العالم الذي تقوّضه الرفاهية.. هل فات أوان إنقاذ الكوكب؟
العالم الذي تقوّضه الرفاهية.. هل فات أوان إنقاذ الكوكب؟

الثلاثاء | 15/11/2022 - 06:06 مساءً

لم يكن عام 2022 استثنائيا في تأكيد التغيرات المناخية الخطيرة التي تعصف بالكوكب، لكنه أظهر مؤشرات كبيرة على المستقبل المعتم في السنوات والعقود القادمة.

العالم مقبل على تحولات كبرى في السنوات القادمة بسبب الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية (شترستوك)

زهير حمداني

13/11/2022|آخر تحديث: 15/11/202201:38 PM (مكة المكرمة)

 

أوائل سبعينيات القرن الماضي، برز مفهوم "التنمية المستدامة" في علاقته بالبيئة والإنسان والمستقبل. أصبح هذا المعنى شائعا في وقت لاحق ويفيد "التنمية التي تلبي احتياجات البشر، دون تهديد قدرة الأجيال اللاحقة على إشباع احتياجاتها". لكن بعد أكثر من 5 عقود، يظهر بوضوح أن هذه القدرة تتآكل، وأن مستقبل الأجيال المقبلة والكوكب في خطر محدق.

ومنذ أول مؤتمر عالمي للبيئة في ستوكهولم عام 1972، وما تلاه من قمم ومؤتمرات دولية حول قضية المناخ، لم يفلح المجتمع الدولي في كبح جماح النزعة الاستهلاكية المفرطة لثروات الأرض، والتدمير الممنهج للنظام البيئي بحثا عن مزيد من الرفاهية غير المتوازنة عالميا، ولم تفرض الحلول اللازمة التي تجنب البشرية فعليا ذلك "الانتحار الجماعي" المفترض.

في افتتاح مؤتمر الأطراف حول المناخ في مصر "كوب 27" (COP 27) المنعقد من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني، تعالت الأصوات المحذرة من خطورة التغير المناخي وتأثيراته على مستقبل الأرض والبشرية، بينما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غموض هذا المستقبل، بقوله:

البشرية أمام خيار التعاون أو الهلاك، فإما يكون عهدا على التضامن المناخي أو عهدا على الانتحار الجماعي.. نحن نسلك الطريق السريع نحو الجهنم المناخي ونواصل الضغط على دواسة السرعة.

بواسطة أنطونيو غوتيريش

ولم يكن عام 2022 استثنائيا في تأكيد التغيرات المناخية الخطيرة التي تعصف بالكوكب، لكنه أظهر مؤشرات كبيرة على المستقبل المعتم في السنوات والعقود القادمة. أنهار وبحيرات تجفّ وأخرى تختفي، حرائق هائلة غير مسبوقة، فيضانات عارمة وتساقطات غزيرة في مناطق تعدّ جافة، وجفاف تام في أماكن أخرى، ارتفاع منسوب المياه في المحيطات، وحرارة غير مسبوقة في مناطق تعدّ باردة. تلاشى مفهوم الفصول الأربعة والمتغيرة، وحل محلها "المناخ المتطرف".

ووفقا لتقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، يشكل تغيّر المناخ بوتيرته الحالية تهديدا خطيرا لسلامة الأرض، بما يسببه من اضطرابات خطيرة في الطبيعة، ولتأثيره على حياة مليارات البشر، ولا سيما مع تزايد وتيرة الأحداث المناخية المتطرفة وغير المسبوقة، بفعل زيادة الاحترار العالمي وفق معظم التقارير ذات الصلة.

ويبين اللون الأحمر في الفيديو -وهو من إنتاج وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"- زيادة درجة الحرارة من سنة 1880 إلى 2021، وكيف تسارعت وتيرتها خلال العقود الأخيرة جراء تكثف الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

ارتفاع درجة الحرارة أدى إلى الجفاف والتصحر وأزمة الغذاء (شترستوك)

أجراس الخطر

في آخر تقاريرها، تشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى احتمال بنسبة 50% أن تصل درجة الحرارة العالمية مؤقتا إلى عتبة 1.5% في السنوات الخمس المقبلة، انعكاسا لظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيراتها الواسعة على البشر الذين يديرون الكوكب الأخضر وموارده ونظامه البيئي الحساس برعونة، بحثا عن مزيد من الرفاهية والتطور. وتؤكد تلك التقارير أن درجة حرارة الأرض شهدت منذ 1970 حتى الآن ارتفاعا أسرع من أي 50 عاما أخرى طوال 6500 عام.

