يواجه الغرب الأميركي أشد موجات الجفاف في تاريخه، وتشير الأبحاث إلى أن الظروف أصبحت الآن أكثر جفافا مما كانت عليه منذ 1200 عام على الأقل، ومن المرجح أن تستمر لعقد آخر، ويساهم تغير المناخ في هذه الظاهرة بصورة كبيرة.
انخفاض مستويات المياه في بحيرة مييد يؤثر سلبا على الزراعة في عدة ولايات أميركية (الجزيرة)
فإذا كنت تزور الغرب الأميركي في المناطق المتاخمة لنهر كولورادو في مساره الجنوبي بعد خزان بحيرة مييد بولايات نيفادا وأريزونا وكاليفورنيا، فلن يكون من الصعب ملاحظة أن المياه تنفد منه.
وسيظهر ذلك للعيان في انخفاض كميات المياه في بحيرة مييد، البحيرة الصناعية الكبرى في شمال أميركا، ويلاحظ كذلك انتشار الجفاف في العديد من المزارع بهذه المناطق. وإذا تحدثت لأحد ملاك هذه المزارع، أو أحد المزارعين، فستعرف المزيد عن حجم هذه المأساة.
يواجه الغرب الأميركي أشد موجات الجفاف في تاريخه، وتشير الأبحاث إلى أن الظروف أصبحت الآن أكثر جفافا مما كانت عليه منذ 1200 عام على الأقل، ومن المرجح أن تستمر لعقد آخر، ويساهم تغير المناخ في هذه الظاهرة بصورة كبيرة.
من ناحية أخرى، ساهم انخفاض وشح المياه في انتشار حرائق الغابات التي لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما أدى لفقدان ملايين الأفدنة بسبب ذبول المحاصيل وانخفاض جودة الهواء. ولكن يبدو أن المخاوف المتزايدة بشأن الجفاف الهائل وصلت إلى ذروتها في الأشهر الأخيرة، عندما أصبحت تداعياتها واضحة بشكل مذهل في بحيرة مييد.
فقد انخفضت مياه بحيرة مييد لتصل اليوم إلى 28% فقط من سعتها الإجمالية، أما بحيرة باول -ثاني أكبر خزان على نهر كولورادو- فتمتلئ فقط بنسبة 25%. وسيستغرق الأمر عدة سنوات من هطول الأمطار فوق المعدلات الطبيعية وذوبان الجبال الثلجية في عدة فصول من الشتاء، لإعادة مستويات الخزان إلى أوضاعها الطبيعية.
وتنبع مياه نهر كولورادو من الثلوج التي تتراكم فوق جبال ولايات يوتا وكولورادو ووايومنغ، ثم تتدفق جنوبا إلى نيو مكسيكيو ونيفادا وأريزونا وكاليفورنيا، قبل أن تصل إلى شمال المكسيك.
وبسبب التغيرات المناخية، تقل كميات الثلوج المتساقطة فوق الجبال عاما بعد عام، وعليه تقل كميات المياه المكونة لنهر كولورادو الذي يمتد إلى 2245 كيلومترا، موفرا المياه لحوالي 40 مليون شخص في الولايات المتحدة والمكسيك، ويروي 5.5 ملايين فدان من الأراضي الزراعية.
وشاهدت الجزيرة نت -أثناء زيارتها بحيرة مييد- علامة طباشيرية بارزة أظهرها تضاؤل كمية المياه المستمر منذ سنوات، والذي وصل لدرجة خطيرة استدعت تدخل الحكومة الفدرالية.
ويبلغ طول بحيرة مييد 180 كيلومترا وعرضها 162 مترا، أي أنها تغطي مساحة تبلغ حوالي 248 ميلا مربعا، ويُمكّنها ذلك من القدرة على الاحتفاظ بنحو 28.9 مليون فدان من المياه.
وتسبب انخفاض مستوى المياه بالبحيرة اكتشاف الكثير من القوارب التي غرقت منذ مدة طويلة، وجثث أشخاص فقدوا منذ سنوات.
