الاستعمار المُموَّه.. هكذا اشترت أمريكا «الفلبين» بـ20 مليون دولار
الاستعمار المُموَّه.. هكذا اشترت أمريكا «الفلبين» بـ20 مليون دولار

الأحد | 20/02/2022 - 03:47 مساءً

في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 1898، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 20 مليون دولار للإمبراطورية الإسبانية على سبيل التعويض، مقابل التنازل عن دولة الفلبين؛ وذلك بعدما وقَّع الطرفان «معاهدة باريس» لإضفاء طابع رسمي على انتهاء الحرب «الأمريكية – الإسبانية» وانتقال مانيلا (عاصمة البلاد) من يد إسبانيا إلى أمريكا، دون أن يكون لها ممثل واحد ليكون شاهدًا على بنود المعاهدة، وذلك حين قرر مجموعة من الرجال البيض مصير البلاد نيابةً عن أهلها، فما الذي تعرفه عن الفلبين «المستعمرة الأولى» في الإمبراطورية الأمريكية العظمى؟

الحرب «الأمريكية- الإسبانية».. البداية الحذِرة للإمبراطورية

ابتعدت الولايات المتحدة أثناء ممارستها الهيمنة خارج حدودها عن نموذج «الإمبريالية الأوروبية» (التي ارتكزت على الاستعمار المباشر والخشن)؛ وبحسب كتاب «عملية صنع القرار في السياسة الخارجية»، فإنها مارست طوال تاريخها نوعًا فريدًا من الهيمنة في تاريخ القوى العظمى، إذ أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم «غير الاستعمارية»، وهو حكم شائع عند دراسة التدخلات الأمريكية في العالم، فهل كانت غير استعمارية حقًّا؟

وفقًا لكتاب المؤرخ الأمريكي دانيال إميرفاهر «كيف تخفي إمبراطورية: تاريخ الولايات المتحدة العظمى»، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل طوال تاريخها بذكاء في المستعمرات التي دخلتها، وتستطيع أن تتلمس ذلك في خطابات قادتها؛ إذ حرصت الولايات المتحدة على عدم ذكر كلمة «مستعمرة» في الخطابات الرسمية واستبدلت بها مصطلحاتٍ أخف مثل: «الأراضي التابعة» وبهذه الطريقة تمكنت الولايات المتحدة من التمويه على مشروعاتها الاستعمارية، والتي كانت مانيلا جزءًا منها.

بدأ الأمر عام 1898، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في حربٍ ضد إسبانيا، بحجة تحقيق «الاستقلال الكوبي»؛ إذ كان تحرير الشعب الكوبي من براثن الاستعمار الإسباني الطريقة التي روجت بها الولايات المتحدة حربها ضد إسبانيا لسلب ممتلكاتها في منطقة البحر الكاريبي. بعدها كان الرئيس الأمريكي السادس والعشرين، ثيودور روزفلت، هو من كرس النزعة الاستعمارية من أجل تكريس قوة الولايات المتحدة داخل منطقة البحر الكاريبي.

(الحرب في الفلبين – المصدر Britanica)

حينذاك، كان النزوع الاستعماري والرغبة في تأمين طرق التجارة والحصول على المنتجات الآسيوية، مثل المطاط الذي اشتهرت به دول جنوب شرق آسيا وتوابل منتجات الهند، يمثل هوس ذلك العصر، وهو السبب الذي من أجله أرادت الولايات المتحدة توسيع نطاق نفوذها إلى منطقة البحر الكاريبي، من أجل تأمين الحدود وطرق التجارة البحرية في آسيا.

وقد كانت الظروف حينذاك مواتية لتحقيق المطامع الاستعمارية الأمريكية؛ إذ بدأت الإمبراطورية الإسبانية تفقد سيطرتها على ولايات البحر الكاريبي، ومنها كوبا التي شهدت عدة تمردات واضطرابات سياسية أدت إلى حرب طاحنة بين الإمبراطورية الإسبانية ومتمردي كوبا، وهو ما نتج منه في النهاية مجاعة بين السكان.

فصارت الفرصة سانحة أمام الولايات المتحدة لتتحرك نحو ضم مستعمرات جديدة، مع التأكيد بأن ذلك لا يخالف مبادئها، بذريعة «تحرير الشعوب» من الاستعمار الإسباني. لكنها كانت بحاجة إلى حجة أخرى من أجل بدء الحرب؛ وقد واتتها الفرصة عقب تفجير المدمرة الأمريكية (يو إس إس) في ميناء هافانا بكوبا في 15 فبراير (شباط) 1898، مما تسبب في اندلاع شرارة ما عُرف في التاريخ باسم «الحرب الإسبانية- الأمريكية».