فمنذ أن بدأ الإنسان حرق المواد الأولية والأحفورية لتلبية حاجاته الأساسية، ثم الثانوية (الخشب ثم الفحم ثم النفط والغاز..)، والاستغلال النهم للثروات الطبيعية، تحول النشاط البشري إلى "وحش" يلتهم البيئة التي يعيش فيها، ويخلّ بشكل متسارع بالتوازن الهش للطبيعة، وينتج قدرا هائلا من الملوثات والغازات الدفيئة التي تسببت في معظمها الدول والكيانات الصناعية الكبرى.

الغازات الدفيئة (GHG): هي غازات توجد في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وتتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض، فتحتفظ بها وترفع درجة حرارة الهواء، وبذلك تقلص من ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء فتسهم في تسخين جو الأرض، وبالتالي ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2)، والميثان (CH4)، وأكسيد النيتروس (N₂O)، والغازات الصناعية، وسداسي فلوريد الكبريت (SF6).

تطرف المناخ وتطرف الإنسان

 

منذ الثورة الصناعية في أوروبا منتصف القرن 18 واكتشاف معادن ومصادر طاقة جديدة، وتطور وسائل الإنتاج والتوسع في التصنيع والاختراعات، ازداد نهب موارد الطبيعة واستغلالها بشكل هائل وغير متوازن، مع كل قفزة جديدة يحققها البشر في اتجاه البحث عن الرفاهية المطلقة.

​تبعا لذلك، بدأت كميات هائلة من الملوثات والغازات الدفيئة تتسرب في الهواء، وأدى تركزها وتكثفها في الغلاف الجوي إلى تدمير النظام البيئي الهش، وزيادة درجات حرارة الأرض ونشوء تقلبات مناخية غير متوقعة، وتحوّل الأرض تدريجيا إلى مكان يفقد قابليته للحياة. ويبين الإنفوغراف التالي الزيادة الهائلة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العقود الأخيرة (1980-2020).

انفوغراف حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميا منذ سنة ١٩٠٠ حتى سنة ٢٠٢١ بالمليار طن

حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تزايدت في العقود الأخيرة (الجزيرة)

​والغازات الدفيئة ضرورية لإبقاء الكوكب قابلا للحياة، فمن دونها قد تصل درجة حرارة الأرض إلى 20 درجة تحت الصفر، لكن تصاعد نسبتها يؤدي إلى نتائج عكسية.

تمتص الغازات الصاعدة من الأرض الأشعة دون الحمراء داخل غلافها الجوي، وتتحول بذلك إلى ما يشبه الزجاج الذي يرفع حرارة ما تحته عند تعرضه لحرارة من الأعلى. ويؤدي وجود تلك الغازات ضمن الغلاف الجوي للأرض إلى ارتفاع حرارتها بسبب خاصية امتصاص الأشعة ما دون الحمراء التي توجد في الغلاف الجوي. ومع احتباس الحرارة ضمن الغلاف الجوي وعدم تشتتها، تنشأ ظاهرة الاحتباس الحراري.

وفق التقارير التي ترصد حجم الانبعاثات بحسب القطاعات، تنتج أكبر زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة أساسا عن قطاع التزود بالطاقة والوقود الأحفوري ثم قطاع النقل، والصناعة، والزراعة وتربية الماشية، وقطاع البناء، والنفايات النووية والكيمياوية، ووسائل التكنولوجيا الحديثة وكذلك آثار الحروب، إضافة إلى الكوارث الطبيعية. ويشمل التلوث الهواء والتربة والمياه، إضافة إلى التلوث الضوئي أو الكهرومغناطيسي وحتى التلوث الفضائي.

​​وأظهرت دراسة أن 100 شركة عالمية في مجال النفط والغاز والوقود الأحفوري تتحمل نسبة 70% من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

وفي مؤتمر المناخ (كوب 27) في مصر، أكدت منظمة "تحالف الدول الجزرية الصغيرة" (AOSIS) في مداخلة مندوبها، أن "​​صناعة الوقود الأحفوري تجني 3 مليارات دولار يوميا لمدة 30 سنة.. لا يزال الحصول على المال لتدمير الكوكب أرخص وأسرع من إنقاذه​".

