بسبب حرب أوكرانيا.. هل ينتظر المصريون تعويمًا للجنيه مرة أخرى؟
بسبب حرب أوكرانيا.. هل ينتظر المصريون تعويمًا للجنيه مرة أخرى؟

الإثنين | 21/03/2022 - 02:24 مساءً

في نهاية عام 2016؛ قررت مصر تعويم الجنيه تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي، من أجل التمكن من الحصول على قرض بلغت قيمته 12 مليار دولار، ونتيجة لذلك انخفضت قيمة الجنيه، ابتداء من تسعة جنيهات للدولار الواحد قبل تعويم الجنيه حتى وصلت إلى قمة انخفاض تاريخية عند قرابة 19 جنيهًا للدولار، في بدايات عام 2017. 

وحينها علّق مسؤول بعثة صندوق النقد إلى مصر، كريس جارفيس، على القرار؛ قائلًا: إن تعويم الجنيه سيساهم في تحقيق معدلات نمو أعلى، وخلق وظائف أكثر، وسيحسن موقف مصر المالي مع الخارج.

وللمسؤولين المصريين أن يقولوا إن النمو تحقق بالفعل، فقد حققت مصر معدلات نمو مرتفعة نسبيًّا منذ عام 2016 وحتى عام 2019، فلم تسجل معدلًا أقل من 4% في أي عام؛ باستثناء عام 2020، الذي شهد بداية جائحة كورونا، والتي أثرت في العالم أجمع، ومع ذلك كانت مصر من الدول القليلة التي استطاعت تحقيق معدلات نمو موجبة في ذلك العام، وما زال متوقعًا للاقتصاد المصري أن يحقق معدلات نمو قوية في الفترة القادمة.

وبصرف النظر عن نقاش طبيعة هذا النمو، ومدى إفادته للاقتصاد ولأي قطاعات بالتحديد، أو إلى أي مدى يحصل المواطن المصري على ثمرته، فإن المهم اليوم أن خطوة عام 2016 لم تكن كافية بالنسبة للاقتصاد المصري، كما أصبح واضحًا بعد إعلان بنك «جي بي مورجان» أن الاقتصاد المصري قد يحتاج تخفيضًا آخر على الجنيه، وبرنامجًا جديدًا مع صندوق النقد، ولكن ألا يعني تعويم الجنيه في عام 2016 أن العملة المصرية مسموح لها بالحركة بحرية في السوق؟ ولماذا تحتاج مصر لهذا التخفيض؟ وما الذي يعنيه للاقتصاد المصري والمواطنين؟ 

هل جرى تعويم الجنيه المصري في 2016 بالفعل؟ 

معنى اتخاذ قرار التعويم هو أن نظام سعر الصرف يجب أن يصبح مرنًا بالكامل، بحيث لا يكون لأحد السلطة على قيمة العملة في السوق، ولكون العملة المصرية ليست من «العملات الصعبة»، فإن الأصل أن تتذبذب بشكل ملحوظ خلال فترات قصيرة. 

العملة المصرية

وهذا ما لا يمكن ملاحظته عند النظر إلى حركة الجنيه مقابل الدولار، ولنقارن حركة سعر الجنيه في السوق في آخر 12 شهرًا، مقابل حركة الليرة التركية؛ سنلاحظ أن الجنيه كان ثابتًا بشكل كامل بين قيمتين، لا تختلفان عن بعضهما كثيرًا، ومن 15.5و15.7 تقريبًا، في المقابل تغير سعر الليرة التركية بين 7.3و18 ليرة مقابل الدولار الواحد. 

وهو مؤشر على أن الجنيه لم يعوم كما هو معلن رسميًّا، بل يتحكم البنك المركزي بسعره ولو بشكل غير رسمي وغير معلن، أو على الأقل هذا هو التحليل الذي تدعمه حركة الجنيه في السوق؛ بالإضافة إلى الأنباء الحديثة عن ضرورة تخفيض سعره، ما يعني أنه مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية (القيمة التي سيكون عليها الجنيه لو ترك لتُحدّد قيمته بحرية في السوق). 

وهو أمر لا يمكن إثباته بشكل قاطع، لكن المؤشرات تدعم مثل هذا الافتراض، وإذا حصل فعلًا وانخفضت قيمة الجنيه، كما هو متوقع من طرف المحليين الماليين، فسيكون ذلك داعمًا أكبر لفرضية أن الجنيه محدد السعر، وأن الجهة التي تحدد سعره هي من ستحدد انخفاضه أيضًا. 

