تعدّ الهند من المقاصد السياحية الأهم في العالم بسبب طقوسها الدينية والاجتماعية غير الاعتيادية وطبيعتها الساحرة وإرثها الحضاري الغني، فضلًا عن مأكولاتها اللذيذة التي لا بد أن يجرّبها كل زائر، ويمكن أن تكون المظاهر الثقافية جزءًا رئيسيًّا من تميزها؛ فالهند بلد مليء بالمفاجآت في كافة المجالات، كما تُعتبر الهند مقصدًا للمسافرين للعمل من جميع أنحاء العالم، وذلك بسبب النمو الاقتصادي والدّخل الجيد لأفرادها حيث تضاعف مردود الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 4 أضعاف منذ سنة 2002.
تعتبر الهند من أكبر البلدان من حيث الكثافة السكانية، حيث تضم سدس مجموع سكان العالم، وبذلك تحتل المركز الثاني بعد الصين كأغزر كثافة سكانية في العالم، كما تشغل القسم الأكبر من دول جنوب آسيا، أما عاصمتها فهي نيودلهي التي تعدّ المركز الإداري لجمهورية الهند الدستورية. تتميز العاصمة بالتنوع الكبير لسكانها فهي تحوي آلاف الأنواع والجماعات العرقية، أما عن مدنها الأكثر اكتظاظًا وكثافة سكانية فهي دلهي وكالكوتا ومومباي.
أشارت الأدلة الأثرية على هيمنة حضارة السند على الشمال الغربي من شبه القارة الهندية لحوالي 600 سنة من 2000 إلى 2600 قبل الميلاد، وطوال هذه القرون أخرجت الهند حياة فكرية غنية في مجالات عديدة مثل العمارة والرياضيات وعلم الفلك والفنون الجميلة والأدب والموسيقى.
في تلك الفترة التي ظهرت فيها الديانة الهندوسية بالإضافة إلى عدد كبير من الديانات، كانت الهندوسية هي المسيطِر الأكبر سياسيًا وثقافيًّا، ثم جاء المسلمون العرب والأتراك والفارسيون وبدؤوا التوغّل في بداية القرن الثامن الميلادي في الهند، وانتشر الدين الإسلامي مع مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، حيث أصبح القسم الأكبر من شبه القارة الهندية يدين بالديانة الإسلامية.
في سنة 1498 وصل الملّاح البرتغالي فاسكو دي جاما وسيطر على الملاحة البحرية في المنطقة، تعرضت الهند لتأثيرات خارجية سلبية أدت إلى التراجع الإسلامي فيها وسيطرة الإمبراطورية البريطانية على شبه القارة الهندية.
استلم البريطانيون إدارة الهند سياسيًّا واقتصاديًّا سنة 1858 حتى عام 1947، وقُسِّمت شبه القارة الهندية إلى دولتين منفصلتين دينيًّا وهما: الهند ذات الأغلبية الهندوسية والباكستان ذات الأغلبية المسلمة، أما المؤسسات البريطانية فثبّتت أقدامها في الأراضي الهندية حتى انتشرت اللغة الإنجليزية على نطاق واسع، وبعد فترة قصيرة أصبحت اللغة الهندية هي اللغة الرسمية جنبًا إلى جنب مع اللغة الإنجليزية التي بقيت هي اللغة الرسمية للمثقفين والناشطين السياسيين.
اقرأ أيضًا: أفضل الروايات الهنديّة لا تفوّتوا قراءتها: وقفة في محطة الأدب الهنديّ
تمتد الهند شمال شرق باكستان ويحدها من الشمال نيبال والصين وبوتان، ومن الشرق ميانمار أو بورما، كما تحيط الهند ببتغلاديش من الشرق والشمال والغرب، أما سيريلانكا فتقع على بعد 65 كيلومترا تقريبًا من السواحل الهندية عبر مضيق بالك ستريت وخليج مانار من جهة الجنوب الشرقي، وتقع مساحة كبيرة من الأراضي الهندية في شبه جزيرة كبيرة يحيط بها خليج البنغال من الشرق وبحر العرب من الغرب، ويمثل كيب كومورين الذي يقع في أقصى جنوب البر الرئيسي الهندي الحد الفاصل بين بحر العرب وخليج مانار.
تشكل الهند مع بنغلاديش وجزء كبير من باكستان وبوتان ونيبال شبه القارة الهنديّة، لتمتد مع بقية قارة آسيا إلى الشرق والغرب عن طريق الحاجز الجبلي الشمالي الضخم لجبال الهيمالايا وسلاسل الجبال المجاورة، كما تمتلك الهند منطقتين إقليميتين تتألفان من الجزر فقط وهما: لاكشادويب في بحر العرب، وجزر نيكوبار وأندامان اللتان تقعان بين بحر أندامان وخليج البنغال، وبذلك تكون الهند من أكبر الدول في العالم مساحةً لتحتل المركز السابع.
