في زنوتا آخر نقطة مأهولة جنوبي الضفة الغربية.. هكذا يعيش الفلسطيني تفاصيل الماضي مكرها بكل متعة
في زنوتا آخر نقطة مأهولة جنوبي الضفة الغربية.. هكذا يعيش الفلسطيني تفاصيل الماضي مكرها بكل متعة

الخميس | 10/02/2022 - 09:00 صباحاً

لدى أغلب العائلات في "زنوتا" بناء أشبه بغرفة متنقلة تستخدم لاستقبال الضيوف، في حين تعيش تفاصيل حياتها في كهوف، تقول إنها تعود إلى العصر الروماني.

خربة زنوتا الفلسطينية تعيش الحياة التقليدية بكل أشكالها وتقاوم الاستيطان الإسرائيلي الذي يحيط بها (الجزيرة)

 

تقرير :عوض الرجوب

 

الخليل- بكل متعة، يحرص الشاب الفلسطيني عادل الطل (31عاما) على توثيق تفاصيل حياة السكان في خِربته "زنوتا"، وهي قرية صغيرة في آخر نقطة مأهولة جنوبي الضفة الغربية.

يطل عادل على أصدقائه ومتابعيه عبر شبكات التواصل، جالسا مع والدته مريم الطل (أم فايز)، في كهف العائلة يتناول الطعام أو يصب قهوته أو يعد وجبة المنسف الشهيرة.

 

خربة زنوتا الفلسطينية تعيش الحياة التقليدية محاطة بالاستيطان الإسرائيلي (الجزيرة)

ويقول للجزيرة نت إنه يستمتع بكل تفاصيل حياته، ويحرص على نقلها إلى جيل من متابعيه قد لا يعرف الكثير عن تراث فلسطين، الذي ما زالت عائلته تحافظ على بعض تفاصيله.

كما أنه ينشط في التواصل مع الصحفيين والمتضامنين وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق التجمع وسكانه.

الشتاء يجمع عائلة الطل في كهفها (الجزيرة)

كهوف وعراقة

يعتمد سكان الخربة (تجمع سكاني صغير) على الزراعة وتربية المواشي، ولدى كل عائلة ما يكفيها من الدجاج والحمام، وطابون (فرن تقليدي) لإعداد الخبز من قمح تخزنه بموسم الحصاد صيفا، مع حضور مواقد النار.

مدخل كهف عائلة الطل (الجزيرة)

لا يتجاوز سكان التجمع الفلسطيني 450 نسمة. وبإمكان كثير منهم العيش في بيوت من الحجر الفلسطيني ناصع البياض، لكنهم يفضلون كهوفا قديمة تحت الأرض، وحياة البساطة، رغم شقاوتها.

كهف عائلة الطل يضم كل ما تحتاجه في حياتها اليومية (الجزيرة)

يوفر سكان القرية قوت يومهم من عمل أيديهم؛ فالبيض والحليب ومنتجاته واللحوم جميعها من إنتاج محلي خالص، فضلا عما تنتجه الأرض من خضار بعْلية أشهرها "الخُبيزة"، إضافة إلى الأطباق القديمة والتراثية مثل رقاقة (شرائح عجينة تشبه المعكرونة) بالحليب أو اللبن.

لدى أغلب العائلات، بناء أشبه بغرفة متنقلة تستخدم لاستقبال الضيوف، في حين تعيش تفاصيل حياتها في كهوف، تقول إنها تعود إلى العصر الروماني.

جانب من كهف عائلة الطل (الجزيرة)

 منتجات محلية وطابون

فور وصول الضيف، تستقبله أم فايز (67 عاما) بكوب من اللبن المخيض الطازج، ومن دون إذنه -وخلال لحظات- يتبعه طبق من المنتجات المحلية الطازجة: زبدة، بيض مقلي بالسمن الحيواني، لبن رايب (زبادي)، مصحوب بأرغفة من خبز الطابون الساخن، الذي لا يشبع منه زائر.

إن طال المقام بالضيف، فإن العائلة -كسائر سكان التجمع- لا يقبلون إلا بطبخ رأس من الضأن، إكراما له.

أم فايز (مريم الطل) تعتمد على ذاتها في إعداد طعامها (الجزيرة)

يُعد خبر الطابون، في تنور دائري من الطين، لا يزيد نصف قطره أو ارتفاعه عن 40 سنتيمترا، ويعتمد في الحرارة على نار تسري تدريجيا بمخلفات الأغنام التي تدفن فيه.