لكن من الممكن أن يقال إن عوامل الطلب والعرض على الجنيه المصري مستقرة، ولذلك يُلحظ استقرار سعره في السوق، وهو افتراض آخر، يمكن ملاحظة شيء شبيه به في حركة الدولار مقابل اليورو، وإن كان الدولار عملة صعبة، تمثل أقوى اقتصاد في العالم، وتصدر عن واحدة من أهم المؤسسات الاقتصادية في العالم، والأكثر موثوقية فيه أيضًا؛ هي الفيدرالي الأمريكي، وهو ما لا ينطبق على مصر. 

لماذا يجري تخفيض قيمة الجنيه اليوم؟ 

يذكر بنك «JPMorgan» سببين لتخفيض قيمة الجنيه المصري، وهما خليط بين ارتفاع أسعار الغذاء (والحرب في أوكرانيا عامل أساسي في ذلك)، والانخفاض المتوقع في عدد السياح الروس، فلماذا يؤثر هذان العاملان في الجنيه؟ 

ترتبط أسعار صرف العملات بشكل وثيق بعدة عوامل على المديين الطويل والقصير، لكن أهمهما هو التجارة الخارجية للبلد، وأسعار الفائدة التي يحددها البنك المركزي، وبطبيعة الحال تدخل البنوك المركزية في سعر العملة، عن طريق استخدام الاحتياطات الأجنبية. 

أما من ناحية التجارة الخارجية؛ فإذا كانت المستوردات أعلى من الصادرات فذلك يعني أن الطلب المحلي على العملة الأجنبية عالٍ، لأنك تحتاج لعملة أجنبية لشراء مستوردات من الخارج، لأنه لا أحد خارج مصر سيقبل بالجنيه مقابل منتجاته، وارتفاع الطلب على العملة الأجنبية يعني أن سعرها سيرتفع مقابل العملة المحلية. 

كما تحدد أسعار الفائدة سعر العملة المحلية على المدى القصير بالدرجة الأولى، فكلما كان سعر الفائدة أعلى، كان العائد المتوقع من الاستثمار في أصول مالية بالجنيه أكبر، وهو ما يعني أن الجنيه سيصبح أكثر جاذبية من عملات أخرى سعر فائدتها أقل، والعكس صحيح، فيزيد الطلب على الجنيه كلما كان سعر الفائدة أعلى، ونتيجة لارتفاع الطلب ترتفع قيمة الجنيه. 

وأخيرًا؛ يمكن للبنك المركزي أن يتدخل باستخدام احتياطاته من العملات الأجنبية في السوق؛ ليرفع من سعر الجنيه أو يخفضه، بحسب ما تقتضيه حاجة الاقتصاد؛ لكن في الغالب تحتاج الدول المستوردة إلى أن تكون عملتها أقوى وأعلى قيمة، لأن ذلك يعني أن سعر المستوردات سيكون أرخص بالنسبة للمصريين، طالما أن عملة بلادهم أعلى قيمة. 

فمن حيث التجارة الخارجية لمصر؛ فإن البلاد تعاني من عجز مزمن في الميزان التجاري (المستوردات-الصادرات)، فلم تشهد البلاد عامًا واحدًا كانت فيه الصادرات أعلى من المستوردات خلال العشرين سنة الماضية، وهو يمثل ضغطًا كبيرًا على العملة نحو الانخفاض. 

كما أن ارتفاع أسعار الغذاء يعني أن فاتورة الاستيراد سترتفع، وبالتالي يسبب ذلك عجزًا تجاريًّا أكبر، وتخفيضًا للاحتياطي النقدي الأجنبي عند البنك المركزي المصري، نتيجة لأن مستوردي القمح، على سبيل المثال، سيضطرون لتحويل الجنيهات التي يملكونها إلى دولارات، عن طريق شراء الدولار من البنك المركزي المصري، وبيع الجنيه، ما يعني ارتفاع عرض الجنيه، وبالتالي انخفاض قيمته. 

إذ يعني ارتفاع أسعار الغذاء ضرورة توفير عملة أجنبية أكثر للمستوردين لاستيراد الغذاء من الخارج، وقد صدر عن البنك المركزي المصري إجراءات جديدة متعلقة بالاستيراد، تنذر بأن البنك المركزي يخشى من انخفاض احتياطاته، عندما منع آلية استيراد تسمح للتجار بدفع أثمان مشترياتهم على دفعات، رغم أن البيانات الرسمية تفيد بأن احتياطات مصر من العملات الأجنبية في حالة جيدة، بل وارتفعت في عام 2021. 

لكننا نعلم من الانهيار الاقتصادي في لبنان، أن الاحتياطات قد تنخفض بشكل ضخم وفي وقت سريع ومفاجئ، فقد انخفضت احتياطات لبنان من 38 مليار دولار عام 2019، إلى 16 مليار دولار في أواخر عام 2021، ما يعني أن لبنان خسر أكثر من نصف احتياطه الأجنبي في أقل من عامين. 