تعدّ الهند واحدة من أكثر الدول تنوّعًا عرقيًّا ودينيًّا في العالم مع أعداد لا حصر لها من القبائل والطبقات، لكن تفاوت انتشار الأديان فيها فبعضها اتبعها الكثيرون وبعضها الآخر شكلت الأقلية في البلاد:
تعتبر الهندوسية الديانة الأكثر انتشارًا في الهند، ويمكن الإشارة إليها على أنها غلاف يضم أديان كثيرة بتقاليدها المختلفة، وبذلك كانت ولا زالت الديانة الأكثر تأثيرًا في المحتمع الهندي.
شاع وجود صور آلهة الهندوس في الأماكن الخاصة والعامة وعلى رأسها صور “الإله غانيش” الذي يحمل رأس فيل وجسد إنسان، كما تُعبَد المظاهر الطبيعية كالأشجار الضخمة والأنهار المحددة، وتقوم الديانة الهندوسية على نظام الطبقات المعروف بـ “نظام فارنا” الذي يسوده أربع طبقات وهي: الطبقة الكهنوتية (البراهمة)، طبقة النبلاء والملوك (الكشاترية)، طبقة العمال والحرفيين (شودرا) والطبقة العامة (الفايشيا).
تبدو مظاهر الإسلام في الهند من خلال الفن والهندسة المعمارية والثقافة، وهو ثاني أكثر الديانات في الهند أتباعًا، والسبب هو تقسيم شبه القارة الهندية، حيث هاجر القسم الأكبر من المسلمين إلى الباكستان سنة 1948 واستقر أغلب الهندوس في الهند، وعلى الرغم من ذلك فقد لعب مسلمو الهند دورًا فعّالًا في إنشاء الجوامع والجامعات وإجراء البحوث اللاهوتية، كما يحظى المسلمون الصوفيون في الهند بشعبية حيث تلقى عروض الرقص الصوفي جماهيرية كبيرة.
تعتبر الديانة المسيحية ثالث أكثر الديانات عددًا في الهند وبخاصة الطائفة الكاثوليكية الرومانية التي يتركّز أتباعها بشكل أساسي في مومباي وأقصى الجنوب، وقد بُنيت الكنائس وانتشرت حتى أصبحت مقصدًا للسيّاح، كما أن العديد من سكان الهند اعتنقوا الديانة المسيحية وبخاصة الأقليات التي حُرِمت تقليديًّا من حقوقها مثل المجموعات القبلية والطبقات الدنيا.
تعتبر الهند هي منشأ الديانة السيخية، لكن بعد تقسيم شبه القارة الهندية استقر معظم السيخ في البنجاب، والسيخية ديانة توحيدية تدعو إلى حب الإله الذي لا شكل له والتفاني في سبيله، وأبرز مبادئ هذا الدين هي المساواة والتواضع ومساعدة الغير، فجميع السيخيون يشجّعون على مساعدة المُحتاجين وقليلي الحظ، فمن الشائع أن يقوم السيخي بتقديم الطعام والشراب لجميع زوّار “غوردوارا” الذي يعد المكان الرئيسي للعبادة السيخية، أما عن رموز هذه الديانة فتعتبر عمامة السيخ التي يرتديها الرجال وبعض النساء هي الأبرز.
نشأت الديانة البوذية في البداية كحركة شعبية رفضت الديانة الهندوسية المبكرة، ونشأت ضدها من خلال وضع مبادئ وأخلاقيات عالمية جماعية بدلًا من وضع قواعد أخلاقية على مستوى الفرد. عُرفت العقيدة البوذية “بالحقائق النبيلة الأربعة” والتي تشير إلى إمكانية تحرير الفرد من معاناته في دورة الحياة والولادة الجديدة.
توسّع انتشار البوذية في الهند وازداد أتباعها بشكل كبير خلال الثلاثين عامًا الماضية، فالكثيرون من طبقة المنبوذين نظروا إليها كبديل أفضل من الهندوسية في المجتمع الهندي الحديث، ويقيم العدد الأكبر من البوذيين في سيكيم وولايات ماهاراشترا وجامو وأروناتشال براديش وكشمير.
يطلق على هذه الديانة أيضا اسم “الجاينية” وهي من أقدم الديانات الهندية، وكأسباب مشابهة لبدايات الحركة البوذية، نشأت الديانة اليانية ردًّا على بعض مذاهب وتعاليم الديانة الهندوسية المبكرة، ويتمسّك الشخص الياني المعاصر في الهند الحديثة بمبادئ “أهيسما” الأخلاقية التي تتمثّل بعدم أذيّة الآخر ونشر ثقافة اللاعنف، كما تشجّع الديانة اليانيّة على اعتماد النباتات فقط في الغذاء وعدم أذيّة الحيوانات.
