هل بات انقطاع الإنترنت عن العالم وشيكًا؟ مستقبل مظلم ينتظر 5 مليار مستخدم

طقس فلسطين » المحتوى » عالم التكنولوجيا والتقنيات

الأحد | 03/07/2022 - 08:01 مساءً

منكفئون فوق الشاشات، تمسح أعينهم تلك المساحات المضيئة باستمرار، من أجهزة الكومبيوتر إلى شاشات الهاتف، لا ينقطع السباق المحموم، في العمل أو البيت أو الشارع أو حتى المواصلات وأثناء قيادة السيارات يتم استراق النظر إلى الجديد، ماذا حدث؟ ثم ماذا؟ ماذا أيضًا؟

سواء كان ذلك لأغراض عملية أو علمية أو ترفيهية أو اجتماعية أو أي سبب كان، فالجميع بات مهددًا أكثر من أي وقت مضى بوداع ما اعتادوا عليه، مع كل تلك الأخطار التي صارت تحيط بـ«الشبكة العنكبوتية الدولية» أو الإنترنت.

نماذج مصغرة لمأساة منتظرة

«أنا المرأة الافتراضية في أوطانٍ افتراضية، بتاريخ افتراضي مجيد، تخوض حروبًا افتراضية بجيوش افتراضية على الإنترنت، لكنها لا تزال تنشد: أمجاد يا عرب أمجاد!» *غادة السمان – «الحبيب الافتراضي»

في مصر انقطع الإنترنت بصورة جزئية عن طلبة المرحلة الثانوية أثناء آداءهم امتحانات نهاية العام، فخرجت التصريحات الرسمية لتؤكد أن «انقطاع الإنترنت في المدارس أثناء الامتحانات ليس مسئولية وزارة الاتصالات ولا التربية والتعليم»، فرد وزير الاتصالات على هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي رسمي: «دورنا ينتهي عند توصيل شبكة الألياف الضوئية للمدرسة، ووزارة التربية والتعليم معنية بإقامة الشبكات الداخلية».

التفاصيل المعقدة تلك، لم يكن لها وجود حين جرى قطع الإنترنت عن مصر بالفعل عام 2011 مع تنامي المظاهرات والاحتجاجات الشعبية خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فقد صرحت مؤسسة «رينيسيس» لمراقبة الإنترنت إن غالبية خطوط شبكة الإنترنت المصرية قد فُصلت في وقت واحد قبل الساعة 23:00 بتوقيت جرينتش يوم الخميس الموافق 27 يناير 2011، وإمكانية فصل خطوط شبكة الإنترنت هذه، مقترحة بقوة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد سبق لأعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكية، اقتراح قانون يجيز للحكومة الأمريكية قطع الإنترنت لحماية البلاد إذا ما تعرضت لهجمات إلكترونية!

وبالعودة إلى الوراء أكثر، فقد تسبب قارب صيد عام 2008، في قطع كابلات الإنترنت بالمياة العميقة، في البحر الأبيض المتوسط، لتنقطع الخدمة، لا عن المصريين فقط؛ لكن عن 75 مليون مستخدم في عدة قارات؛ وكان النصيب الأكبر في الإمارات، ومصر والهند. وقتها خرج المتحدث باسم وزارة الاتصالات المصرية ليطلب من المصريين الكف عن الاستخدام غير الضروري للإنترنت قائلًا: «الأشخاص الذين يقومون بتحميل مقاطع الموسيقى والأفلام؛ سيؤثرون في الشركات التي لديها أشياء أكثر أهمية للقيام بها!»

