الاهتمام برسم الخرائط من أجل تقدير الضرائب، خاصة أن حضارة الصين كانت ترتكز بالأساس على الزراعة، وأقدم الخرائط الصينية موجودة في كتاب المؤرخ الصيني الكبير سو ما شين ويعود تاريخها إلى عام 227 قبل الميلاد.

خريطة بطليموس والأرض المسطحة

بداية من القرن الرابع قبل الميلاد طور الإغريق فكرة شكل الأرض، واعتقدوا أنها كروية، ولكن هذا الاعتقاد كان منبعه فلسفيًا أكثر منه علميًا، إذ كانوا يرون أن الدائرة هي أكمل الأشكال الهندسية تناسقًا من حيث بعد أطرافها عن المركز، وبما أن الأرض هي أجمل مخلوقات الآلهة فلابد أن تكون على شكل كرة.

توالت بعد ذلك إضافات الإغريق إلى علم الخرائط مثل تلك التي قام بها هيرودوت الذي رسم خريطة للعالم متضمنة الكثير من المعالم التي جمعها بنفسه، وهناك أيضًا إيراتوستين أمين مكتبة الإسكندرية الذي تمكن من تقدير محيط الكرة الأرضية مستعينًا بمقاييس القدماء المصريين، ولكن أشهر علماء خرائط الإغريق هو كلاديوس بلطيموس السكندري إغريقي الأصل مصري والمولد، والذي يعد بحق واضع أصل الكارتوغرافيا العلمية أو علم رسم الخرائط.

وقد جمع بطليموس نظرياته العلمية في كتابين هما المجطسي والجغرافيا، ويعد الأخير أطلسًا عامًا للعالم؛ إذ وضع الكتاب في ثمانية أجزاء ناقش من خلالها بطليموس الأسس النظرية لشكل الأرض وأبعادها أوضاف أيضًا كشوف بأسماء 8 آلاف موقع مع تقدير خطوط الطول ودوائر العرض لكل منهما، وقد تضمن الكتاب خريطة للعالم إلى جانب 26 لوحة تفصيلية لأجزاء العالم المختلفة؛ 10 لوحات منها لأوروبا، وأربع لوحات لأفريقيا، والباقي خاص بقارة آسيا.

وقد قسم بطليموس خريطته للعالم تبعًا لطول الليل والنهار بداية من خط الاستواء وحتى الدائرة القطبية، وقد امتد العالم المعروف في خريطته لمسافة 180 درجة من كناريا غربًا، إلى الصين شرقًا، وعلى الرغم من جميع محاولات بطليموس فقد احتوت خريطته على بعض الأخطاء منها تقديره لمحيط الأرض وذلك على عكس خريطة إيراتوستين التي كانت أكثر دقة، ولأن محيط الأرض كان أقل من حقيقته، بينما بلغ امتداد العالم أكثر من حقيقته، فقد جاء شكل الأرض في خريطة بطليموس مسطحًا، ومن ثم فإن معظم التفاصيل التي احتوتها خريطة بطليموس كانت مخالفة للواقع.

خريطة الإدريسي والعالم المستدير

لم يحتل علم الخرائط مكانة هامة في النهضة العلمية العربية، إلا بعد أن تُرجمت كتب اليونان القديمة، لا سيما كتب بطليموس، وقد ظل العرب يحافظون على هذا التراث، وتقدمت معرفتهم الجغرافية أشواطًا عما كانت عليه في عهد بطليموس، وبالرغم من ذلك لم يكتف العرب بمتابعة كتب التراث، ولكنهم أعادوا حساب خطوط الطول، ودوائر العرض، وتوصلوا إلى نتائج أكثر دقة، ويمكن القول إن السياق العربي سهل مهمة الاهتمام بفن رسم الخرائط، وتحديد الاتجاهات بسبب اعتماد الكثير من العرب على حياة الترحال، واهتمامهم بالحسابات الفلكية، هذا بالإضافة إلى نظام الصلاة الذي يتطلب بدوره تحديدًا دقيقًا لاتجاه القبلة من مختلف جهات العالم الإسلامي.