من المظاهر الشائعة بين اليانيين “السمايكا”، وهي طقوس دينيّة تأمُّلية يقودها الراهب بهدف تغذية الروح وتفريغ الطاقة السلبية وتمكين الانضباط الروحي للإنسان. يقيم معظم اليانيين في جوجارات وماهاراشترا وراجستان.
لطالما كانت الهند موطن الحضارات والعلوم المتنوعة منذ القِدَم، وحتى الآن لتحتل المركز الثالث كأكثر البلدان وجهة استثمارية جذّابة للمعامل التكنولوجية في العالم، حيث أشار وزير الاتحاد الهندي قسم العلوم والتكنولوجيا الدكتور هارش فاردان أن التكتولوجيا تحتل الأولوية في الاهتمامات الحكومية بهدف جعل العلوم مركزية بالنسبة لجميع الناس.
ركزت الهند الحديثة على التكنولوجيا تأكيدًا منها على أهميتها في النمو الاقتصادي، كما تميزت الهند في مجال البحث العلمي لتحتل المركز الأول كأفضل دولة في مجال اكتشاف الفضاء، بالإضافة إلى إرسال الحكومة للبعثات المختصة إلى القمر مع المركبة الشهيرة لإطلاق الأقمار الصناعية القطبية (PSLV).
في أيلول 2020 تقدمت الهند أربع مراتب واحتلت المركز 48 لأول مرة في قائمة أفضل خمسين دولة في (GII) “مؤشر الابتكار العالمي”، وقد كان من المتوقع أن يصل إجمالي إنفاق الحكومة في البحث والتطوير إلى 96.50 مليار دولار أمريكي سنة 2020، وتهدف الهند مع حلول عام 2022 لوصول نفقات البحث والتطوير إلى 2% على الأقل من ناتج البلاد الإجمالي، وإليك بعضٌ من التطورات الأخيرة في المجال العلمي والتكنولوجي للهند:
عل الرغم من التقدم العلمي الذي وصلت إليه الهند، إلا أن المنظومة الصحية لم تصمد طويلًا في وجه covid-19،
“لقد انهرنا، ماهاراشترا تغرق وستلحق بها ولايات أخرى، هذا أخطر من الحرب العالمية الثانية“
بهذه الكلمات وصف جليل باركار الطبيب المختص في أمراض الرئة في مشفى ليلافاتي في مومباي الوضع، مُشيرًا إلى الأذى الذي يتعرض له الممرضين والأطباء من قبل الأهالي الغاضبين، ومؤكدًا على ضرورة تحليل نظام الرعاية الصحية المعطل وإصلاحه وزيادة الإنفاق على المنظمة الصحية الذي لا يتجاوز 2% من الناتج الإجمالي المحلي، إذ اقترب نظام الرعاية الصحية في الهند من الانهيار بسبب موجة جديدة من فيروس كورونا بدأت في منتصف آذار 2021 ومزّقت جسد البلد.
منذ بداية انتشار الوباء في العالم كانت الهند من أكثر الدول أذيّة مع ارتفاع عدد الوفيات والإصابات اليومي، حيث خاطب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي العالم معترفًا بالمعركة الكبيرة ضد فيروس كورونا ومناشدًا الدول باتّباع حل الإغلاق التام لأنه الخيار الأخير على حدّ قوله.
لكن الموجة الثانية للفيروس تجاوزت الأولى، فبعد شعور المواطنين بالراحة الزائفة والأمن غير المبرر بعد إجراءات الحكومة الاحترازية وتصريح وزير الصحة أن الهند في نهاية “لعبة” الوباء، أٌقيمت حفلات الزفاف والتجمعات الرياضية بنشاطاتها المتنوعة، كما تم فتح دور السينما من جديد بالإضافة إلى فتح المهرجان الهندوسي “كومبه ميلا” الذي يعتبر أحد أكبر مقاصد الحج في العالم للهندوس، كل ذلك أدى إلى خروج الهند عن سيطرة النظام الصحي الذي يعمل جاهدًا لإنهاء هذه الحرب الصحيّة الفتّاكة.
على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته الهند، أمامها الكثير من الخطوات لتحقق تقدمًّا اجتماعيًّا يطال بنيتها التحتية الاجتماعية، فما زالت الكثير من مظاهر لعادات بالية تنتشر في الهند، وسط تمسك شديد بهذه العادات.
الفجر | 04:42 |
الظهر | 12:39 |
العصر | 04:16 |
المغرب | 07:10 |
العشاء | 08:36 |