الجفاف ضرب العديد من مزارع الغرب الأميركي مع انخفاض معدلات المياه في نهر كولورادو لمعدلات قياسية (الجزيرة)
يُدين وجود مزارع واسعة بمقاطعة يوما جنوب أريزونا لتحويل مسار نهر كولورادو في منتصف القرن الماضي، فعليه شُقت عدة قنوات وبحيرات سمحت للمياه بالتدفق. لكن هذا التدفق من المياه أصبح الآن موضع شكوك، وأثر ذلك على نمط الحياة في المقاطعة الحدودية، خاصة في تضاؤل البقعة الزراعية.
وتحدث عامل زراعي للجزيرة نت، وذكر أنه كان من اليسير جدا قبل سنوات أن يعثر على عمل في إحدى مزارع المقاطعة، لكن الوظائف قلّت اليوم بصورة كبيرة على الرغم من أنها وظائف شاقة يتجنبها الكثير من المهاجرين الذين يفضلون العمل داخل المصانع بعيدا عن أشعة الشمس الحارقة.
ولأن نهر كولورادو لا يحتوي على ما يكفي من المياه للجميع، تدعو الحكومة الفدرالية جميع مستخدمي مياه النهر -بما في ذلك المزارعون ومدن مليونية مثل فينيكس ولاس فيغاس- إلى وضع خطة لخفض استخدامهم للمياه. ويعتقد خبراء قانونيون أن المكتب الفدرالي للاستصلاح لديه السلطة ببساطة لإصدار أمر بتخفيض إمدادات المياه من الخزانات، مثل خزان بحيرة مييد، إلى مناطق الري الزراعية. ومع ذلك، يكاد يكون من المؤكد أن المزارعين سيطعنون في مثل هذا الأمر في المحاكم المحلية الفدرالية.
ويرى بعض العلماء أنه إذا لم يتغير شيء، فستنخفض مياه بحيرة مييد إلى مستوى يسمى "البركة الميتة"، وستتوقف المياه عن التدفق عبر سد هوفر، ولن تصل إلى خزان المياه العملاق الذي يزود مزارع ومدن ولايات الجنوب الغربي بمياه الري والشرب، وكمية ضخمة من الطاقة الكهرومائية.
وتحدث مزارع في مقاطعة يوما للجزيرة نت، وقال إن "المزارعين يأملون في التوصل إلى اتفاق تدفع لهم بموجبه الحكومة أموالا مقابل استخدام كميات أقل من المياه. وتقترح إحدى الخطط المتداولة بين مالكي المزارع أن تدفع لهم الحكومة الفدرالية سنويا 1500 دولار لكل فدان".
وتشير تقارير إلى أن هذه الفكرة قد تكلف الحكومة الفدرالية ما يقرب من 1.4 مليار دولار سنويا، مقابل خفض استخدام المياه بنسبة 20% فيما يقدر بمليون فدان من الأراضي الزراعية.
كما يتم تداول فكرة أن يقلل المزارعون مساحة الأراضي المزروعة بمحاصيل البرسيم والأعشاب التي يتم وضعها في القش لإطعام الماشية والخيول.
بسبب مواسم الجفاف غير المسبوقة، أصبحت المياه لا تكفي ري الأراضي في المناطق الزراعية بين أريزونا وكاليفورنيا (الجزيرة)
في يونيو/حزيران الماضي، أعطى المسؤولون الفدراليون حكام الولايات السبع موعدا نهائيا في منتصف أغسطس/آب الماضي، للتوصل إلى خطة للحفاظ على ما بين مليونين و4 ملايين فدان من المياه. ويستهلك كل فدان واحد 326 ألف غالون من المياه في المتوسط السنوي، أو ما يكفي من المياه لتغطية ملعب كرة قدم بعمق نصف متر.
