إحدى أعظم عجائب أفريقيا.. إنها مستنقعات أوكافانغو النابضة بالحياة في قلب صحراء كالاهاري. أعجوبة تزخر بالمياه، تجذب كل من يسكنون فيها، وتدب الحياة في عروقهم لتخفف من معاناتهم، على الأقل لبعض الوقت من العام حيث يستفيدون إلى أقصى حد من الحُلة الجديدة لهذه الصحراء.
فقبل أن يبدأ موسم الأمطار في بوتسوانا، تعطي المرتفعات التي غمرتها الأمطار في أنغولا -على بعد 1000 كيلومتر- صحراء كالاهاري هدية منعشة كبيرة. حيث يستغرق وصول مياه الفيضانات الأنغولية إلى دلتا أوكافانغو أربعة أشهر، ورغم أن أكثر من 90% منها يضيع على طول الطريق حيث يتبخر أو تمتصه النباتات العطشى، فإن ما بقي منها سيغمر دلتا أوكافانغو بحوالي 11 ترليون لتر، قبل أن تصل إلى بوتسوانا.
يمكن للمياه أن تنتشر على نطاق واسع يغطي 150 كيلومترا عبر أرجاء الصحراء، وبالنسبة لسكان الصحراء فإن هذا فيض من الإحسان.
ففي منطقة جاوا، تتجمع ظباء التيل الأحمر بأعداد كبيرة لا ترى في أي مكان آخر في أفريقيا، وتتنقل هذه الظباء بسرعة على الأرض الرطبة أكثر من اليابسة، وتجوب الأراضي الفيضية بيسر وسهولة. ونهاية الشتاء هو موعد ولادتها، حين تكون مياه الفيضانات في أدنى مستوياتها، وتبقي الظباء آرامها على مقربة من الماء تفاديا للحيوانات المفترسة، فهي تتلقى الرعاية لستة أشهر قبل أن تصبح مؤهلة لتطأ أعشاب كالاهاري الغنّاء.
يجد القطيع بعض الأمان في تفوقه العددي، فهو مكوّن من ثمانين ألف تيل أحمر، وينتشر في أرجاء الدلتا، لكن الطبيعة لا تُقدم أي ضمانات، فلقد تكيفت الحيوانات المفترسة بدورها مع الأهوار، والبقاء في مستنقع شاسع بمنطقة جاوا يتطلب من الأسود إتقان مجموعة مختلفة من المهارات، من بينها أن يكونوا سباحين أقوياء، وصيادين ماهرين.
صراع البقاء في مستنقعات أوكافانغو بين الحيوانات العاشبة والمفترسة
في ناحية أخرى من المستنقع، وخلال الشهور التي يستغرقها تبدد مياه الفيضانات، تحظى أفراس النهر في الدلتا بأوقات ممتعة في رحاب التضاريس المتنوعة وتستمتع بوفرة الطعام.
ويخلق الفيضان فراديس للحيوانات سميكة الجلد، حيث تطفئ فيه الفيلة العطشى دائما ظمأها، فبوتسوانا تضم نحو سدس أفيال العالم، ورغم أنه يمكن لكل فيل أن يلتهم 200 كيلوغرام من الطعام يوميا، فإن هناك ما يكفي الجميع.
ولا تبتعد الدغافل (صغار الفيلة) عن أمهاتها، حيث تبقى في انتظار دورها في الرضاعة، ويشرب الصغار قرابة 11 لترا من الحليب يوميا لمدة أربع سنوات، أما أمهاتها فتحتاج إلى تناول الطعام باستمرار لتوفر لها كفايتها.
تشعر بعض الفيلة المراهقة في القطيع بأول دفعة هرمونات، لكنها سرعان ما ترتدع بمجرد تأديبها، وستترك القطيع في غضون سنوات قليلة، لكنها حتى ذلك الحين ستعيش تحت رقابة صارمة من أمهاتها.
ومع وفرة المياه، تستغني الفيلة عن السفر بعيدا، لكن في غضون بضعة شهور عندما تبدأ السهول الفيضية بالانكماش، ستقود الأم أسرتها إلى مصادر مياه وغذاء يمكن الاعتماد عليها أكثر.
