الفلسطينيون في أوكرانيا.. أينما وليَّت وجهك لاحقتك القنبلة
الفلسطينيون في أوكرانيا.. أينما وليَّت وجهك لاحقتك القنبلة

الأربعاء | 16/03/2022 - 01:18 مساءً

بعيدًا عن وطنهم المُستلب تخفق قلوب الفلسطينيين في أوكرانيا بقلقٍ وارتباكٍ، في ظل عيشهم تفاصيل أوقاتهم في خطرٍ محدق منذ اندلاع الحرب بينها وبين روسيا، والتي أعادت إلى ذاكرتهم المشاهد والمواقف الدموية والدمار التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في بلدهم الأم.

«ساسة بوست» تتبع رحلة عدد من الشباب الفلسطينيين الذين هربوا من الدمار والحروب في بلادهم بحثًا عن الاستقرار والأمن في أوكرانيا، التي حلموا ببناء مستقبلهم فيها بعيدًا عن القصف والقنابل، إلا أن القصف الروسي على المدن الأوكرانية أعادهم إلى نقطة الصفر، فبعد أن كادوا ينسون صوت الصواريخ وصفارات الإنذار أصبحوا يعيشون على وقعهما يوميًّا، والمستقبل الذي طمحوا لبنائه هنا صار قيد المجهول.

البقاء تحت القصف أهون من الهرب على الحدود.. أحيانًا 

تحت القصف في شوارع مدينة «دنيبرو» (دنيبروبيتروفسك) الأوكرانية تستذكر الطبيبة أنهار سلامة التفاصيل الأليمة التي عاشتها في طفولتها في غزة وترسَّخت خلال العديد من الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع الذي كانت شاهدة على تدميره مرة بعد مرة. تلك المعارك التي وعتها وخزَّنتها في مسام ذاكرتها عادت لتظهر على سطح الذاكرة مع مشاهد التدمير الذي تشهده أوكرانيا في ظل الحرب الروسية عليها.

ففي عام 2013 تركت أنهار مدينة غزة مسقط رأسها التي ترعرعت بها، حاملةًَ ذاكرتها معها على متن الطائرة متوجهة إلى دولة أوكرانيا برفقة شقيقها الأكبر، إيذانًا بحياة جديدة بعيدة عن سنوات الكرب التي عاشتها في غزة، من جراء استمرار الحروب والهجمات العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، وخاصة في حربي: 2008- 2009 وحرب 2012 التي شهدت تفاصيلهما.

تقول أنهار لـ«ساسة بوست»: «هربت من أصوات القصف والحروب التي كانت تشهدها غزة، حيث عاصرتُ تلك المجازر التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع وكان الدمار في كل مكان آنذاك، وذلك لم يقف أمام مسيرتي المهنية وطموحي الذي لازمني منذ الطفولة في تعلم الطب، لتتاح الفرصة بالسفر إلى أوكرانيا للمضي في مسيرة حياة جديدة بعيدًا عن ضجيج القصف والقتل ومشاهد الدمار، لتبدأ مسيرتي في الدراسة بمدينة دينيبرو برفقة أخي الأكبر».

«لم أصدق أن الخوف والقلق سوف يلاحقاني إلى ذلك المكان الذي شعرت بالأمان فيه، والذي حلمت بأن أحصل على شهادة الطب منه، وهو حلم كان يراودني منذ عمر ستة أعوام، وبعد أن حققت الحلم تبددت الأحلام في عشية وضحاها على صخرة إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا، لتبدأ مأساة العيش مع دوي الانفجارات والقلق والخوف الذين أرجعوني إلى الواقع الذي عشته في غزة، والآن تداهمني جملة من الأفكار أولها ماذا بعد الآن؟» هكذا تحكي أنهار.

الحرب في أوكرانيا

مشاهد الدمار التي حاصرت أنهار من كل الجهات جعلتها تبقى في المنزل برفقة شقيقها، فقد تعلمت الدرس من غزة: أحيانًا البقاء في المنزل أكثر أمانًا من خطر الهروب، تقول: «لا نعرف كيف ستكون الطريق في حال خروجنا إلى الحدود، والأمور ما زالت مستقرة إلى حد ما».

وتضيف: «لا نعرف بعد إلى أين نذهب؟ وهل نعود إلى غزة؟ حيث القصف والحصار الذي عشت تفاصيله لأعوام طويلة» التردد وانعدام الخيارات دفعاها للبقاء في أوكرانيا متحلية بالعزيمة والتريث في اتخاذ أي خطوة قد تكبدها خسائر فادحة لاحقًا، متحدية الخوف وصوت القصف الذي يدوي بين حين وآخر.

أحلام مُبدَّدة.. الرضا من الغنيمة بالنجاة

محمد عبد اللطيف فلسطيني هو الآخر خرج من مدينة غزة المحاصرَة والمستباحة عام 2020، ماضيًا نحو طموحه في إكمال دراسته ماجستير طب الأسنان، بعد رحلة طويلة من المحاولات في الحصول على الفيزا للسفر إلى أوكرانيا، لاستكمال طموحه.

