أصبحت الشركات أقوى من الحكومات .. هل نشهد احتضار الإنترنت بالشكل الذي نعرفه عليه؟
أصبحت الشركات أقوى من الحكومات .. هل نشهد احتضار الإنترنت بالشكل الذي نعرفه عليه؟

الأربعاء | 07/04/2021 - 07:09 مساءً

على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، والعام الماضي تحديداً، بدأت شبكة الويب العالمية تبدو أقل عالميةً في جميع أنحاء العالم. إذ تقوم أوروبا بتعويم اللوائح التي يمكن أن تفرض حظراً مؤقتاً على شركات التكنولوجيا الأمريكية التي تنتهك قوانينها. بينما كانت الولايات المتحدة على وشك حظر تطبيقات «TikTok» و «WeChat»، على الرغم من أن إدارة جو بايدن الجديدة تعيد التفكير في هذه الخطوة. أما الهند، التي حظرت هذين التطبيقين بالإضافة إلى العشرات من التطبيقات الأخرى، أصبحت الآن على خلاف مع منصة تويتر.

 

وخلال الشهر المنصرم، احتدم صراع فيسبوك مع الحكومة الأسترالية بشأن قانون مقترح يلزم الشركة بدفع أموال للناشرين. لكن قررت الشركة لفترة وجيزة منع المستخدمين من مشاركة روابط الأخبار في الدولة استجابةً للقانون، مع إمكانية تغيير طريقة عمل منصتها بشكل جذري من دولة إلى أخرى. ثم توصلت يوم الثلاثاء 23 فبراير/شباط إلى اتفاق مع الحكومة، ووافقت على إعادة الصفحات الإخبارية. إذ خففت الصفقة جزئياً من متطلبات الحكومة التي اعترض عليها فيسبوك.

لكن فيسبوك ألمح في إعلانه عن الصفقة إلى احتمال وقوع اشتباكات مماثلة في المستقبل. قال «كامبل براون»، نائب رئيس الشراكات الإخبارية العالمية في فيسبوك في بيانٍ للشركة: “سنواصل الاستثمار في الأخبار على مستوى العالم ونقاوم الجهود التي تبذلها التكتلات الإعلامية لتعزيز الأطر التنظيمية التي لا تأخذ في الاعتبار تبادل القيمة الحقيقية بين الناشرين ومنصات مثل فيسبوك”.

 

ولكن إذا أصبحت مثل هذه الاتفاقيات الإقليمية أكثر شيوعاً، وهو أمرٌ مرجح بالفعل، فإن الإنترنت العالمي الذي نعرفه اليوم سيصبح أشبه بما أطلق عليه البعض اسم «Splinternet»؛ أي الإنترنت المنفصل، أو مجموعة من الشبكات الداخلية المختلفة التي تحدد حدودها الحدود الوطنية أو الإقليمية.

الإنترنت .. إما القومية أو الإنفتاح

Facebook bans all Australian news media sharing

أدى مزيج من القومية المتصاعدة والنزاعات التجارية والمخاوف بشأن هيمنة بعض شركات التكنولوجيا العالمية على السوق إلى تهديدات بفرض إجراءات صارمة على القواعد التنظيمية في جميع أنحاء العالم. وفي هذه العملية، هذه القوى لا تقلب فقط شركات التكنولوجيا التي بنت أعمالاً ضخمة على وعد بشبكة الإنترنت العالمية، ولكن أيضاً فكرة بناء منصات يمكن الوصول إليها واستخدامها بنفس الطريقة من قبل أي شخص في أي مكان في العالم.

ويبدو أن الشروخ تزداد عمقاً. إذ يُعتقد أن هناك اتجاهاً عالمياً نحو تفتيت الإنترنت أكثر بكثير مما كان مجزأً في الماضي. وكما أظهرت الأحداث الأخيرة، لا يلزم حظر النظام الأساسي أو إغلاقه تماماً حتى يحدث هذا التجزئة. فعندما توقف فيسبوك عن عرض روابط من منافذ إخبارية لمستخدميه الأستراليين استجابةً لجهود أستراليا لجعل الشركة تدفع للناشرين، لم يعد بإمكان المستخدمين خارج البلاد أيضاً الوصول إلى المحتوى من منافذ الأخبار الأسترالية. كانت الخطوة المؤقتة تتعارض مع فرضية الإنترنت الذي يعمل كأداة للتدفق الحر للمعلومات على مستوى العالم.