تصور مرعب وأرقام مخيفة

«عندما تباطأ الحاسوب ثم جمد في مقهى الإنترنت ذات مرة، أخبرت صاحب المقهى عن المشكلة فأطفأه ثم أعاد تشغيله من جديد. هذا ما أريده: أريد أن يطفئني أحدهم ويعيد تشغيلي من جديد أو ربما يبقيني نائمًا كي أرتاح إلى أن ينتهي كل هذا. هل يمكن أن أنام بلا كوابيس؟» *سنان أنطوان – «وحدها شجرة الرمان»

بحسب الإحصاء الأخير الصادر في أبريل (نيسان) 2022، هناك خمسة مليارات مستخدم للإنترنت حول العالم، يمثلون 63% من سكان العالم، منهم 4.65 مليار مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، لكن كيف تبدو خريطة هذه الأرقام؟ في الواقع يحتل شمال أوروبا المرتبة الأولى بمعدل 98% من إجمالي السكان، أما الدول التي سجلت أعلى انتشار متسارع لاستخدام الإنترنت في جميع أنحاء العالم هي:

الإمارات العربية المتحدة
الدنمارك
أيرلندا

بينما بقيت الدول التي لديها أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت كما هي؛ الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تتقدم الدول الثلاث على جميع البلدان الأخرى من حيث عدد مستخدمي الإنترنت. ففي فبراير (شباط) 2022 كان لدى الصين أكثر من مليار مستخدم للإنترنت، وكان لدى الهند ما يقرب من 658 مليون مستخدم عبر الإنترنت، هذا بعد نسبة أقل من 1%، كانت هي إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم كله عام 1995، يمكن فهم الصورة بشكل أوضح بالنظر إلى عداد مستخدمي الإنترنت عبر موقع «internetlivestats» والذي يواصل الارتفاع بجنون.

لكن الصورة الحقيقية بدت أوضح حين حاول جيف هانكوك، مؤسس معمل ستانفورد لمواقع التواصل الاجتماعي، وأستاذ علم الاتصالات في جامعة ستانفورد، أن يدفع طلابه إلى البقاء دون إنترنت فترة إجازة نهاية الأسبوع «يومين فقط» عام 2008، لقياس قدرتهم على الاستغناء عن الإنترنت، بدا الأمر ممكنًا وقتها، لكن الأستاذ الذي غاب لعام، حين عاد وأراد تكرار التجربة بعد عام واحد فقط فوجئ برفض شديد من الطلبة للتجربة التي وصفوها بالجائرة.

تحكي المحررة العلمية في «بي بي سي» راشيل نوير عن الواقعة عام 2017 قائلة: «زعم الطلاب أن الانقطاع عن الإنترنت في عطلة نهاية الأسبوع سوف يمنعهم من إكمال واجباتهم والتواصل مع عائلاتهم، بل أنه سوف يدمر حياتهم ويجعلهم يشعرون بالقلق، ما اضطر هانكوك لإلغاء التحدي، بل أنه لم يحاول أن يعيد الكرة في السنوات التالية».

ربع سكان العام مهددين بانقطاع الخدمة فعلًا

«‏حين تنتهي باقة الإنترنت يعود الكثيرون إلى حجمهم الطبيعي». *أسما حسين

الآن تحديدًا، يعيش حوالي ربع مستخدمي الإنترنت في العالم في بلدان أكثر عرضة، مما كان يعتقد سابقًا، للهجمات التي تستهدف البنية التحتية للإنترنت، فالعديد من البلدان المذكورة والمعرضة للخطر –بحسب دراسة علمية- موجودة في جنوب الكرة الأرضية؛ وذلك بحسب دراسة شاملة وواسعة النطاق أجراها علماء الكومبيوتر في جامعتى كاليفورنيا وسان دييجو عبر مسح 75 دولة.

أشارت نتائج الدراسة إلى أنه في العديد من الدول النامية يعتمد معظم المستخدمين على حفنة من مزودي الوصول إلى الإنترنت، ويخدم أحد هؤلاء المزودين الغالبية العظمى من المستخدمين، ليس ذلك فحسب، بل يعتمد هؤلاء المزودون على عدد محدود من الشركات تسمى «أنظمة النقل المستقل» للوصول إلى الإنترنت العالمي وحركة المرور بين البلدان، وعادة ما تكون أنظمة النقل المستقل هذه مملوكة للدولة، ما يجعل البلدان التي لديها هذا النوع من البنية التحتية للإنترنت عرضة بشكل خاص للهجمات.