وعلى الرغم من أن الحرب بدأت في كوبا فإنها توسعت في الشهور التالية لتشمل جزرًا وأقاليم أخرى، مثل جزيرة جوام وبورتوريكو والفلبين؛ إذ أرادت الولايات المتحدة الحصول على ممتلكات الإمبراطورية الإسبانية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

معركة وهمية أوقعت «الفلبين» تحت الاحتلال الأمريكي

كانت الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1898 على مستعمراتٍ إسبانية مثل الفلبين وبورتوريكو وجزيرة جوام تجري تحت تحت شعار تحرير شعوبها من الاحتلال الإسباني، وجرى التسويق لتلك الحروب دعائيًّا داخل المجتمع الأمريكي أنها من أجل الحرية، ومساعدة «السكان الأصليين» على التمدن والتحضر، بعد تصويرهم في صورة بدائية.

ولم تطل الحرب كثيرًا، ففي غضون شهور كتبت «معاهدة باريس» الفصل الأخير للحرب، بعدما هزمت السفن الأمريكية الأسطول الإسباني، واستسلم الإسبان في مدينتي سانتياجو دي كوبا وبورتوريكو، وفي أقل من أربعة أشهر كانت إسبانيا قد هُزمت بالكامل.

بحلول أغسطس (آب) 1898 كان الوضع بالنسبة إلى الإسبان في المستعمرات لا يطاق؛ فقد نفدت إمداداتهم وكانوا يخشون من انتقام الثائرين الفلبينيين، ولم تكن القوات الإسبانية لتقبل الرضوخ والاستسلام «لعبيدهم» السابقين، كما يقول المؤرخ الفلبيني كيربي أراولو، ولهذا اختاروا الاستسلام للرجل الأمريكي الأبيض؛ وليحدث ذلك كان لا بد من معركة أخيرة؛ واتفق الحاكم الإسباني مع قادة القوات الأمريكية على عمل معركة مزيفة في مانيلا، تستسلم خلالها القوات الإسبانية للأمريكان.

وبحسب الصحافي الأمريكي، جوني هاريس، فلم تكن تلك المعركة الأخيرة سوى مجرد مسرحية اتفق عليها الطرفان لاستسلام الأسطول الإسباني لنظيره الأمريكي، إذ يشير هاريس إلى أن قائد الأسطول الإسباني فضل الاستسلام لرجلٍ أبيض مثله على الاستسلام للثائرين والمتمردين من السكان الأصليين، ولهذا جرى تنحية ثائري مانيلا جانبًا من المعارك الأخيرة.

(حلقة الصحافي الأمريكي جوني هاريس عن الفلبين)

وحازت حلقة جوني هاريس عن الفلبين والتي نُشرت تحت عنوان: «هكذا سرقت الولايات المتحدة الفلبين» على ردود أفعال واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على منصة الفيديو «يوتيوب»؛ إذ هوجم هاريس بشدة بعد قوله إن الولايات المتحدة سرقت مانيلا.

سارع البعض بعمل حلقاتٍ  تجادل رؤية هاريس في محاولة لإثبات سعادة الشعب الفلبيني بمساعدة الولايات المتحدة لهم في التخلص من الاحتلال الإسباني، وهي الرؤية التي تتبناها التقارير الرسمية للولايات المتحدة، ويدحضها هاريس مشيرًا إلى أن حجة الحرب من أجل «تحرير الشعوب» مجرد تبرير تستخدمه الولايات المتحدة لشرعنة عملياتها في الخارج، مستدلًا على ذلك بسنوات الاحتلال الأمريكي للفلبين، والحرب الدموية التي خاضتها الولايات المتحدة مع المتمردين الفلبينيين حتى عام 1902.

إذ على الرغم من أن معاهدة باريس قد كتبت نهاية الحرب مع التاج الإسباني، فإنها كانت مجرد البداية لحربٍ طاحنة ودموية بين القوات الأمريكية ومتمردي كوبا وبورتوريكو والفلبين الذين رفضوا الاستسلام، ورأوا في استسلام الإسبان للقوات الأمريكية استبدال احتلال بآخر.

فعندما هزمت أمريكا إسبانيا عام 1898، ظن الفلبينيون أن ثلاثة قرون من الاستعمار قد ولت؛ وبدأوا في إعلان جمهورية جديدة وكتابة الدستور؛ إلا أن «معاهدة باريس» خيَّبت كل آمالهم؛ وذلك بعدما استحوذت أمريكا على أكثر من 7600 جزيرة تشكل الفلبين؛ ودفعوا في مقابل ذلك تعويضًا ماديًّا للإمبراطورية الإسبانية قدره 20 مليون دولار.