أما في الهند، عندما تم تحذير موقع تويتر من أنه مرحب به للقيام بأعمال تجارية ولكن يجب أيضاً احترام القوانين الهندية، سعى إلى حلٍّ وسط من خلال حجب بعض الحسابات التي كانت تستخدم ما وصفته الحكومة بعلامات التصنيف «الحارقة التي لا أساس لها»؛ والتي تعني لم تكن هذه الحسابات مرئية داخل البلد ولكن لا يزال من الممكن الوصول إليها من الخارج. (أظهرت الهند أيضاً استعداداً أكبر لملاحقة شركات التكنولوجيا الأجنبية، واقترحت قيوداً كبيرة على عملياتها، وفي خضم مواجهة دبلوماسية مع الصين، حظرت «TikTok» وعشرات التطبيقات الأخرى المملوكة للصين).

إنه مشهد مختلف تماماً عن ذلك الذي سمح لشركات التكنولوجيا الأمريكية بتكديس ثروة وقوة هائلة. مع استثناءات ملحوظة مثل الصين وكوريا الشمالية، تمكن فيسبوك وأقرانه من إطلاق منتجاتهم في جميع أنحاء العالم مع القليل من الضغط. الآن قد لا يكون هذا الانفتاح مُعطى.

فما هو قانوني في السويد على سبيل المثال ليس قانونياً في باكستان، ولذا على صنّاع التكنولوجيا وصنّاع القرار إيجاد طريقة ما للتوفيق بين ذلك والطريقة التي يعمل بها الإنترنت. والنتيجة لذلك هي مصالح تلك المنصات وإجراءات الحكومات تفرض حواجز جغرافية، بحيث نرى أشياء مختلفة في بلدٍ ما عن بلد آخر.

تراجع كبير للشركات وتكاتف لكبح جماح السيطرة

Facebook's Australian news ban might do the wrong thing for the right reasons - Vox

على الرغم من أن فيسبوك ليس الشركة التقنية الوحيدة في مرمى الحكومات في جميع أنحاء العالم، إلا أنه ربما يكون أكثر دلالةً من أي شركة أخرى في وادي السليكون عن الوعد بإنترنت عالمي يتعارض مع قوانين البلدان المختلفة.

قبل خمس سنوات، تحدث مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، عن هدفه المتمثل في الوصول إلى 5 مليارات مستخدم، أو غالبية سكان العالم. تمتلك الشركة بالفعل الآن أكثر من 3 مليارات مستخدم نشط شهرياً عبر تطبيقاتها المختلفة، في شهادة على توسعها السريع في جميع أنحاء العالم.
قال زوكربيرج في مقابلة عام 2013 مع محطة CNN:

“نريد أن نصل لذلك حتى يتمكن أي شخص في أي مكان، طفل نشأ في ريف الهند ولم يكن لديه جهاز كمبيوتر مطلقاً من الذهاب إلى متجر والحصول على هاتف والاتصال بالإنترنت والوصول إلى نفس الأشياء التي أنت وأنا نستطيع الوصول إليها عبر الإنترنت”.

حتى في الصين، حيث قام جهاز الرقابة الحكومية على الإنترنت؛ المعروف باسم «Great Firewall» بإغلاق شركات التكنولوجيا الغربية لعقود من الزمن، سعى كل من فيسبوك وجوجل إلى تقديم تنازلات للسماح بالدخول (وإن تكلّل ذلك بقليل من النجاح). أما الآن، يتجه فيسبوك بدلاً من ذلك إلى ما أصبح دليلاً تم اختباره بشكل متزايد لصناعة التكنولوجيا؛ وهو التهديد بسحب منتجاته من الأسواق في مواجهة التنظيم غير المواتي.

في عام 2014، أغلقت جوجل خدمة «أخبار جوجل» في إسبانيا بعد أن أصدرت البلاد قانوناً مشابهاً للقانون الذي تفكر فيه أستراليا الآن. وفي أستراليا أيضاً، هددت بسحب محرك البحث الخاص بها خارج البلاد وفقاً لقانون الإعلام نفسه قبل الاستسلام في النهاية وتوقيع الصفقات مع بعض كبار الناشرين في البلاد.

