ماذا يعني تجميد الأرصدة؟ هكذا وضع الغرب يده على 315 مليار دولار من روسيا
ماذا يعني تجميد الأرصدة؟ هكذا وضع الغرب يده على 315 مليار دولار من روسيا

الثلاثاء | 08/03/2022 - 04:11 مساءً

تستطيع المؤسسات المالية والبنك المركزي والبنوك الخاصة تجميد أرصدتك لديها، ويعني ذلك أنك لن تستطيع التصرف بأموالك حتى يقرر البنك فك تجميد أرصدتك، ويمكن أيضًا للدولة أن تجمد أرصدتك لدى البنوك التابعة لها، وذلك في حالات الاشتباه باستخدامها في نشاطٍ مخالفٍ للقانون، وقد يكون ذلك إجراءً عقابيًّا أيضًا. 

هذا في حالة تجميد الأرصدة على مستوى الأفراد التي تحدث بالشكل نفسه مع الشركات الخاصة، والأمر لا يختلف كثيرًا على مستوى الدول والبنوك المركزية، وعلى هذا المنوال جاء قرار كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي وبعض حلفائهما بتجميد أرصدة البنك المركزي الروسي داخل بلدانها، فما هذه الأرصدة؟ وفيم تُستخدم؟ وماذا يعني تجميدها؟ 

«تحويشة العمر».. هل يضيع ما ادخره الروس في 8 سنوات بقرار؟

في عام 2014؛ عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها وانتزعتها من أوكرانيا، بعد ثورة أوكرانية أطاحت الحكومة الموالية لموسكو واستبدلت بها أخرى موالية للغرب، بدأ الأخير بفرض عقوبات على موسكو، ومعها أيضًا تسارعت محاولات الناتو للتقدم شرقًا باتجاه روسيا، الأمر الذي أثار قلقًا روسيًّا من إيصال البنية التحتية العسكرية للناتو إلى حدود روسيا.

ومنذ تلك اللحظات الحرجة بدأ بوتين الاستعداد للانخراط في جولة أكبر من الصراع مع الغرب تمثلت في قرار بدأ الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، ومع الاستعدادات العسكرية بدأت استعدادات اقتصادية للتصدي لجولة أعنف وأقسى من العقوبات. 

أحد أهم هذه الاستعدادات هو مراكمة احتياطيات ذهب وعملات أجنبية، من طرف البنك المركزي الروسي، وعادةً تُراكم الدول احتياطيات أجنبية في بنوكها المركزية عن طريق صادراتها؛ إذ لا يُدفع للشركات المصدرة إلى الخارج بالعملة المحلية بل بالدولار الذي ينتهي إلى جيب البنك المركزي للبلد الذي تتبعه الشركة.

فالمصدرون الروس يستلمون أثمان صادراتهم بالدولار الأمريكي، لكن لكونهم لن يستطيعوا استخدامه داخل روسيا، فإن البنك المركزي الروسي يعمل على مبادلة الدولار بالروبل، ويخزن الدولارات المشتراة من المصدرين بوصفها احتياطيًّا له. 

وبينما يستخدم المصدرون الروبل لدفع رواتب موظفيهم وتكاليفهم المحلية بشكل عام في روسيا، فإن البنك المركزي الروسي يستخدم هذه الاحتياطات صمامَ أمان، وضمانةً في حال هبوط الاقتصاد، ودعم العملة، التي شأنها شأن السلع، تنخفض قيمتها أحيانًا نتيجة لانخفاض الطلب، وترتفع بارتفاعه.

فإذا انخفضت قيمة الروبل نتيجة أي حدث سياسي أو اقتصادي، يشتري البنك المركزي الروسي الروبل مقابل الدولارات التي يمتلكها كاحتياطيات، فيرتفع الطلب على الروبل، ويرتفع معه سعر الروبل، لكن البنك المركزي الروسي؛ وفي خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية، بدأ مراكمة احتياطات أجنبية وصلت إلى أكثر من 630 مليار دولار، استعدادًا لعقوبات غربية قادمة على روسيا، لتستخدم هذه الاحتياطات في دعم العملة والاقتصاد ككل. 

لكن الغرب كان منتبهًا لهذه الخطوة الروسية، وفي سبيل محاولة منع روسيا؛ أو على الأقل الحد من قدرتها على استخدام هذه الاحتياطات، بدأ بتنفيذ إجراءات مضادة، موجهة للبنك المركزي الروسي، لمنعه من استخدام جزء من هذه الاحتياطات. 

عقوبات الغرب تُسهِّل الاستيلاء على 315 مليار دولار من روسيا

لأن احتياطات البنوك المركزية الأجنبية في جزءٍ كبيرٍ منها مقوَّمة بالعملات الأجنبية، وليس بالذهب على سبيل المثال، ولأن هذه الاحتياطات تستخدم لأغراض متعلقة بالتجارة الخارجية، وخصوصًا أنَّ البنوك هي وسيط هذه التجارة، فإن البنوك المركزية تحتاج لتسهيل استخدام احتياطاتها إلى الإبقاء على جزء منها في بنوكٍ غير محلية. 