اللبؤة الكبرى هي المسؤولة عن وضع خطط الصيد
تعتمد أسود منطقة جاوا على إناثها في تحصيل الطعام أيضا، تماما كحال بقية الأسود، ومع وجود الكثير من الأفواه الجائعة التي تنتظر سد رمقها، يصبح الصيد في أوكافانغو المسؤولية الوحيدة للبؤات.
تحتاج اللبؤة القائدة إلى كل براعتها في المباغتة لتكون أقرب ما يمكن إلى قطيع التيل الأحمر، ولن يكون الأمر سهلا ففريستها تُعرف بيقظتها، ويمكن لأشبالها الفضوليين أن يفسدوا كل شيء.
وعلى حمر الوحش أن تحذر هي الأخرى من الأسود، فخلال ملاحقتها للعشب الأخضر الغض، يكون على فحول القطيع أن يظلوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن أفراسهم وأمهارهم، وتعد خطوطها الجلدية بمنزلة بصمات الأصابع؛ حيث يعرف أفراد الأسرة النمط الفريد لكل واحد منهم، ويبقون بقرب بعضهم عند الخطر.
من بين كل خمسين تمساحا وليدا، ينجو واحد فقط ليكبر
عادة ما تتجمع التماسيح على ضفاف الأنهار، لكن هذا القدر من الماء في أوكافانغو يشجعها على التجوال، فالخير العميم في الدلتا يجذب الكثير منها.
وقد تظهر التماسيح في أي مكان في الدلتا، فهي تستغل نظام القنوات الشاسعة والأنفاق العامرة بمياه الفيضانات أحسن استغلال، وفرص الصيد التي تجدها في هذا المكان ستغنيها من الجوع لفترة طويلة.
ففي الضراء، يمكن لهذا المفترس من عصور ما قبل التاريخ أن يعيش شهورا دون طعام، ولهذا فإنه في السراء لا يرفض أبدا أي دعوة على العشاء ما لم يسبقه إليها عقاب السمك.
ويوفر المستنقع لصغار التماسيح الكثير من الحشرات، وهذا بدوره يهبها الكثير من الفرص لنقل مهارتها في الصيد. وواحد فقط من كل خمسين تمساحا صغيرا سيتمكن من العيش ليبلغ سن النضج.
طائر صياد السمك الأبقع
مع أفضلية رؤيته الجوية، فإن فرص نجاح الصيد بالنسبة لعقاب السمك تفوق فرص التمساح عشر مرات، بل إن فاعليتها الهجومية تبلغ حدا يجعلها تكتفي بالصيد لمدة عشر دقائق فقط في اليوم.
ولمن يملكون المهارة الكافية للظفر بها، فإن هذه المستنقعات توفر تشكيلة واسعة من الفرائس التي ترضي جميع الأذواق، حيث يأخذ صياد السمك الأبقع الزاوية المناسبة لتنفيذ عميلة صيد مثالية، فهو أكبر الطيور القادرة على التحويم؛ ومن ارتفاع عشرة أمتار يهبط مثل الحجر ليُمسك بفريسته.
وتجلس الطيور المهيمنة في أعلى الأماكن لتحظى بأفضل رؤية، وعندما يكون الحصاد جيدا، فإن بإمكانها التهام ما يصل إلى ربع وزنها من الطعام كل يوم. وبينما يتشاجر أفراد صياد السمك الأبقع على أفضل بقعة للصيد، يسرق طائر الغاق (غراب الماء) السمكة من تحتهم.
“قردة الرُبّاح” فصيل يعيش حول برك مستنقعات “أوكافانغو” ويقتات على بصيلات النباتات ودرناتها
مع تبدد مياه الفيضان في الدلتا، يُجبَر كثير من أفراس النهر على التراجع إلى المنابع الرئيسة التي تُغذّي صحراء كالاهاري.
ومع انحسار مياه الفيضانات في الدلتا، يشرع قطيع هائل من الجواميس في مهمة حاسمة، ففي وقت وفرة الطعام كانت هذه الحيوانات العاشبة تنقسم إلى قطعان أصغر حجما لتلتهم المراعي الوفيرة، لكن مع تغيّر الأحوال، فإن الأعشاب الذابلة تدفعها على طول الممرات المائية الرئيسة بينما تشق طريقها عبر السهول. ولا تتأخر الفيلة عنها كثيرا بسبب خوفها من تقلص موارد الدلتا.
