الجاذبية وهم.. نظرية جديدة في النسبية العامة قد تُغيّر وجه الفيزياء
الجاذبية وهم.. نظرية جديدة في النسبية العامة قد تُغيّر وجه الفيزياء

السبت | 24/12/2016 - 10:27 صباحاً

تستمر المادة المظلمة في إثارة الجدل بين العلماء، وبشكل غير مسبوق في تاريخ الفيزياء الحديثة، ونتيجة لهذا بدأ العلماء يُقدمون حلولًا جديدة لمسألة المادة المظلمة.

يركز أكثر العلماء في نظرياتهم على محاولة حصر طبيعة هذه المادة وخواصها، في حين يقترح آخرون تعديل الجاذبية نفسها من أجل حساب هذا التأثير الخاص بالمادة المظلمة. لكن وسط كل هذا الشد والجذب والنظريات التي لا تتوقف، كان هناك اقتراح ثالث، هو ببساطة إزالة الجاذبية نفسها من المعادلة.

ورقة بحثية جديدة وثورية اقترحت هذا التساؤل البسيط: «ماذا إذا كان تأثير الجاذبية ليست بسبب بعض القوى الأساسية، ولكنه -بدلًا من ذلك- تأثير طارئ بسبب قوى أساسية أخرى؟ وإذا كان ذلك صحيحًا فإنه يمكننا أيضًا شرح الآثار المتعلقة بالمادة المظلمة».

الجاذبية الناشئة أو الطارئة

هناك قوى أربعة رئيسية تمثل جزءًا أساسيًّا من النموذج القياسي للفيزياء، وهو النموذج الذي يشرح كل السلوك والجزيئات التي نراها في الكون. وبدءًا من القوى الأصغر للأكبر، تأتي قوة الجاذبية، وهي المسؤولة عن عقد الكواكب معًا، والقوة الكهرومغناطيسية هي المسؤولة عن حفظ الجزيئات معًا، ثم القوتان النووية الصغرى والكبرى المسؤولتان عن الذرة وما دونها.

كل ذرة من ذرات هذا الكون اللامتناهي تتعرض لتأثير هذه القوى الأربعة المسيطرة، وهذه القوى الأربعة هي السبب الرئيسي وراء وجودنا، وبقاء الكون بصورته الحالية، ولو انعدمت إحداها لفني هذا الكون في لحظات.

قوة الجاذبية هي القوة الوحيدة من القوى الأربعة التي يمكننا الشعور بها. فعلى  سطح الأرض يشعر كل منا بتأثير هذه القوة نتيجة جذب الأرض لأجسادنا، وعدم قدرتنا على القفز إلا لبضعة سنتيمترات فقط فوق سطح الأرض، وهذه تسمى الجاذبية الأرضية، وهي أحد أنواع قوى الجاذبية. كل جرم من الأجرام السماوية، بل إن كل جسم وكائن يؤثر بقوة جاذبية في الأجسام المحيطة به، ويتأثر هو أيضًا بقوى الجاذبية الخاصة بالأجسام من حوله.

لكن فكرة الجاذبية الناشئة أو الطارئة ليست فكرة جديدة تمامًا. فقد ظهر أبرز أشكال الجدال حولها في عام 2010، حين قال إريك فيرلندا إن الجاذبية ليست قوة أساسية، بل هي التأثير الذي ينشأ عن إنتروبيات الكون. والإنتروبيا هي خاصية للديناميكا الحرارية، ويقصد بها أن العشوائية الخاصة بحركة الجزيئات دائمًا ما تزداد، وغالبًا ما توصف بأنها الجزء غير المعتاد للنظام الفيزيائي (أو الحرارة الضائعة أو المفقودة إذا صح التعبير).

ورغم أن الوصف السابق في بعض الأحيان هو وصف مفيد، فإن هناك وصف أفضل ينطوي على قدر من المعلومات الواردة في هذا النظام. فالنظام المنظم غير العشوائي، كوجود قطع من الرخام المتباعدة بشكل متساوٍ في شبكة معينة على سبيل المثال، يكون من السهل وصفه، وذلك لأن الأشياء والأجسام الموجودة به لديها علاقات بسيطة ببعضها البعض.

من ناحية أخرى، ففي النظام العشوائي (قطع رخام منتشرة عشوائيًّا)، نحن بحاجة إلى مزيد من المعلومات لوصفه، بسبب عدم وجود نمط بسيط للأشياء المكونة له. من هنا يمكننا أن نقول إنه كلما زادت كمية المعلومات اللازمة لوصف نظام فيزيائي ما، كان هذا النظام أكثر إنتروبية.

واستخدم نموذج فيرلندا هذه الرابطة بين الديناميكا الحرارية (الحرارة والطاقة والقوى) والمعلومات من خلال وسيلة رياضية معروفة باسم مبدأ الهولوجراف (الثلاثي الأبعاد). ولأن المعلومات الواردة في منطقة من الفضاء تعتمد على ترتيب الأشياء داخل تلك المنطقة، فإن تحريك الأشياء يمكن أن يغير من الإنتروبية في هذه المنطقة. وأوضح فيرلندا أن هذا التغيير يؤدي إلى إنتاج قوة إنتروبية (قوة تدهور حتمي) تتصرف مثل الجاذبية. ومن الفكرة الأساسية الخاصة بمعلومات الإنتروبيا هذه، يمكن للمرء اشتقاق معادلات أينشتاين الواردة في النسبية العامة بالضبط.