مُستقبِلًا خبر حصوله على الفيزا بفرحةٍ غامرة، مضى محمد نحو مسيرته الأكاديمية، لتحط أقدامه في مدينة خاركوف الأوكرانية، ليرى الحياة بلونها الجديد وشكلها الذي لم يحلم يومًا أن يعيشه، يقول لـ«ساسة بوست»: «منذ أول لحظة لاندلاع الحرب تبددت كل أحلامي وعادت إليَّ الذكريات المؤلمة».

«كانت الفكرة الأولى التي خطرت على بالي هي النجاة من الخوف والقصف الذي جعلني أتذكر الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة التي شهدت تفاصيلها كاملة، وبدأ الخوف والقلق يسيطران عليَّ لوجودي وحيدًا بعيدًا عن أهلي، الذين انهالت اتصالاتهم للاطمئنان عليَّ ومعرفة ما يدور من حولي، كان الخوف يسيطر على صوتي وسمعته والدتي، وهو ما أحزنني بشكل لا يوصف»، فلم يتمكن محمد من التحكم في ردود فعله أثناء محادثته مع والدته التي شعر بحاجته إليها في وسط عزلته وكل هذا الخوف الذي سيطر عليه.

محمد عبد اللطيف

خرج محمد من سكنه في مدينة خاركوف للمضي في رحلة سفر مجهولة العواقب نحو دولة رومانيا برفقة عدد من الطلاب الفلسطينيين والجنسيات الأخرى، «كان الخوف يداهمنا من كل مكان ونظراتي تراقب كل ما يدور من حولي وأتساءل بداخلي هل هذه المدينة التي أسكنها هي خاركوف أم غزة؟ الخوف والدمار والقصف الذي يهز الأرض من تحت الأقدام هو نفسه، لأجد نفسي على أعتاب الحدود الرومانية، وكانت هذه اللحظة مثل وادع حزين لطموحي وأحلامي التي لم تكتمل بعد، والآن أمضي نحو واقع مجهول من جديد، وأعود إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها منذ خروجي من غزة».

من جهتها قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، إنها على تواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء الطلاب وأفراد الجالية الفلسطينية من «سومي» وسائر المدن الأوكرانية، وذكرت أن «عدد من غادروا أوكرانيا منذ بداية الأزمة نحو 1100 مواطن وطالب»، ووفق تقديرات فلسطينية، فإن تعداد أفراد الجالية الفلسطينية في أوكرانيا تجاوز الثلاثة آلاف مواطن قبل الأزمة الأخيرة، بينهم نحو 700 طالب جامعي.

بينما قال السفير أحمد الديك المستشار السياسي لوزير الخارجية والمغتربين، إن سفراء دولة فلسطين في كل من بولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا، والمجر، ما زالوا يواصلون استقبال دفعات جديدة من الطلبة والمواطنين الذين يعبرون الحدود ويقدمون لهم كل مساعدة ممكنة من حيث المأكل والإقامة المؤقتة ومساعدة كل محتاج وفقًا لإمكانياتهم المتواضعة، ريثما يتوجه مواطنونا إلى أسرهم وذويهم سواء في الشتات أو في الوطن.

وأكد أن خلايا الأزمة المشكَّلة «أوشكت على إنجاز جميع واجباتها ومهامها الأساسية» في تأمين سلامة أفراد الجالية في أوكرانيا، وفي إجلاء جميع المواطنين الذين عبَّروا عن رغبتهم بمغادرتها، وخصوصًا الطلبة الفلسطينين.

محمد نعيم

من بين هؤلاء الطلاب، محمد نعيم الذي خرج من فلسطين قبل خمسة أعوام ويحلم بارتداء الثوب الأبيض، شاءت الأقدار أن تتاح له الفرصة للالتحاق بكلية الطب في جامعة أوكرانيا بمدينة دنيبرو، ليمضي في مسيرته التعليمية فيها، متممًا خمسة أعوام دراسية من دراسة الطب العام.

يقول محمد نعيم لـ«ساسة بوست»: «مضينا أيامنا وحياتنا خلال الأعوام الخمسة مغتربين عن أهلنا ووطننا، نبذل قصارى جهدنا حتى نصل إلى هدفنا، ولكن دقت طبول الحرب وخرجنا من تلك البلاد على عجل تاركين مستقبلنا نحو المجهول، مستقبلٌ لطالما تعبنا في بنائه، خرجنا مسرعين حتى لا تصلنا ضربات الصواريخ وقذائف الهاون، ولم نأخذ معنا إلا وثائق السفر، ولكن يبقى الأمل بالله كبيرًا، والله معنا ولن يَتِرنا جهدنا وأعمالنا، نتمنى أن تنتهى الحرب ويعود كل شيء إلى نصابه».

فاليوم بات محمد والطلاب الفلسطينيون الذين هاجروا إلى أوكرانيا هربًا من القصف الإسرائيلي والواقع المرير الذي عاشوه في فلسطين، يمرون بالموقف ذاته، بل أكثر قسوة، فمن حربٍ إلى حرب يمضي الفلسطيني الذي طالما حاول تدريب قلبه على المآسي دون جدوى.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:10
الظهر 11:44
العصر 03:15
المغرب 05:56
العشاء 07:19