حجم النفايات الإلكترونية يمكن أن يتضاعف بحلول سنة 2030 (الجزيرة)

نقمة "عصر البلاستيك"

​ومنذ أن بدأت صناعة البلاستيك عام 1907، انتشر تدريجيا وأصبح من أخطر أسباب التلوث. وينتج العالم اليوم نحو 367 مليون طن من البلاستيك سنويا، يتم إعادة تدوير 10% منها فقط، ومن المنتظر أن يصل الإنتاج إلى 1.1 مليار طن بحلول عام 2050. ويستهلك العالم نحو 5 آلاف مليار كيس بلاستيكي​ سنويا وفق تقديرات موقع ستاتيستا

ويشير موقع (oceansasia) المهتم برصد التلوث البلاستيكي​ في البيئة المائية، في تقرير له، إلى أن ما يقارب 1.5 مليار كمامة قد انجرفت إلى المحيط خلال عام 2020 فقط، أي أثناء أزمة انتشار فيروس كورونا. ​

وتتجلى مخاطر النفايات البلاستيكية وغيرها في "رقعة القمامة العظمى"، حيث تراكمت تلك النفايات في المحيط الهادي بين ولايتي كاليفورنيا وهاواي الأميركيتين، وتوسعت لتصل إلى ما يعادل 3 أمثال حجم فرنسا، ومن المرجح أن يكون كل شخص قد ساهم بقطعة ما في تشكل هذه الجزيرة الضخمة التي تهدد الأحياء البحرية والنظام البيئي.

و​تشير منظمة "تحرروا من البلاستيك" (Break Free From Plastic​) إلى أن بضعة شركات كبرى للمشروبات وغيرها تجني مليارات الدولارات، لكنها تعد ​المصدر الرئيسي للتلوث البلاستيكي في العالم، فيما اعترفت شركة كوكا كولا -التي ضمّتها القائمة- عام 2019 بأنها تستخدم نحو 2.9 ملايين طن من العبوات البلاستيكية سنويا، متعهدة باتخاذ إجراءات لحماية البيئة. وأكدت منظمة "السلام الأخضر" (Greenpeace) في تقرير لها هذه المعطيات، مشيرة إلى دور الشركات العالمية العملاقة في تلويث البيئة.

ووفق بعض الإحصائيات، هناك حوالي 5.25 تريليونات قطعة من النفايات، بمعدل 269 ألف طن منها، تطفو على السطح، بما يشمل 1.8 تريليون قطعة بلاستيكية. وفي كل عام، يدخل ما لا يقل عن 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية محيطات العالم، وتلحق هذه النفايات أضرارا جسيمة بالحياة البحرية، وتدمر التنوع البيئي.

النفايات البلاستيكية تشكل خطرا كبيرا على توازن وتوزع الكائنات البحرية (الفرنسية)

الإنسان والبيئة.. الصداقة الملتبسة

تشير الدراسات أيضا إلى أن الأجهزة الإلكترونية والإنترنت والأنظمة الداعمة له، تسهم بنحو 3.7% من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وينتظر أن تصل إلى 7% بحلول 2025.

فكل تفاعل على الأجهزة الرقمية يمارسه الفرد كعادة يومية، يؤثر بشكل مباشر على الانبعاثات. وتبلغ البصمة الكربونية (carbon footprint) -مقدار ثاني أكسيد الكربون والميثان المنبعث في الغلاف الجوي- للهاتف المحمول 70 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط سنويا.

وتفرز مكالمة هاتفية مدتها دقيقة واحدة 0.1 غراما من ثاني أكسيد الكربون، مقابل 0.014 غراما لكل ​رسالة نصية، و0.3 كيلوغراما​ عند استخدام 1 غيغابايت من الإنترنت وفق موقع (The Conversation)​.​ وبشكل عام يبلغ المتوسط العالمي للبصمة الكربونية للفرد 7 أطنان سنويا، مقابل 16 طنا للفرد في الولايات المتحدة.

point finger on screen mobile phone closeup, person texting text message, hipster touch blue screen on smartphone light night city, girls using in hands cellphone close up, online internet

انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الهواتف الذكية زادت بنسبة 730% بين 2010 و2020 (شترستوك)

وتشير بعض الدراسات أيضا إلى أن كل شخص ينتج في المتوسط أسبوعيا كتلة مواد ناتجة عن أنشطته البشرية تفوق وزن جسمه، وأن كتلة المواد التي صنعها وأنتجها البشر تعادل وزن جميع الكائنات الحية على وجه الأرض، بما يؤكد أن البشر بأنماط حياتهم وسلوكهم يسهمون بالدور الرئيسي في تغيير شكل كوكب الأرض وتحديد مستقبله.