فكل المطلوب في حالات الهجوم هو شل عدد صغير من أنظمة النقل المستقلة، ما يجغل هذه البلدان النامية معرضة للخطر إذا ما تعرض مزود الإنترنت الرئيسي لإنقطاع الإنترنت، وهو ما يحدث في كوبا وسيراليون، في حين انفتحت دولة مثل بنجلادش لتتحول من اثنين فقط إلى أكثر من 30 مزودًا للنظام، بعد أن فتحت الحكومة هذا القطاع من الاقتصاد أمام الشركات الخاصة.

بداية تحقق النبوءة

«رجال الإنترنت أقوال بلا أفعال، وفتيات الإنترنت عواطف بلا عقل، ملخص بسيط لواقع نعيشه!» *أحلام مستغانمي، «الأسود يليق بك»

في الواقع ينقطع الإنترنت فجأة ولأسباب عديدة، فقد ينقطع بسبب عواصف شمسية محتملة، وقد يتوقف بسبب حادث عرضي كما هو الحال في السفينة التي مزقت الكابلات عام 2008 في البحر المتوسط، وقد ينقطع بقرار رسمي من الدولة، وقد ينقطع بسبب «قندس»، نعم يبدو السبب تافهًا، لكن هجمة مفاجئة من حيوانات برية قد تودي بخدمات الإنترنت في دولة بحجم كندا، كما سبق أن حدث خلال شهر يونيو (حزيران) 2022، حين تسبب قندس في فقد سكان شمال غرب كندا تغطية شبكة الإنترنت لثماني ساعات بعدما قام بقضم كابل ألياف ضوئية خاص بخدمة الإنترنت!

أسباب طبيعية تودي بالخدمة وأخرى غير طبيعية، مثل الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تسببت في تقليص الاتصال بالإنترنت في بعض أجزاء من أوكرانيا، حيث تتركز الانقطاعات في خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا التي تقع في الشمال الشرقي من البلاد على بعد حوالي 25 ميلًا من الحدود الروسية.

ما جرى في أوكرانيا ليس بعيدًا عن بقية الدول بما فيها روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، فمن جانبها تستعد المملكة المتحدة لمواجهة انقطاع الإنترنت المتوقع، بينما تستمر التوقعات بتفاقم مشكلة الانقطاعات خلال عام 2022.

ماذا إذا انقطع الإنترنت عن العالم حقًا؟

«لدي حب جارف للعزلة والصمت، إلى درجة أنني أستطيع أن أقضي ساعات وأنا أحدق إلى النار أو البحر دون أن أحس بالحاجة إلى أي رفقة» *كازانتزاكس، رواية «زوربا اليوناني»

«عزلة، وخسائر بالجملة» كلمتان يمكنهما ببراعة تلخيص المتوقع، حين ينقطع الإنترنت بالفعل لأي سبب كان، فهذا ما سوف يحدث، خسائر مادية بالجملة، وضع لأجلها موقع «Merchant Machine» تصورًا متكاملًا، حيث الكثير من الخسائر المحتملة في حال انقطع الإنترنت حقًا ليوم واحد فقط، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في الصدارة بخسائر بلغت عام 2021 أكثر من 7 مليارات دولار في اليوم الواحد بمعدل 221 مليون دولار في الساعة تقريبًا، من بعدها الصين برقم اقترب من 6 مليارات دولار، بينما جاءت كوريا الجنوبية أقل الدول تأثرًا بخسارة بلغت 852 مليون و187 ألف دولار. لكن الأثر الحقيقي يمكن تصوره حقًا حين ينتبه فجأة عدة مليارات من البشر قد يكتشفون فجأة أنه لم يعد لديهم «إنترنت».