مخاطر لا يمكن التحكم بها.. عن أعلى سعر للفائدة في العالم

تعتمد مصر نموذجًا من أسعار الفائدة المرتفعة؛ حتى أنها تحقق أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم (سعر الفائدة-التضخم)، وهذا النموذج يجذب استثمارات أجنبية، وخصوصًا على المدى القصير، ويساهم في دعم عملة البلاد واقتصادها، ويساهم في توفير القروض أيضًا. 

لكن أسعار الفائدة المرتفعة لها مخاطرها أيضًا؛ فهي تجعل الاقتراض صعبًا على قطاعات كثيرة في الاقتصاد، لا تستطيع احتمال أسعار الفائدة المرتفعة، كما أنها ترتب تكلفة عالية على الدولة، فديون الدولة المحلية ستكون بسعر فائدة مرتفع أيضًا، طالما أن البنك المركزي يقرر الإبقاء عليها مرتفعة. 

والأهم حاليًّا هو أن أسعار الفائدة في العالم يتوقع ارتفاعها تدريجيًّا لمكافحة التضخم، وبدأ الفيدرالي الأمريكي بالفعل برفع سعر فائدته، ويتوقع أن تصل سعر فائدته إلى 2% مع نهاية العام، وإلى 2.75% مع نهاية عام 2023، ولكي تبقى أسعار الفائدة في مصر جاذبة، فعليها أن ترفع سعر فائدتها بنفس مقدار رفع سعر الفائدة في الخارج، لأن سعر الفائدة في الدول دائمًا ما يقارن ببعض البعض. 

فإذا قلت لك أن سعر الفائدة (الذي يمثل العائد فعليًّا) في الولايات المتحدة 10%، وأن سعر الفائدة في مصر 12%؛ مع إهمال أي تأثير آخر في قراراتك فإنك ستقرر الاستثمار في مصر، ولكن لو أخذت بعين الاعتبار أن مخاطر الاستثمار في مصر أعلى بكثير من مخاطر الاستثمار في الولايات المتحدة، فإنك ستفضل خسارة فرق 2% بين أمريكا ومصر، مقابل ضمان مخاطرك، ولن ترضى بالاستثمار في مصر إلا بفرق معدل فائدة يعوض فرق المخاطرة. 

كيف يمكن أن يؤثر تخفيض سعر الجنيه في الاقتصاد؟ 

بحسب توقعات «JPmorgan» فإن هناك سيناريوهين للتخفيض: السيناريو الأول مشابه لما حصل في فترة 2014-2015، وهو تخفيض صغير نسبيًّا للعملة، وبنسبة 5% فقط، أما السيناريو الثاني فهو تخفيض أكبر بين 10-15%، ليصل الجنيه إلى 17.25 على الأقل، حسب توقعات البنك. 

أما عن كيف سيتتحدد السيناريو؛ فإن ذلك يعود لعوامل مختلفة، أولها مدى مراعاة الحكومة المصرية لظروف الاقتصاد المحلي، وخطر التضخم المحتمل على حياة المواطنين، وقدرة الحكومة على إقناع صندوق النقد بمراعاة ذلك أيضًا، ويعتمد ذلك أيضًا على الثقة بقدرة البنك المركزي المصري على المحافظة على احتياطاته الأجنبية في المستقبل.

في حال تحقق كلا السيناريوهين؛ فإن المتوقع أن يسهم ذلك في رفع معدلات التضخم في مصر أكثر عن مستوياتها الحالية، وهي مستويات عالية أصلًا، فهي قاربت على 9% في شهر فبراير (شباط) 2022، وإذا خُفض الجنيه فإن ذلك سيعني ارتفاعًا أكبر في سعر المستوردات من الخارج، لكنه لن يكون بنفس حجم ما حصل عام 2017 بعد تعويم الجنيه، عندما وصل معدل التضخم إلى نحو 30%. 

وفي المقابل؛ وإذا كانت هذه الخطوة ضمن متطلبات برنامج جديد للصندوق الدولي، فإن ذلك يعني أن مصر ستحصل على قرض كبير من صندوق النقد، يرفع من ثقة المقرضين الآخرين بها، ويسمح لها بأن تعوض ما يمكن تخسره من احتياطات أجنبية، أو من تدفق لرؤوس الأموال إلى الخارج، نتيجة لظروف الاقتصاد العالمي. 

ويعني ذلك بالطبع زيادة للدين العام في مصر، لكن الاقتراض يسمح في الوقت نفسه للاقتصاد بالاستمرار، وللحكومة بالقدرة على إدارة اقتصادها، ولكنه يرتب أعباء جديدة على المواطنين، ويرفع من حصة المواطن المصري من الدين، ويزيد من الضرائب التي ستقتطع من راتبه ويقلص برامج الدعم الموجهة إليه، ويحتفظ للأجيال القادمة بنصيبها من عب الدين الثقيل.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:32
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:15
العشاء 08:43