ومع ذلك، يرفض نشطاء البيئة تحميل الفرد المسؤولية المباشرة عن الانبعاثات، فالشركات التي تصنّع المواد والأدوات الاستهلاكية وتنتج أشكالا جديدة منها بشكل دوري، وتروّج للاستهلاك المفرط وتشجع عليه بحثا عن مراكمة الأرباح؛ تتحمل الجانب الرئيسي من المسؤولية.

ووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، تستهلك المدن، وهي المراكز الرئيسية للنشاط البشري، 78% من طاقة العالم، وتنتج أكثر من 60% من غازات الاحتباس الحراري، رغم أن مساحتها تمثل أقل من 2% من مساحة سطح الأرض. ومع الزيادة السكانية الهائلة في المدن خلال العقود الماضية، ارتفعت نسبة الانبعاثات من 5 مليارات طن متري عام 1940 إلى 36.4 مليار طن متري عام 2021، أي أنها تضاعفت 7 مرات خلال نحو 80 عاما.​

إزالة الغابات تؤدي إلى تدهور التنوع الحيوي والإخلال بالتوازن البيئي (شترستوك)

غابات الأمازون المطيرة فقدت جزءا كبيرا من كتلتها جراء الأنشطة البشرية الجائرة (غيتي)

تدمير الملجأ

بفعل الأنشطة الصناعية للشركات الكبرى والاحتطاب، تقدّر الدراسات أنه تم تدمير حوالي 17% من غابات الأمازون المطيرة عام 2018، والتي تشكل إحدى "رئات" العالم، وتمتص ما بين 25% و30% من الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية.

فبين عامي 2010 و2019، فقدت هذه الغابة كتلة حيوية منها، وبالتالي فإن كمية الكربون المنبعثة من الجزء البرازيلي من الأمازون أصبحت تفوق بنسبة 18% الكمية التي امتصها، إذ بلغت 4.45 مليارات طن، في مقابل  3.78 مليارات طن خزنتها، وهو ما يؤشر إلى خلل كبير قد يستمر في التفاقم.

وفق موقع "Global forest" أدت التأثيرات البشرية فعليا إلى فقدان حوالي 40% من غابات العالم، وتتعرض منطقة بحجم ملعب كرة القدم للتدمير كل ثانية (نحو هكتار ونصف)، ويتم قطع 15 مليار شجرة سنويا بشكل جائر، بينما يعتمد أكثر من 1.5 مليار شخص على الغابات لكسب الرزق.

من عام 2002 إلى عام 2021، فُقدت 68.4 مليون هكتار من الغابات الأولية الرطبة، أي 16% من إجمالي الغطاء الشجري في نفس الفترة الزمنية، وتراجع إجمالي مساحة الغابات الأولية الرطبة على مستوى العالم بنسبة 6.7%.

وكنتيجة طبيعية لذلك، تم تدمير الموائل الطبيعية للكائنات التي تعيش في هذه الغابات. وجاء في تقرير صادر عن الصندوق العالمي للطبيعة البرية أن عدد الثدييات والطيور والزواحف والأسماك على الأرض انخفض بنسبة 69% خلال الخمسين عاما الماضية، كما أن عدد حيوانات المياه العذبة في الأنهار والبحيرات تراجع بنسبة 84% مقارنة بعام 1970.

طوفان الجليد

وفي سياق التغيرات المناخية، أكد المركز الأميركي للمعلومات في دراسة له أن 20% من ثلوج المحيط المتجمد الشمالي قد اختفت خلال عامين فقط. ويتوقع علماء أن يخلو كامل القطب الشمالي من الثلوج خلال حوالي 25 سنة من الآن فقط.