تاريخ وفلسفة

منذ سنتين

البلاد التي تحتلها أمريكا ولم تسمع عنها من قبل.. ربما لن تصدق عددها

هذا الأمر جعل ثائري مانيلا يعلنون تمردهم على الاحتلال الأمريكي الجديد، وهو ما قابلته الولايات المتحدة بقبضةٍ حديدية لإحكام سيطرتها على المستعمرات الجديدة، وهنا بدأت حرب عصابات بين القوات الأمريكية والسكان الأصليين؛ جرى تجاهل أخبارها على الصحف الأمريكية؛ وهي الحرب التي استمرت ثلاث سنوات جرى التعامل فيها بعنفٍ مفرط مع الثوار.

كان الفلبينيون يعرفون طبيعة الأرض جيدًا؛ إلا أن تسليحهم كان سيئًا إلى درجة محاربة بعضهم بالرماح، بينما امتلكت القوات الأمريكية أفضل أنواع الأسلحة والذخيرة؛ وهو ما جعل الضحايا من الفلبينيين يصل إلى نحو 20 ألف جندي حتى نهاية الحرب عام 1902 وذلك في مقابل 4200 جندي أمريكي فقط؛ وأشارت التقارير إلى استخدام الولايات المتحدة التعذيب والإيهام بالغرق مع المتمردين الفلبينيين أثناء الحرب.

بحلول عام 1902، كانت الولايات المتحدة قد سحقت المعارضة الفلبينية وأحكمت قبضتها على البلاد لتصبح بذلك أول مستعمرة للولايات المتحدة العظمى، وقد وضعت البلاد ضمن الخرائط المعتمدة بوصفها أرضًا أمريكية.

تبعية بلا حقوق.. الفلبين أمريكية لكن مواطنيها غير أمريكيين

كان الفلبينيون يظنون أنهم سيحصلون بالفعل على استقلالهم بمجرد خروج القوات الإسبانية من البلاد؛ وقد صدَّق بعض ثائريها أن الولايات المتحدة أتت لمساعدتهم في حربهم ضد الاحتلال الإسباني؛ إلا أن ما فعلته الولايات المتحدة فعلًا هو مصادرة مصير الشعب الفلبيني.

كان إعلان الفلبين أرضًا أمريكية يضع الولايات المتحدة في مأزق يخص كيفية التعامل مع الشعب الفلبيني، وما إذا كان يجب اعتبارهم مواطنين أمريكيين أم لا، وإن جرى اعتبارهم أمريكيين؛ هل يحق لهم التصويت على الرئيس القادم للولايات المتحدة؟ لقد شغلت أمور مثل هذه الرأي العام الأمريكي بقوة آنذاك.

كانت الولايات المتحدة ترغب في الاستفادة من الأراضي التي استعمرتها، لكن من دون أن يكون لمواطني تلك الأراضي أية حقوق، لذا جرى كتابة الصيغة القانونية الجديدة لحكم المستعمرات خارج الحدود تحت عنوان «الأراضي التابعة»، وهي الأراضي التي وقعت تحت القيادة الأمريكية من دون أن يكون لشعوبها أية حقوق مدنية باعتبارهم مواطنين أمريكيين.

وطوال فترة الاحتلال الأمريكي للفلبين، والتي استمرت حتى عام 1946، كان يجري التلويح من وقت لآخر بمسألة الحكم الذاتي للفلبينيين؛ على الرغم من أن الحكم الأمريكي للفلبين امتاز بالبيروقراطية والاستبداد، كما جرى سن قوانين تجرم المقاومة وتحرم عبارات الاستقلال.

وحتى بعد حصول مانيلا على استقلالها، احتفظت الولايات المتحدة بحق السيطرة عليها؛ وذلك من خلال مجموعة من الاتفاقات غير المتكافئة، والتي خدمت المصالح الأمريكية على حساب أبناء الشعب الفلبيني. كان ذلك مثل «قانون بيل» للتجارة الذي جرى إقراره في عام الاستقلال نفسه 1946، والذي ربط العملة الفلبينية بالدولار الأمريكي وسمح للمواطنين والشركات الأمريكية بالوصول إلى موارد البلاد.

كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية سيطرتها على الأراضي التابعة لها بعد الاستقلال من خلال «القواعد العسكرية» أيضًا، كان منها اثنتان من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية بالخارج تقعان في الفلبين، بعد عقد اتفاقية القواعد العسكرية بين الطرفين عام 1947. وعلى الرغم من تأكيد البعض عام 1992 أن مانيلا تمكنت من طرد الجيش الأمريكي من البلاد واستعادة السيطرة على القاعدتين؛ فإن القوات الأمريكية لم تغادر البلاد وحتى الآن، بحسب تقرير «واشنطن بوست»، والذي يناقش الوضع الأمريكي في مانيلا.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:10
الظهر 11:44
العصر 03:15
المغرب 05:56
العشاء 07:19