سياسة النفس الطويل.. لماذا لا يخشى أردوغان من التضخم في تركيا؟
سياسة النفس الطويل.. لماذا لا يخشى أردوغان من التضخم في تركيا؟

الثلاثاء | 01/03/2022 - 08:48 صباحاً

مع بداية شهر فبراير (شباط) 2022 قلل البنك المركزي التركي معدل الفائدة للشهر الخامس على التوالي بناءً على تعليمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو المسلك غير المألوف الذي اعتمده الرئيس التركي لمجابهة التضخم الآخذ في التوحش بالبلاد، رغم نصائح الاقتصاديين ورجال الأعمال التقليديين الذين يرون أن الحل الأمثل للحد من التضخم في تركيا هو زيادة سعر الفائدة، وتقليص دورة المال في الاقتصاد التركي.

لكن على الرغم من فاعلية تلك النصائح في وجه التضخم، وعلى الرغم من معاناة الأتراك الذين أصبحوا يصطفون أمام المخابز الحكومية المدعمة، بعد انهيار قيمة مرتباتهم، وغلاء الأسعار بصورة غير مسبوقة، فإن الرئيس التركي استمر في سياساته التي يؤكد أنها مبنية على فهمه العميق للاقتصاد؛ الأمر الذي يعد محل شك من طرف المعارضة.

وقفز معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 48.7% حسب البيانات التي نشرتها الحكومة التركية في الأول من فبراير (شباط) 2022، وهو المعدل الأعلى في البلاد خلال العشرين سنة الماضية، كما خسرت الليرة التركية 44% من قيمتها عام 2021، وذلك رغم تطمينات الرئيس التركي لشعبه بأن الأزمة مؤقتة، وأن الحكومة قادرة على حلها في أي وقت، لكنها ترى فيها منافع تتعدى الضرر الواقع على الشعب جراء زيادة تكاليف المعيشة، فما هي تلك المنافع المحتملة؟

يزيد من الصادرات ويجذب الاستثمارات.. الوجه المشرق للتضخم 

في طريقه لتحقيق نمو اقتصادي بأي ثمن، يرى أردوغان أن التضخم، وتقليل معدلات الفائدة، سيجعل المنتجات التركية مرغوبة أكثر في الأسواق العالمية، وسيزيد من الطلب عليها نظرًا لرخص أسعارها، وهي السياسة نفسها التي تتبعها الصين لزيادة صادراتها عالميًا.

وأضفى أردوغان بُعدًا دينيًا على معركته الاقتصادية ضد الفائدة المرتفعة عبر الإشارة إلى موقف الإسلام السلبي من الفوائد، وقال في تصريح له إن حكومته سترفع عبء الفائدة عن كاهل المواطنين، وأنه سيحارب الفائدة ما دام على رأس السلطة.

 

إذ يعني تقليل معدلات الفائدة أن المواطنين لن يفضلوا وضع أموالهم في البنوك، وأنهم سوف يستثمرونها في الاقتصاد، ويزيدون من إنفاقهم؛ وهو ما سيزيد من العوائد الاستثمارية بالنسبة للمستثمرين المحليين من وجهة نظر أردوغان، خصوصًا في سوق العقارات الذي يشهد ازدهارًا في أوقات التضخم نظرًا لاتجاه الناس إليه باعتباره ملاذًا آمنًا للاستثمارات، أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية، فإن أردوغان يرى أن انخفاض سعر العملة سيشجع المستثمرين الأجانب على تنفيذ مشروعات في البلاد بدافع التكلفة الرخيصة.

كما أن زيادة الاستثمارات في البلاد، سواء كانت محلية، أو أجنبية، نتيجة للتضخم، وتقليل معدلات الفائدة، تعني بالضرورة زيادة فرص العمل والوظائف في الاقتصاد، وهو ما يراه أردوغان حافزًا رئيسًا للاستمرار في سياساته الاقتصادية غير المعتادة.

ولا يؤيد الكثير من الخبراء الاقتصاديين، ورجال الأعمال، رؤية أردوغان، ويرون أنه يتوجب عليه القلق، لا من سياساته فحسب، بل على منصبه أيضًا؛ إذ قال سنان أولجن، الخبير الاقتصادي بمركز «كارنيجي» بأوروبا، في تصريح له لصحيفة «الواشنطن بوست»: إن الرئيس التركي «يعتقد أنه على صواب، في حين أن بقية العالم يعتقدون أن عكس سياساته هو الصواب بعينه» فما أوجه الاعتراض التي يطرحها أولئك الخبراء على سياسات الرئيس التركي بشأن التضخم؟

الجانب المظلم من التضخم.. يزيد معدلات الفقر وعدم الاستقرار

يرى بعض الخبراء أن رؤية الرئيس التركي للتضخم باعتباره فرصة لزيادة صادرات البلاد مثلما هو الحال مع الصين بعيدة عن الواقع؛ إذ إن تركيا تستورد العديد من السلع الأساسية التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار استيرادها بسبب التضخم، ومن بينها قطع غيار السيارات، والخضروات، والأنسجة، وسيؤثر انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار عبئًا كبيرًا على مستوردي تلك السلع؛ ما سيؤدي في النهاية إلى صعوبات لا تُحتمل بالنسبة للمواطنين الأتراك.

فقد نقلت «بي بي سي» عن مزارعة تركية تدعى «فريدة طوفان» قولها إن الحل الباقي لديها في ظل زيادة تكاليف الوقود والأسمدة أن تبيع أرضها التي تملكها كي تستطيع الوفاء بالديون التي عليها، وتساءلت في استنكار: «إذا بعنا الأرض، فما الذي سيبقى لنا؟»

وفي تقرير أعدته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في بلدة «ريز»، مسقط رأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال أحد المزارعين، ويدعى مهمت أليباريس: «نحن نقبع في قاع البئر. لا توجد لدينا أية قوة شرائية باقية. سأدلي بصوتي لأي أحد يستطيع أن يتخلص من هذه الحكومة».

احتجاجات في تركيا ضد تخفيضات أسعار الصرف

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021 خرج الآلاف من الأتراك في مظاهرات عارمة بشوارع إسطنبول للمطالبة بزيادة الحد الأدنى من الأجور في ظل انهيار العملة وارتفاع معدلات التضخم، ورفع المتظاهرون شعارات تندد بارتفاع نسبة الفقر في البلاد نتيجة سياسات الحكومة التركية تجاه الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهو ما رأى فيه بعض المعارضين دليلًا على فشل تلك السياسات، ومؤشرًا على إمكانية إطاحة الرئيس التركي وحكومته.

ومع تفاقم عدم الاستقرار السياسي في البلاد نتيجة للتضخم وانهيار العملة، فإن بعض الخبراء يشكون في قدرة البلاد على جذب المستثمرين الأجانب إليها، والذين عادة ما يفضلون البلدان المستقرة سياسيًا واقتصاديًا لإنشاء مشروعاتهم الاستثمارية، وتتعدى احتياجاتهم رخص العمالة وتكلفة التشغيل.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 05:09
الظهر 12:44
العصر 04:15
المغرب 06:57
العشاء 08:20