بالإضافة إلى ذلك؛ فإن جزءًا من هذه الاحتياطات موجود على شكل أصول مقوَّمة بالدولار، بمعنى أن روسيا تشتري أدواتٍ مالية ما، مثل مستندات الخزينة الأمريكية عن طريق البنك المركزي الروسي، وتصبح هذه السندات جزءًا من هذه الاحتياطات، والتي لا تغادر البلد الذي أنشأها وتبقى فيه. 

وحتى تاريخ 31 يونيو (حزيران) 2021، كانت الحصة الأكبر من احتياطات روسيا موجودة داخلها؛ بالدرجة الأولى على شكل ذهب، وتمثل قرابة 22% من إجمالي احتياطاتها، بينما كانت الصين ثاني أكبر بلد توجد فيها احتياطات روسيا، وبنسبة مقاربة لـ14%. 

وجزءٌ مهمٌّ من الاحتياطات الروسية موجود في دول غربية مشاركة في تطبيق العقوبات، أهمها فرنسا، اليابان، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الاحتياطات الموجودة في صندوق النقد الدولي. 

وتقدر بعض المصادر الغربية أن نحو 40-50% من إجمالي احتياطات روسيا الأجنبية أصبحت خارج متناول البنك المركزي الروسي، أي ما يقارب 252-315 مليار دولار من هذه الاحتياطات، بينما 36% من الاحتياطات  الروسية مخزنة في موسكو وحليفتها الوثيقة بكين، بمعنى أن هذه الاحتياطات ستظل على الأرجح في متناول البنك المركزي الروسي للاستخدام، وقيمتها 226 مليار دولار.

وتبقى نسبة 10% غير مصرح عن مكانها، ولا يمكننا معرفة ذلك بعد، وقد تكون روسيا تحتفظ بهذه النسبة في أماكن بعيدة عن قدرة الغرب على فرض عقوبات، وقد لا تكون تلك هي الحالة، وهي تمثل ما قيمته أكثر من 60 مليار دولار. 

لا تعني هذه العقوبات أن الاحتياطات الروسية صودرت، أو نقلت ملكيتها، أو أنَّ الدول التي جمدت هذه الاحتياطات تستطيع التصرف بها، بل تبقى ملكيتها تابعة للبنك المركزي الروسي، ولكن تجميدها قد يطول عقودًا، ما يعني أن هذه الملكية لن تعني شيئًا لروسيا، ولن تستفيد منها طالما بقيت العقوبات وقرارات التجميد. 

وتستهدف العقوبات الغربية تطبيق إستراتيجية بسيطة، مفادها أن الاقتصاد الروسي سيتراجع طالما أصر بوتين على المضي في الحرب على أوكرانيا، ويشمل ذلك تقليل قدرة روسيا وخططها على استخدام هذه الاحتياطات لدعم اقتصادها، ولتمويل صناعاتها العسكرية أيضًا، في خطوة لاستنزاف روسيا اقتصاديًّا وبالتالي عسكريًّا.

ويمكن لروسيا نظريًّا أن تراكم المزيد من هذه الاحتياطات؛ وخصوصًا على شكل ذهب وعملات غير غربية، وهو أسلوب اتبعته إيران بالاشتراك مع تركيا لتفادي العقوبات؛ عن طريق بيع الغاز الطبيعي والنفط الإيراني لتركيا، مقابل أن تدفع تركيا بالذهب فقط لإيران. 

ولم تقتصر العقوبات الغربية على تجميد الأرصدة، بل على أي تعامل من قِبل دول العالم مع الجهات الروسية التي فُرضت عليها العقوبات، وبينها البنك المركزي الروسي، ما يعني اضطرار روسيا للجوء لطرق التفافية مشابهة لما استخدمته إيران سابقًا؛ لتستطيع مراكمة المزيد من هذه الاحتياطات، وربما استخدام أسواق سوداء، وأساليب التهريب وغيرها. 

هكذا اعتادت أمريكا انتهاك الحصانة السيادية للاحتياطات الأجنبية

تتمتع الاحتياطات الأجنبية المخزنة في بلادٍ أخرى بحصانة سيادية، مشابهة للحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها السياسيون الأجانب في البلدان التي يحلون فيها، لكن هذه الحصانة خُرقت سابقًا؛ أبرزها وأقربها تاريخيًّا هي القرارات الأمريكية بملاحقة 1.75 مليار دولار، مملوكة للبنك المركزي الإيراني في عام 2012، الذي شهد فصل إيران عن نظام «SWIFT»، الخطوة الشبيهة بالعقوبات التي تُقر حاليًا ضد روسيا. 

بالإضافة إلى قرار أمريكا تجميد أرصدة البنك المركزي الأفغاني، تقدر بـ7 مليارات دولار، بعد انسحابها من أفغانستان والاستيلاء على السلطة من طرف حركة «طالبان»، خوفًا من استخدام الحركة هذه الاحتياطات.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:40
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:37