ويعني ذلك تحول المحيط إلى ماء سائل متصل ببقية المحيطات، إضافة إلى رفع منسوب هذه المياه المتصلة. وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى البحار وإمكانية اختفاء مدن ساحلية بأكملها، وفق بعض الاحتمالات، وكذلك الجزر ودلتا الأنهار، كما أن ذوبان الأنهار الجليدية سيشكّل كارثة لأنها مصدر مياه الشرب لجزءٍ كبير من سكان الأرض.

​وتكشف عمليات رصد الأقمار الصناعية الأخيرة ودراسات علمية أن الصفائح الجليدية في غرينلاند والمحيط المتجمد الشمالي تفقد الكثير من الجليد. وتشير التقديرات إلى أن الفقدان الجزئي لهذه الصفائح الجليدية قد يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا في حالة فقدها تماما، وتحتوي الصفيحتان الجليديتان كتلة قد تتسبب برفع مستوى سطح البحر بمعدل 66 مترا .

بدورها، تشهد كتلة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي تراجعا بنسبة 149 غيغا طن (149 مليار طن) سنويا منذ عام 2002. ​وبالإضافة إلى الفيضانات والعواصف، يوجد الكثير من الكربون المخزن في الجليد وبذوبانه ستنطلق كميات كبيرة منها في الغلاف الجوي بما يفاقم التغير المناخي.

التلوث البحري

النفايات البلاستيكية تحدث ضررا بالغا خصوصا بالبيئة البحرية (شترستوك)

من يدفع الثمن؟

 

A displaced Somali woman carries a child and her belongings as she arrives at a temporary dwelling after fleeing famine in the Marka Lower Shebbele regions to the capital Mogadishu, September 20, 2014. The United Nations said this month more than a million people in war-ravaged Somalia were struggling to meet daily nutritional needs. The roughly 130,000 people displaced from their homes this year alone are bearing the brunt of the crisis. REUTERS/Feisal Omar (SOMALIA - Tags: DISASTER SOCIETY POVERTY CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY)

اللاعدالة المناخية

تؤكد معظم التقارير والدراسات أن الدول الصناعية الكبرى تتحمل مسؤولية رئيسية في تلويث المناخ. ووفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن هناك 4 دول وكيانات -هي: الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي- تساهم بأكثر من 55% من إجمالي الانبعاثات خلال العقد الماضي. وتشير دراسة أخرى إلى أن 1% من أغنياء العالم يساهمون بنسبة 50% من التلوث عالميا.

ويؤدي التلوث -بحسب منظمة الصحة العالمية- إلى أكثر من 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويا، من بينها 400 ألف حالة وفاة مبكرة سنويا في شرق المتوسط، بينما أكدت المنظمة أن موجة الحر التي ضربت أوروبا صيف 2022 أدت إلى وفاة 15 ألف شخص، رغم التقدم الاقتصادي والاجتماعي لدول القارة.

ويتوقع أن يسبب تغير المناخ في الفترة من عام 2030 إلى عام 2050 نحو 250 ألف وفاة كل عام، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، دون اعتبار الوفيات المباشرة الناجمة عن الكوارث المتزايدة التي يسببها التغير المناخي، وستكون الدول الفقيرة الأكثر تضررا في هذا السياق.

الدول العشر الأكثر إسهاما في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (الجزيرة)

قدّرت دراسة نشرها المنتدى الاقتصاد العالمي في أبريل/نيسان 2022، أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى خسارة 4% من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن تسبب الفيضانات والجفاف وحدهما خسائر للاقتصاد العالمي تقدر بـ5.6 تريليونات دولار، ستتكبد معظمها الدول الفقيرة والنامية.

​​​ورغم أن الدول الصناعية الكبرى تسهم في النصيب الأكبر من الانبعاثات، فإن دول نامية أو فقيرة تدفع ثمنا غاليا لذلك، رغم أنها الأقل مساهمة في الاحتباس الحراري. وتؤكد منظمة جيرمن ووتش (Germanwatch) في تقرير لها أن 5 دول تعد الأكثر تأثرا بالتغيير المناخي خلال هذين العقدين من القرن 21، وهي: ميانمار (آسيا)، وهايتي (منطقة الكاريبي)، وباكستان (جنوب آسيا)، وجزر بورتوريكو (منطقة الكاريبي)، والفلبين (جنوب شرق آسيا).