كما تستمر برك المستنقعات الباقية في أوكافانغو في توفير الطعام الكافي لقردة الرُبّاح الذكية، فبينما تقضي زمرة القرود يومها في التنقيب عن البصيلات والدرنات وتدعيمها بحشرات لمزيد من البروتين، يصل بعض المزعجين لإفساد حفلتها في الحديقة، إنهم ذكور قطيع الفيلة الذين يعصف بهم هرمون التستوستيرون، فهي لن تسمح بوجود أحد من حولها.
تبقي الفيلة قردة الرُبّاح على مسافة بعيدة، لكنها لا تتخلى عن بركة الماء، حيث تتجاهل الأم الكبيرة والإناث الأكبر سنا ضجة القردة، وتستمر في تعليم صغارها كيفية البحث السريع في البرك للحصول على أنظف مياه للشرب، إلى جانب إتقان استخدام خراطيمها المزودة بأربعين ألف عضلة، للعثور على أفضل الجذور والبصيلات، وكل ذلك قبل الانتقال للدرس التالي، وهو وضع الكريم الواقي من الشمس، متمثلا في الطين، وربما يكون ذلك أحد أهم الدروس عند بدء موسم الجفاف.
وبعد الانتهاء من تأمين الحماية لجلدها، يحين أوان مواصلة الرحلة، ويتباطأ سيرها -بسبب وجود الصغار- إذ سيستغرق الوصول إلى مصدر مياه يُعتمد عليه قرابة أسبوعين، لكن الأم خبيرة في العثور على الماء على امتداد الطريق.
طائر “اللقلق المُسرّج” يحصل على وجبته من بقيايا أسماك مستنقع أوكافانغو
أدت المياه المنحسرة إلى محاصرة أسماك صغيرة في برك متناثرة، وهذه أخبار جيدة لطيور أبي سُعن التي تصطاد منفردة في ذروة موسم الفيضان.
وبالتعاون فيما بينها تطوق فرائسها البراقة في المياه الضحلة، حيث يسهل الحصول على لقمة. وعملها الجماعي هذا، لا يردع أبدا عقبان السمك الفظة عن محاولة خطف وجبة أبى سُعن مع كل فرصة سانحة.
وقبيل حلول الظلام، تظهر طيور اللقلق المُسرّج، لكن عليها أن تقنع بالمقبلات الخفيفة، فمع انتهاء الوليمة يصبح عدد الأسماك الباقية في البركة أقل من أن يذكر.
“ورل النيل” حيوان زاحف من ذوات الدم البارد يلتهم بيضة “البلشون الذهبي”
الإثارة التي تشهدها المستنقعات أكثر شراسة من أن تحتملها الطيور، فحتى قبل أن يُنهي ضيوف العشاء الأخير طعامهم، يحين وقت الحفلة الثانية، حيث يسعي ورل النيل (وهو حيوان زاحف من ذوات الدم البارد يسمى الغيث) لانتزاع غنائم اللقلق، وبينما يحاول اصطياد فريسته، يتشبث الورل بالحافة المحمية للمستنقع، وهي حيلة لا تنطلي على الطيور، فكلهم يعرفون سبب وجوده هنا، إنه سارق بيض سيئ السمعة.
فبعد أن استنشق الورل عبير العش يتخفى، لتكون بيضة البلشون الذهبي (طائر من طيور الماء والمستنقعات) غنيمة رائعة، لكن البلشون الذهبي يحمي ممتلكاته من هذا السارق، وهكذا يتعين على الورل الاستمرار في البحث.
لا تصمد في المستنقع الجاف سوى تلك القنوات الرئيسة فقط لتزويد الدلتا بالماء، فبعد أن جفت، أصبحت ممرات أفراس النهر تحت الماء متاحة للجميع للتنقل عبر الأراضي العشبية، وتتجمع الحيوانات التي كانت مشتتة في أرجاء أراضي الفيضان غالبا على امتداد هذه القنوات، مما يجعل الحياة أسهل بعض الشيء على الحيوانات المفترسة.