لكن هذه المرة على الأقل، بدا أن دليل التحكم يعمل إلى حد ما مع فيسبوك. ولكن هناك دلائل على أن البلدان في جميع أنحاء العالم -بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها- أكثر استعداداً لاتخاذ الطريق الأصعب واتباع خطوات البلدان الأخرى في كبح جماح شركات التكنولوجيا الكبيرة. تعتمد هذه الشركات في نهاية المطاف على استمرار الوصول إلى مليارات المستخدمين حول العالم، وقد أظهرت الحكومات استعدادها لقطع هذا الوصول باسم حماية مواطنيها والسيادة على الإنترنت. ولن تزداد المخاطر إلا إذا ركب عدد أكبر من الحكومات الموجة.
قال «سنان آرال»، الأستاذ في كلية إم آي تي ​​سلون للأعمال ومؤلف كتاب «آلة الدعاية: كيف تعطل وسائل التواصل الاجتماعي انتخاباتنا واقتصادنا وصحتنا»:

“إنها نوع من لعبة الدجاج. إذ أن شركات مثل فيسبوك وجوجل ستواجه منحدراً زلقاً إذا بدأت في الخروج من كل سوق يطلب منها دفع ثمن أخبارها، الأمر الذي من شأنه أن يحدّ بشدة من وصول المحتوى الذي يمكن أن يخدم قاعدة مستخدميه العالمية”.

وأضاف: “لديهم مصلحة راسخة في محاولة إجبار أي سوق على عدم فرض مثل هذه اللوائح من خلال التهديد بالانسحاب. أما الجانب الآخر يقول بشكل أساسي: إذا لم تدفع مقابل المحتوى، فلن تتمكن من الوصول إلى سوق المستهلكين لدينا أو المحتوى في هذا السوق”.

مع انهيار الإنترنت .. تتحد الهيئات التنظيمية العالمية

Big tech, big government: Courts having a hard time balancing privacy with traceability, but don't forget individual rights

الصراع على الأخبار في أستراليا هو جزء صغير نسبياً من الصدام بين التكنولوجيا والحكومات، والذي كان يركز إلى حد كبير على قضايا مثل الرقابة والخصوصية والمنافسة. لكن الاستجابة لتحرك فيسبوك في أستراليا أظهرت أن بذل المزيد من الجهود الدولية لكبح جماح شركات التكنولوجيا الكبيرة قد يكتسب زخماً. ومعه احتمال حدوث تصدع إضافي في كيفية عمل خدمات الإنترنت من دولة إلى أخرى.

أصدر رئيس الوزراء الأسترالي؛ «سكوت موريسون»، في الوقت الذي واجهت فيه حكومته فيسبوك الشهر الماضي، تحذيراً إلى عملاق وسائل التواصل الاجتماعي فحواه: ما تفعله هنا قد يعود ليؤذيك في بلدان أخرى. وقال في منشور على فيسبوك: “هذه الإجراءات ستؤكد المخاوف من أن عدداً متزايداً من الدول يستاء من سلوك شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعتقد أنها أكبر من الحكومات وأن القواعد يجب ألا تنطبق عليها. ربما هذه الشركات تعمل على تغيير العالم، لكن هذا لا يعني أنها تديره”.

كما قال موريسون إن قرار فيسبوك بإعادة الأخبار “مرحب به”، مضيفاً أن الحكومة لا تزال ملتزمة بالمضي قدماً في تشريعاتها لضمان “تعويض الصحفيين والمؤسسات الإخبارية الأسترالية بشكل عادل عن المحتوى الأصلي الذي ينتجون”.

تدرس الآن العديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا، تشريعات مماثلة ضد شركات وسائل التواصل الاجتماعي. والعديد من هذه البلدان تتحدث مع بعضها البعض حول أفضل السبل للقيام بذلك.

سيكون من المفيد للغاية أن تجتمع الحكومات في نوع من العمليات العابرة للحدود الوطنية وتتوصل إلى معاهدة أو نوع من المعايير حول من يمكنه الوصول والتأثير على المحتوى والمعلومات خارج أراضيها الوطنية، لأن هذا ما يحاول العديد منها القيام به، لكنها لم تفعل. ونتيجةً لذلك، وصلنا إلى هذه التشتّت.

ومع ذلك، إذا تم السماح لهذه التجزئة المتزايدة بالوصول إلى نهايتها الطبيعية، فقد تكون العواقب وخيمة. فإذا كانت النتيجة النهائية لذلك هي أن لدينا منصات وسائط اجتماعية منفصلة في كل بلد أو سوق رئيسي، فإن ما سيكون لدينا هو نظام معلوماتي منفصل تماماً ومنقسم في جميع أنحاء العالم. وما سينجُم عن ذلك هو مواطنين لديهم مجموعات مختلفة تماماً من المعلومات حول الأحداث المحلية، وحول الأحداث العالمية كذلك، وربما نظرة عالمية شديدة الانقسام للواقع.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:31
الظهر 12:37
العصر 04:17
المغرب 07:16
العشاء 08:44