كما أعلنت الحكومة الفدرالية عن زيادات تدريجية في تخفيضات المياه الحالية لأريزونا ونيفادا والمكسيك، بدءا من يناير/كانون الثاني 2023، وقد تم الاتفاق على هذه التخفيضات بالفعل، ولا يزال من غير الواضح ما الإجراءات المحددة التي سيتخذها المسؤولون الفدراليون لمنع الخزانات من الانخفاض إلى مستويات ضئيلة للغاية.
ورسم آندي مولر المدير العام لمنظمة الحفاظ على مياه نهر كولورادو، مستقبلا قاتما للولايات السبع خلال المؤتمر السنوي لمنظمته. وقال مولر "إذا واصلنا العمل بالطريقة التي نعمل بها الآن، وإذا لم نخفض مطالبنا، فسنرى تلك الخزانات تواجه أزمة حقا. أنا لا أتحدث عن 20 عاما، أنا أتحدث عن السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة. لدينا فترة من الوقت هنا لتغيير استخدامنا".
وبموجب شروط ميثاق نهر كولورادو لعام 1922، تشترك الولايات السبع في 16 مليون فدان قدم من المياه سنويا مقسمة بالتساوي. وأشار مولر إلى أن الجفاف قد قلل بشكل حاد من هذا التدفق إلى 12 مليون فدان قدم، لكن من المرجح أن ينخفض بشكل أكبر في ظل ظروف الجفاف المستمرة.
صورة توضح الخط الأبيض الذي يعكس حجم الفاقد من المياه في خزان بحيرة مييد (الجزيرة)
وصل قلق المراقبين لدرجة أن هناك خوفا من أن التوربينات في سد هوفر لن يكون لديها ما يكفي من المياه لمواصلة الدوران وتوليد الطاقة الكهرومائية لملايين الأشخاص.
ويجب أن تظل المياه في بحيرة مييد فوق ارتفاع معين للمرور عبر سد هوفر، وهي عملية تسهل توزيع المياه وكذلك تولد الطاقة الكهرومائية إلى مناطق المياه والري، وكذلك المقاطعات في جميع أنحاء أريزونا وكاليفورنيا ونيفادا والمكسيك.
ويحدد مستوى الارتفاع أيضا مقدار الطاقة الكهرومائية التي يتم توليدها، وعندما تكون مستويات الخزان منخفضة، تنخفض قدرة السد على توليد الطاقة أيضا.
وقد أدى نقص المياه بالفعل إلى تغييرات عملية، حيث تتخذ الولايات خطوات جادة للحد من استهلاك المياه، وتم تخصيص أكثر من 12 مليار دولار من قانون البنية التحتية الذي أُقر مؤخرا لتحسين البنية التحتية الغربية للمياه والطاقة ومعالجة التحديات الناجمة عن الجفاف.
وفي جنوب نيفادا، تمسح "شرطة المياه" الأحياء السكنية بحثا عن انتهاكات استغلال المياه. وفي ولاية أريزونا، يتم أخذ غالبية التخفيض من قناة توفر المياه لـ80% من سكان الولاية، والتي بدونها لم يكن القطاع الزراعي المركزي -فضلا عن مدن مثل فينيكس وتوسون- لتتطور وتتوسع.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السيد جيفري والاس المحارب السابق القاطن في جنوب ولاية نيفادا، إلى أن سكان جنوب الغرب الأميركي يستهلكون الكثير من المياه مقارنة بغيرهم في الولايات الشرقية والشمالية.
وقال والاس "المناخ هنا حار طول العام، وشديد الحرارة ما بين أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول.. التبخر يفقدنا الكثير من المياه، ناهيك عن الكثير من المنازل التي فيها حمامات سباحة تستهلك المياه. ابنى يقطن في أريزونا المجاورة، وبيته فيه حمام سباحة، وهذا ليس رفاهية في هذه المناطق الحارة كما يتصور البعض".
المصدر : الجزيرة
الفجر | 05:16 |
الظهر | 12:27 |
العصر | 03:47 |
المغرب | 06:17 |
العشاء | 07:38 |