تقارب شعبي لم ينقطع.. حكايات الزواج بين القدس وتركيا
تقارب شعبي لم ينقطع.. حكايات الزواج بين القدس وتركيا

الثلاثاء | 06/09/2022 - 10:31 صباحاً

بين القدس وتركيا.. مسافات واختلافات طواها الزواج

 لا تخلو أيام القدس من زوار أتراك جاؤوا لرؤية آثار أجدادهم العثمانيين، بدءا من سور القدس، وليس انتهاء بمئات المعالم في المسجد الأقصى والبلدة القديمة. تعدى هذا التقارب الشعبي الذاكرة التاريخية والدينية إلى العلاقات الشخصية بين الأتراك والمقدسيين، لتتجلى في الترحاب والقبول المتبادل حينا، والزواج والمصاهرة أحيانا أخرى.

أنجبا "قدس"

تركض الطفلة "قُدس" ذات العامين في رحاب المسجد الأقصى، بينما يرقبانها والداها في أثناء حديثهما للجزيرة نت عن قصة زواجهما المختلط، فقد تعرف الشاب التركي إيمرة كاراجا على الشابة المقدسية أميرة المهتدي، خلال دورة عن بُعد لتعليم اللغة التركية، لتسافر بعدها أميرة إلى إسطنبول ضمن منحة دراسية ويلتقيان مرة أخرى، ثم يسافر إيمرة لاحقا مع عائلته إلى القدس لخطبتها.

يتواصل الزوجان باللغة التركية، فأميرة تتحدثها بطلاقة، رغم قدرة زوجها على التحدث بالعربية وفهم الفصحى والعامية. يناديان طفلتهما "قدس" مع اختلاف نطقهما للاسم؛ فالأتراك ينطقون القاف قريبة إلى الكاف، ويضمون الدال الساكنة. ولا تبالي الطفلة بذلك الاختلاف الطفيف، فقد حظيت بتعلم لغتين في عمر صغير.

القدس_المسجد الأقصى_استقر الزوجان إيمرة وأميرة في اسطنبول ويترددان على القدس بشكل دوري-جمان أبوعرفة-الجزيرة نت-8_2022

الزوجان إيمرة وأميرة استقرا في إسطنبول ويترددان على القدس بشكل دوري (الجزيرة)

ينحدر إيمرة من مدينة (يوزغات) وسط تركيا، أما أميرة فعاشت طفولتها في بيت ذي بناء عثماني في البلدة القديمة بالقدس. ينظران معًا إلى المصلى القبلي أمامهما ويستذكران عقد قرانهما داخله عام 2018، وإقامة زفافين في القدس وإسطنبول عام 2019، بعد محاولات حثيثة لإقناع عائلة أميرة التي خشيت إرسال ابنتها (آخر العنقود) إلى الغربة.

تقول أميرة "أعجبت بإيمرة وعائلته ولم أعبأ بجنسيته المختلفة، لكنني كنت أجهل الكثير عن تركيا في البداية"، يعقّب زوجها مازحا قائلا "لقد ظنت الشق الآسيوي من تركيا دولة أخرى"، بادلته أميرة البسمة التي اتسعت حين أضاف بلغة عربية متأنية "الشعب التركي يحب المقدسيين كثيرا، أنا أحب القدس لأنها مقدسة، لكن أميرة امرأة مميزة بذاتها، أحببتها بغض النظر عن موطنها".

قناة يوتيوب "العروس الفلسطينية"

استقر الزوجان منذ زفافهما في إسطنبول، ويزوران القدس باستمرار، كما أنشأت أميرة عام 2019 قناة على "يوتيوب" (YouTube) سمتها "العروس الفلسطينية" تيمنا باللقب الذي يناديها به زوجها، حيث تصنع المحتوى المرئي برفقته، لتعليم اللغة التركية للعرب واللهجة العامية الفلسطينية للأتراك، ونشر الثقافة التركية، والإجابة عن أسئلة المتابعين المقبلين على الزواج المختلط.

يثني إيمرة مرة أخرى على عروسه المقدسية قائلا إنها طاهية ماهرة، تتقن الأطباق التركية والفلسطينية، فهو يحب الفلافل والمقلوبة والقطايف التي تعدها، تنضم أميرة إلى الحديث "أتقن البوريك التركي، وورق الدوالي (الصارما) أيضا".

"كان أبي يظن أن الحرب مشتعلة على الدوام في القدس، لكن زيارة عائلة أميرة بددت صورته النمطية" يقول إيمرة ذلك، ثم يشرح العادات المشتركة والمختلفة قائلا: "كأتراك ومقدسيين نتشابه في إكرام الضيف والحب الشعبي المتبادل، لكننا نختلف في فرش السجاد داخل البيوت صيفا وشتاء، وعدم الصلاة فوق الحجر مباشرة، وخلع الأحذية الإلزامي عند دخول المنزل"، أما أميرة فقالت "في القدس نعيب على من يطلب من الضيف خلع حذائه، فالأمر اختياري".