تعتز أم فايز بزمانها ونساء جيلها وظروف حياتها منذ ولادتها في الخربة وحتى أصبحت جدة، وتقر بوجود فرق بين بنات جيلها وبنات الوقت الحاضر، مع أن بعضهن يشاركنها تفاصيل الحياة ذاتها، فتقول "بنات زمان أشطر (أفلح)".

قنّ دجاج العائلة (الجزيرة)

لكن ما سرُّ البقاء في ثوب الماضي بتعبه ومشقته، مع وجود فرصة للعيش برفاهية في أرض ومساكن تملكها عائلتها في بلدة الظاهرية القريبة، جنوب مدينة الخليل؟

تقول المسنة الفلسطينية -للجزيرة نت- "المِربى غالي" وتقصد المكان الذي ولدت وعاشت فيه، والذي آل لزوجها بالوراثة، أي قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967، وقبل النكبة عام 1948.

الطابون وهو فرن تقليدي لصناعة الخبز (الجزيرة)

تشير أم فايز إلى سبب جوهري آخر لبقائها، لا يقل أهمية عن سابقه، وهو الاستيطان الذي قضم أغلب أراضي القرية ويحاصرها ويزحف نحو ما تبقى منها "نقف في الخندق الأمامي للدفاع عن أرضنا".

وتقول: "لو خرجنا من زنوتا فلن نعود إليها"، وتشير إلى العديد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمصانع المحيطة بتجمع زنوتا.

مشاريع استيطانية على أراضي خربة زنوتا (الجزيرة)

مشقّة وحصار

من جهته، يقول نجلها رئيس المجلس المحلي للتجمع عزمي الطل إن سكان زنوتا يتحملون المشقة الناتجة عن ظروف حياتهم سواء رعي الماشية أو العناية بها وحلبها وتصنيع منتجات الحليب التي تتعدى 6 أصناف، لكن الأصعب تلك المعاناة الناتجة عن الاحتلال والاستيطان.

وسيطرت المستوطنات على أغلب أراضي السكان بما فيها المراعي، مما أثقل كاهلهم وكبدهم خسائر جعلت بعضهم يتخلص من ماشيته بسبب غلاء الأعلاف، حسب الطل.

مشاريع استيطانية أخرى على أراضي الخربة (الجزيرة)

ويضيف -متحدثا للجزيرة نت- المستوطنات سيطرت على نحو 70% من أراضي التجمع، وتراجعت مساحات المراعي التي يعتمد عليها السكان في تغذية مواشيهم المقدرة بنحو 5 آلاف رأس.

ويخوض رئيس المجلس المحلي، بشكل شبه يومي، مشادات مع مستوطنين يحاولون الزحف على ما تبقى من أراضي التجمع، ويعتبر تلك المواجهة "آخر فرصة متاحة لصد التمدد الاستيطاني".

مع ذلك، لا يخلو التجمع من بعض مظاهر الحداثة؛ إذ يعتمد السكان على خلايا شمسية لتوليد الكهرباء، ويستخدم عادل هاتفه الذكي في التصوير والنشر، في حين تتابع الوالدة التلفاز في وقت فراغها.

خربة زنوتا الفلسطينية تعيش الحياة التقليدية رغم أنها محاطة بالاستيطان الإسرائيلي (الجزيرة)

ملاحقة بالهدم

في الخربة مدرسة أساسية اسمها "التحدي"، وهي مبنى متواضع مسقوف بالزينكو (صفيح الحديد) للصفوف الدنيا، وتعرضت للهدم 3 مرات، ثم ينتقل الطلبة الراغبون في إكمال دراستهم إلى بلدة الظاهرية.

مدرسة التحدي الأساسية في زنوتا (الجزيرة)

أما المجلس المحلي، فهو عبارة عن بناء صغير من الصفيح تدار فيه شؤون الخربة، ويتم التواصل من خلاله مع الجهات الرسمية واستقبال الداعمين والمتضامنين.

مقر المجلس المحلي في زنوتا (الجزيرة)

وتقع زنوتا في المنطقة المصنفة "ج" والمقدرة بنحو 61% من الضفة الغربية، وفق اتفاقية أوسلو الثانية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة.

وتمنع سلطات الاحتلال أي تغيير على الواقع الموجود في هذه المنطقة إلا بتصريح منها، ومن شبه المستحيل الحصول عليه؛ لذلك فإن أغلب مباني الخربة التي فوق الأرض هدمت وأعيد بناؤها كما هو الحال بالنسبة للمجلس المحلي، أو صدر بحقها إخطار بالهدم.

 

 

المصدر : الجزيرة



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أوقات الصلاة
الفجر 04:26
الظهر 11:48
العصر 03:13
المغرب 05:48
العشاء 07:10