في زمن الجفاف، لا تسمح الفيلة بمشاركة الأرض مع أي من الحيوانات الأخرى
حين يبلغ موسم الجفاف في الدلتا ذروته، يتعين على قطيع الفيلة البحث في مناطق أبعد عن الطعام والماء، وستنقل الأم ذات الخبرة الممتدة لسنوات معرفتها القيّمة إلى كل أنثى في القطيع، فمع اضمحلال الموارد، يصل إحباط القطيع إلى نقطة الغليان، فلم تعد الأفيال راضية بمبدأ المشاركة، وبإمكان الحيوانات بمختلف أنواعها التي تذوقت مرارة هذه التجربة توقع الأوقات الصعبة المقبلة.
وتستغل الفيلة أدمغتها الكبيرة للتنقيب عن الجذور والدرنات ضمن بحثها الأزلي عن الطعام والماء، وستأخذها رحلتها الشاقة إلى الحدود الجنوبية للدلتا على امتداد نهر بوتيتي، لكنها ما تزال على بعد أيام.
يمتد نهر بوتيتي لمسافة 300 كيلومتر، ويمثل نهاية الدلتا وبداية الصحراء، فهو المصدر الوحيد الدائم للمياه عند نهاية أراضي فيضان أوكافانغو.
في موسم الجفاف تتحول البرك التي كانت تهب الحياة في الصحراء القاحلة، إلى مصائد موت موحلة لم تعد تمنح سوى رشفة صغيرة في أجواء يشوبها الحذر الشديد، فهذه البرك قد تأخذ أكثر مما تعطي، وما تجود به الأرض لم يعد كافيا لسد رمق الحيوانات المنهكة.
وبينما يمضي القطيع في طريقه جنوبا مع تضاؤل الأراضي العشبية الرئيسة في موسم الجفاف، تتبع قطعان حمير الوحش والنو (الثَيْتَل الأفريقي، وهو من فصيلة البقريات، يجمع بين رأس وقرني الثور، ووجه البقرة، وذيل وشعر الحصان، ويصدر صوتا يشبه صوت ضفدع ضخم) رائحة آخر البراعم الخضراء، فالصحراء تضع الجميع على قدم المساواة؛ إنهم جميعا في خطر.
تعمل البرك الموحلة على تعطيل حركة هجرة الحيوانات فتصبح فريسة سهلة للأسود
يمضي قطيع حمير الوحش نحو نهر بوتيتي، بينما تسير زمرة الأسود في أعقابهم، وتحتاج الحمر الوحشية إلى البقاء في حالة تأهب دائمة، وتنضم إلى عائلات من نفس أبناء جنسها في نفس المهمة، فأعدادها الكبيرة هي أعظم خط دفاع لها.
ويستغل بقية أفراد الزمرة إلى أقصى حد القطعان التائهة التي يحاصرها موسم الجفاف، وجائزتهم هي حمار وحشي بالغ.
وهنا، تستأثر لبؤة شابة ببقايا الفريسة لنفسها، لكنها رفاهية لن تدوم؛ فرائحة الموت تتطاير لعدة كيلومترات عبر الهواء الجاف، ومع وصول فوج من الطامعين تفر اللبؤة بحصة الأسد.
أما بنات آوى سوداء الظهر فلا تجرؤ على سرقة ما بقي من الفريسة، لكن الضباع ستجرؤ إذا اجتمعت؛ إنها تقتحم الفتات، مع أن كلمة فتات لا توجد في قاموس الضباع، فهي بقوة أفكاكها التي تبلغ سبعين كيلوغراما في السنتيمتر المكعب الواحد قادرة على أن تصنع من أكبر العظام وجبة لها.
النسور وابن آوى يلتفون حول جيفة حمار وحشي نفق بسبب الجفاف
تصل الحمر الوحشية -أو معظمها على الأقل- إلى مرادها؛ حيث تلتقي الدلتا بالصحراء، ففي ثاني أكبر هجرة لحمير الوحش في العالم، يقوم أكثر من 25 ألف حمار وحشي بهذه الرحلة الثانوية التي تمتد إلى 240 كيلومترا إلى الجنوب نحو نهر بوتيتي. وبعد أسابيع من الهجرة من بركة إلى أخرى، تعثر القطعان على ضالتها في النهر المتلألئ.
وبينما يفضّل بعض الحيوانات التمسك ببقايا الدلتا المتآكلة، فإن من استطاع القيام بهذه الرحلة الشاقة يكافأ بالمراعي الغضة والمياه العذبة، لكن بعضها لن يعيش ليستمتع بهذه المكافأة.