فلسطين-القدس-كان حب القدس وتاريخها أبرز الصفات المشتركة بين شهد المقدسية وعريسها التركي إيمرة-الجزيرة نت-2021

كان حب القدس وتاريخها أبرز الصفات المشتركة بين شهد المقدسية وعريسها التركي إيمرة (الجزيرة)

جمعهما خان أثري

إيمرة أيضا هو اسم خطيب الشابة شهد عماد أبو خديجة (22 عاما)، التي تعرفت إلى خطيبها إيمرة ساريتاش (29 عاما) في أثناء تردده على حانوت والدها الأثري "خان أبي خديجة" في طريق باب السلسلة بالبلدة القديمة في القدس، فقد كان الخان وما زال مزارا رائجا للزوار الأتراك، الذين أسهموا بشكل كبير في ترميمه وإعماره، منذ عام 2016.

درست شهد التاريخ العثماني والثقافة التركية ضمن تخصص "دراسات شرق أوسطية"، وتتقن التركية والإنجليزية والعبرية، وتعرفت أكثر على إيمرة خلال دورة لتبادل اللغة، ليسافر مع عائلته لاحقا إلى القدس لخطبتها، حيث اتفقت العائلتان -المتقاربتان أصلا- وعُقد القران في المسجد الأقصى.

درس العريس التركي الخدمة الاجتماعية والسياحة، وينحدر من مدينة (إغدير) شرق تركيا، لكنه سيستقر مع عروسه المقدسية في إسطنبول بعد زفافهما في أيلول/سبتمبر المقبل. وتقول شهد للجزيرة نت "سافرت أكثر من 10 مرات إلى إسطنبول، لكن إيمرة لا يستطيع زيارة القدس بالوتيرة نفسها لأنه يملك جواز سفر أحمر وتحتاج تأشيرته إلى وقت، عكس أصحاب الجواز الأخضر ممن لا يحتاجون تأشيرة سفر إلى فلسطين".

القدس-المسجد الأقصى-عقد إيمرة وشهد قرانهما في المسجد الأقصى وسيتزوجان الشهر المقبل في اسطنبول-الجزيرة نت-2021

إيمرة وشهد  عقدا قرانهما في المسجد الأقصى وسيتزوجان الشهر المقبل في إسطنبول (الجزيرة)

إسطنبول القريبة

توجست شهد في البداية من فكرة الابتعاد عن القدس التي عشقتها، لكن مواساتها كانت في ثقافة إيمرة ومعرفته الواسعة بتاريخ القدس وفلسطين، بالإضافة إلى سهولة السفر حيث تقول مازحة "باتت إسطنبول أقرب إلينا من كفر عقب (وهي بلدة مقدسية تشتهر بالأزمات المرورية بفعل حواجز الاحتلال)".

بدا حب القدس ظاهرا في كلام إيمرة، الذي قال للجزيرة نت بالتركية "إنه يشعر بالحماس عند ذكر اسم القدس، فكل شيء فيها ينقله إلى حقبة زمنية مختلفة، فحين يدخل باب العمود يغمض عينيه كأنه بطل رواية تاريخية، وينفصل عن الواقع حين يمشي في حواري البلدة القديمة".

ما زالت شهد تفضل المطبخ الفلسطيني الذي اعتادت عليه، لكنها اعترفت أن الحلوى التركية ألذ، خصوصا البقلاوة التركية (هاووتش)، وتضيف "توابل الطعام لديهم أقل مقارنة بنا، يحشون ورق العنب بالبرغل ومعجون الطماطم؛ أما نحن، فنحشيه بالأرز واللحم المفروم".

القدس_المسجد الأقصى_سافر إيمرة مع عائلته إلى القدس لخطبة أميرة وعقدا قرانهما في المسجد الأقصى-2019-من أرشيف الزوجان_مع الإذن بالنشر

إيمرة سافر مع عائلته إلى القدس لخطبة أميرة وعقدا قرانهما في المسجد الأقصى عام 2019 (الجزيرة)

العروس التركية

تؤكد التركية جولشن إرالتايلي موسى (40 عاما) على ما قالته شهد حول قلة التوابل وكثرة استخدام معجون الطماطم، وتقول للجزيرة نت إن المطبخ التركي والفلسطيني يشتركان في بعض الأطعمة ويختلفان في مذاقها، مؤكدة أنها منذ زواجها من زوجها المقدسي قبل 13 عاما، باتت تتقن العديد من الأكلات المقدسية وأشهرها المقلوبة.

تنحدر جولشن من شمال قبرص التركية، ودرست علم النفس الإرشادي في جامعة شرق البحر المتوسط التي جمعتها بزوجها المقدسي عام 2005، ليتعارفا ويتزوجا عام 2009، ويستقرا مع طفليهما (9 و12 عاما) في مدينة القدس، حيث تعمل جولشن في مجال السياحة والسفر، ويتقن طفلاها 3 لغات، التركية والعربية والإنجليزية.

ما زالت جولشن تجد صعوبة في إتقان العربية بسبب اختلاف مخارج الحروف كما قالت، وتتابع بالإنجليزية "لدينا كلمات مشتركة بنطق مختلف، لدينا تقاليد تبدو متشابهة من الخارج لكنها مختلفة من الداخل، كما في الأزياء والأكلات مثلا".  وتختم قائلة "قلقت عائلتي عندما أخبرتها بقرار الزواج والاستقرار في القدس بسبب الأوضاع الأمنية، وما زالت قلقة حتى اليوم، لكنني أحب القدس ويمنحني كل شارع فيها شعورا مختلفا كأنني أسافر إلى بلد جديد".

المصدر : الجزيرة



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:38
الظهر 12:38
العصر 04:17
المغرب 07:12
العشاء 08:39