​أما الدول العشر الأكثر تضررا عام 2019، فهي: موزمبيق (شرق أفريقيا)، وزيمبابوي (جنوب أفريقيا)، وجزر الباهاما (المحيط الأطلسي)، وبوليفيا (غرب أميركا الجنوبية)، والهند وأفغانستان واليابان (آسيا)، وملاوي (جنوب شرق أفريقيا)، والنيجر وجنوب السودان (غرب أفريقيا). ومعظم هذه البلدان -وغالبيتها في أفريقيا- تعاني من قلة الموارد التي تساعدها على التصدي لتأثيرات التغير المناخي، كما تؤكد هذه المعطيات النتائج غير المتساوية وغير العادلة لهذه الظاهرة، إذ "يدفع الفقراء ثمن رفاهية الأغنياء" في مسألة حجم الانبعاثات والتغيير المناخي.

وقال الرئيس السنغالي ماكي سال في قمة "كوب 27" بمصر، إن القارة الأفريقية تتضرر بشكل كبير من التغيرات المناخية جراء الانبعاثات التي لا تساهم إلا بقدر ضئيل منها عالميا.

القارة الأفريقية تسهم بأقل من 4% من غازات الاحتباس الحراري العالمية.. من يلوث أكثر من غيره هو من يجب أن يدفع أكثر من أجل إخراج كوكبنا من مسار أزمة المناخ هذه .

بواسطة الرئيس السنغالي ماكي سال

ففي وقت تسهم فيه القارة الأفريقية (54 دولة) بهذه النسبة الضئيلة من غازات الاحتباس الحراري،​ تعاني دولها بشكل كبير من التغيرات المناخية. وتكلف التغيرات المناخية القارة نحو 50 مليار دولار سنويا، كما أدى ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى تراجع بنسبة 34% في الإنتاجية الزراعية منذ عام 1961، ومن المتوقع أن يؤدي الإجهاد المائي إلى تشريد نحو 700 مليون شخص بحلول عام 2030، بحسب تقرير المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (WMO​).

COP27 climate summit in Egypt

ناقشت قمة المناخ إقرار تعويضات للدول الفقيرة المتضررة من التغير المناخي (رويترز)

​​وتسعى الدول الفقيرة والنامية في قمة المناخ المنعقدة في مصر (كوب 27) إلى دفع الدول الصناعية الكبرى -المتسبب الأكبر في التغيير المناخي- إلى الإيفاء بالتزاماتها، بما في ذلك التعهد بدفع قرابة 100 مليار دولار سنويا لدعم جهود مكافحة التغير المناخي في البلدان النامية، ​لكن هذه الدول -وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- تماطل منذ سنوات في اعتماد آلية مفتوحة ومستمرة للتعويضات.

​وتشير أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أوكسفام) إلى أن 34% فقط من تمويلات التكيف مع التغير المناخي التي تمّ رصدها تخصص حاليا لمساعدة الدول النامية، كما أن 71% منها ما زالت تقدم قروضا، بما يفاقم أعباء ديون هذه الدول.

وكان اتفاق باريس عام 2015 قد وضع سقفا يهدف إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030. لكن تقريرا "متشائما" أصدرته الأمم المتحدة في 26 أكتوبر/تشرين الأول، أكد أنه في ظل التعهدات المناخية الحالية للدول، فإن من المتوقع زيادة غازات الاحتباس الحراري بنسبة 10.6%، وارتفاع درجات الحرارة في العالم بنحو 2.8 درجات، أو 2.4% درجات إذا تم تطبيق الخطط الموضوعة.

في مؤتمر الأطراف حول المناخ في مصر​، يستمر الشك بشأن التوصل إلى حل جذري لأزمة المناخ العالمية، وحشد الإمكانيات والتمويلات اللازمة لذلك. ويبقى مستقبل الكوكب الأزرق، الذي دخل المنطقة الرمادية، مرهونا بكبح جماح الصراع المحموم على موارده، والتغيير الجذري في أنماط السلوك البشري وسياسات الدول والشركات وبنى الإنتاج والاستهلاك وتجاوز اللامبالاة بالمصير المشترك.

المصدر : الجزيرة



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:39
الظهر 12:39
العصر 04:17
المغرب 07:11
العشاء 08:38