وقد وضع محمد بن موسى الخوارزمي الأساس الأول لعلم الجغرافية العربي، وذلك في كتابه «صور الأرض» في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، ولكن معظم الخرائط التي ساهم الخوارزمي في رسمها فُقد، أما أشهر صناع الخرائط العرب فهو أحمد عبد الله بن إدريس الشريف المشهور بالإدريسي، وقد درس الإدريسي في قرطبة، ثم انتقل إلى صقلية، وأقام بها، وهناك أغدق عليه ملكها روجر الثاني الذي منحه كل المال اللازم من أجل رسم خريطة العالم، وبالفعل أرسل الإدريسي مسافرين وجغرافيين حول العالم لجمع المعلومات اللازمة من أجل الخريطة.

وقد سجل الإدريسي نظرياته الجغرافية في كتابه «نزهة المشتاق في أخبار الآفاق» الذي اعتبر فيما بعد مرجعًا للجغرافيين والمستكشفين، ففي القرن الخامس عشر ساعد كتاب الإدريسي مستكشفي البرتغال في ارتياد الأماكن المجهولة.

وكان الإدريسي يعتقد بكروية الأرض، أما عن المسطحات المائية فهي راكدة على الأرض ركودًا لا يفارقها، وفي كتابه رسم الإدريسي خريطته للعالم، وقال أنها تتضمن «صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها، ومواقع أنهارها، وعامرها، وغامرها، والطرقات، والأميال، والمسافات، والشواهد» كما استخدم الألوان في رسم خريطته؛ فظهرت البحار مرسومة باللون الأزرق، والأنهار باللون الأخضر، بينما استخدم اللون الأحمر، والبني، والأرجواني من أجل الجبال، والذهبي للمدن.

أما عن تقسيم الأرض فكان عبارة عن سبعة مدارات متساوية، إذ قبع الجنوب في أعلى خريطة العالم بينما جاء الشمال في الأسفل، وهو الأمر المختلف كليًا عن خريطة العالم الحالية، واعتمادًا على نظريات الإدريسي في الجغرافيا رسم البحار التركي الأمير بيري ريس الخريطة الأولى في التاريخ لسواحل القارة الأمريكية بتضاريس دقيقة.

رسم الخرائط في العهد الحديث

بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على وفاة الإدريسي رسم أورانس فين رئيس قسم الرياضيات بالكلية الملكية الفرنسية خريطة العالم على شكل قلب ورسم معها 18 خريطة تفصيلية أخرى للعالم جميعها على شكل قلب، وخلال عام 1507 رسم عالم الخرائط الألماني مارتن فالدسميلر الأمريكتان لأول مرة على خرائط العالم وقد اقتبس اسم أمريكا من اسم أمريكو فسبوشي ليطلقه على أراضي العالم الجديد المكتشفة حديثًا، وقد فُقدت هذه الخريطة لوقت طويل قبل أن يُعاد اكتشافها مرة أخرى عام 1901 لتشتريها مكتبة الكونجرس بعد ذلك مقابل 10 مليون دولار.

مصدر الصورة: https://www.loc.gov/rr/geogmap/waldexh.html

ومع الطفرة العلمية الحديثة، والتطور البشري الهائل، وثورة الاتصالات، ظهر برنامج «جوجل إيرث»، وخلق ثورة كبيرة في علم رسم الخرائط؛ إذ يعد أدق مصدر للخرائط حول العالم حتى الآن، وقد صُمم هذا البرنامج من قبل شركة «كي هول»، وكان يُطلق عليه في البداية اسم «إيرث فيور» ثلاثي الأبعاد، وترتكز فكرة البرنامج على رسم خريطة الأرض عبر تركيب الصور التي يُحصل عليها من صور الأقمار الاصطناعية، ونظم المعلومات الجغرافية ثلاثية الأبعاد الخاصة بالكرة الأرضية والتصوير الجوي.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:38
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:12
العشاء 08:39