فبالنسبة للحيوانات الكبيرة في السن وتلك الضعيفة، فإن عبور النهر حلم بعيد المنال، خاصة مع وجود النسور الأفريقية بيضاء الظهر والعقبان النوبية، وهي إشارة إلى أن هذا المكان ليس الأرض الموعودة للجميع، لذا فإنها تنتظر متحلية بأقصى درجات الصبر.
يمكن للفيل البالغ أن يستهلك ما مقداره 190 لترا من الماء كل يوم
أمضت النسور موسم الجفاف وهي تراقب عمليات الهجرة عبر الصحراء على أمل أن يهلك الحجيج في طريقه إلى النهر، ومع تجمع الفرائس حول مصادر المياه المتلاشية يصبح موسم الجفاف بالنسبة لآكلي الجيف والحيوانات المفترسة موسم خير وفير.
وبعد رحلة دامت أسبوعين عبر الصحراء، وصلت قطعان الفيلة إلى النهر، وقد أطلقت صيحات البهجة بمجرد رؤيته، فقد أصبح بإمكانها إطفاء ظمئها بـ190 لترا من الماء والاستمتاع بوليمة من مختلف النباتات المائية.
وبعد أن ألفت طريق الهجرة هذا طيلة عقود، فإن الذكور الأكبر سنا تدرك تماما ما يجب القيام به، وتستفيد قدر ما تستطيع من عطايا نهر بوتيتي، فقد حان الاسترخاء والاستمتاع بالروح الاجتماعية، وإعادة التأكيد على قوة الروابط فيما بينها.
ففي القيظ الشديد يعد نهر بوتيتي شريان الحياة، لكن لا يمكن الاعتماد عليه دائما، فبدءا من عام 1999 لم تعد مياه الفيضانات تصب فيه، وبات الحفاظ على الحياة البرية مسؤولية البرك الصغيرة، إلا أنه عاد بعد سنوات للتدفق من جديد.
فرس النهر يعيش في مستنقعات أوكافانغو بأعداد وفيرة
ترتاح أفراس النهر في أحضان التيار اللطيف إلى أن يخرجها منه فيضان الدلتا مرة أخرى، وبالنسبة لأولئك الذين تشبثوا ببقايا الصحراء، فإن موتهم يُشكّل لقمة العيش لآكلي الجيف، وفي غياب الضباع يؤول الخيار الأول لابن آوى، وعلى النسور الانتظار والمراقبة بينما يستمتع هو بوجبته.
فحين تسنح الفرصة للطيور فإنها تسارع لاستغلالها، ويمكن لنسر واحد أن يلتهم كيلوغراما من اللحم في ستين ثانية، كما يمكن لسرب كبير تصفية جيفة حمار وحشي في ثلاثين دقيقة فقط، فقد قطع الكثير منها مسافة 150 كيلومترا في يوم واحد ليقوموا بعملهم في التخلص من جيف الموتى وإعادة التوازن إلى النسيج الدقيق لشبكة الحياة.
نهر بوتيتي هو الخيط الذي يربط هذه المشاهد الصحراوية معا من خلال دورة الفصول، وفي أوقات الفيضانات والجفاف.
في مستنقعات أوكافانغو، تنتعش الحياة بهطول الأمطار بعد موسم جفاف شديد
بينما تنتظر الأرض العطشى حلول الطوفان، يهطل المطر ليكسر حدة الحرارة، ويبعث الراحة في عروق الجميع، ومن جديد تنبض الدلتا بالحياة.
الحيوانات التي رابطت في السهول الفيضية خلال موسم الجفاف هي أول المستفيدين من المطر، تلوح علامات الحياة الجديدة في كل مكان، ومن ذهبوا للبحث عن المراعي الأكثر خضرة، حولوا اهتمامهم إلى النسيم العليل، ليبدؤوا رحلة الإياب الطويلة إلى الدلتا استعدادا لعودة الفيضان.
ومن صحراء قاحلة جرداء إلى سهول فيضية شاسعة، تستمر دلتا أوكافانغو في مزاجها المتقلب، حيث تطرح تحدياتها وتهب عطاياها موسما بعد آخر.
الفجر | 04:27 |
الظهر | 11:48 |
العصر | 03:13 |
المغرب | 05:48 |
العشاء | 07:09 |