جاذبية التدهور الحتمي

جاذبية التدهور الحتمي هي فكرة مثيرة للاهتمام، والتي من شأنها أن تفسر لماذا يصعب للغاية جلب الجاذبية إلى حظيرة فيزياء الكم. فواحدة من أهم المسائل العلمية المستعصية على علماء الفيزياء تكمن في فكرة توحيد القوى الأربعة الأساسية للكون: قوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الكبرى، والقوة النووية الصغرى.

حتى نهاية فترة العشرينات من القرن الماضي، كانت النظرية النسبية العامة لأينشتاين قد انتشرت انتشارًا واسعًا، بعد أن قدمت تفسيرًا مقبولًا لدى العلماء في فهم ما يحدث على مستوى الكون الكبير، أو الفضاء الخارجي، بعدما تمكنت من وصف كيفية تحكم قوة الجاذبية في حركة الأجرام السماوية.

في بداية الثلاثينات من القرن العشرين، بدأت ميكانيكا الكم تشتغل على الكون الصغير، أو على المستوى الذري لتفك أسرار الذرة ومكوناتها. تمكنت هذه النظرية بشكل ممتاز من تقديم وصف دقيق لعمل كل القوى الطبيعية في العالم متناهي الصغر، أو العالم المجهري عدا الجاذبية. وفي الوقت الذي قدمت فيه النظرية النسبية تفسيرًا لكيفية عمل الجاذبية بالنسبة للأجرام السماوية، لم تتمكن ميكانيكا الكم من تقديم فهم ملائم لكيفية عمل الجاذبية على مستوى الذرات والجزيئات الأصغر من الذرة. ولعشرات السنين باءت كل محاولات وصف الجاذبية، بنفس طريقة القوى الأخرى بلغة الكم، بالفشل.

من هنا فإن كلا النظريتين تتكاملان، كلّ على حدة، لكن الجمع بينهما يؤدي إلى نتائج توصف بالكارثية في فهم الكون من أصغر الأجزاء إلى أكبرها، لأنه عند الجمع بين النظريتين فإنهما تتنافيان بحيث لا بد أن تكون واحدة منهما فقط على صواب. والفكرة من محاولة جمع النظريتين من الأساس ترجع إلى التخيل بأنك تعيش في مدينة ما يسودها نظامان مختلفان من أنظمة المرور، فما الذي يمكن أن يحدث؟

وبالعودة إلى نظرية جاذبية التدهور الحتمي، فإنها لا تخلو من مشاكل أيضًا. إحدى هذه المشكلات على سبيل المثال، أن قدرة جاذبية التدهور الحتمي على توقع نفس سلوك الجاذبية كما في النظرية النسبية العامة بالضبط، وهذا معناه أنه لا توجد طريقة تجريبية لتمييزها كنظرية مستقلة بشكل أفضل. هناك أيضًا مشاكل نظرية تتعلق بالنموذج.

ولكن على الرغم من مشاكلها، فإن هذه الفكرة على الأقل جديرة بالاستكشاف، ويضيف هذا العمل الحديث تطورًا جديدًا من خلال وصف آثار المادة المظلمة. في الصيغة الأصلية، ركز النموذج على الجاذبية القياسية. على وجه التحديد، فإنه قام باستبعاد الطاقة المظلمة.

وتشير هذه الورقة الجديدة إلى أنه في حين أن الطاقة المظلمة لمنطقة معينة من الفضاء تتطلب معلومات إضافية لوصفها، فإن هذا يشمل نموذج تغيير الإنتروبيا لهذه المنطقة من الفضاء. وتمضي الورقة البحثية بعد ذلك لتظهر لنا كيف تخلق هذه المعلومات قوة تدهور حتمي إضافية، هذه القوة الإضافية قد تفسر تأثيرات المادة المظلمة المشابهة لنماذج أخرى للجاذبية المعدلة، مثل الديناميات النيوتونية المعدلة. وهكذا فإن الجاذبية، والمادة المظلمة، والطاقة المظلمة قد تكون كلها متصلة من خلال الكون.

كيف اكتُشِفت المادة المظلمة؟

لم تُكتشف بعد، فالاكتشاف يحتاج إلى دليل مادي مباشر على وجودها، وهو ما لم يتوصل إليه العلماء بعد. فالمادة المظلمة هي أحد أنواع المواد التي افترض العلماء وجودها، والتي لا يمكن رؤيتها عبر التليسكوبات، لكن يتم الاستدلال على وجودها من خلال الآثار الجانبة التي تطرأ على المواد المرئية، والإشعاعات، وعلى بنية الكون الواسعة بشكل عام. كل هذه الآثار جعلت العلماء متيقنين من وجود هذه المادة في جميع أنحاء الفضاء.

علماء الفيزياء الفلكية افترضوا وجود هذه المادة نتيجة وجود تعارض بين كتلة الأجسام الكبرى في الفضاء التي يتم حسابها باستخدام تأثيرات جاذبيتها، وبين كتلة المادة التي يتم حسابها عبر المواد المحسوسة، مثل النجوم والغاز والغبار التي تحتويها الأجرام الكبرى.

دراسة العلماء للتأثيرات الجاذبية لهذه الأجرام جعلتهم يتوقعون أن تكون كتل هذه المواد المرئية أكثر مما هي عليه بعد قياساتهم، بمعنى آخر فإن الكتلة الحقيقية للأجرام السماوية عند قياسها بما فيها من مواد يكون أقل من الكتلة المفترض أن تكون عليها هذه الأجرام نتيجة قوة جاذبيتها.

وبالعودة إلى النظرية النسبية العامة لأينشتاين، التي أوضحت أن الجاذبية تنشأ من حدوث تشوه في الزمان والمكان حول الجسم، هذا التشوه يزداد كلما زادت كتلة الجسم، وبالتالي تزداد جاذبيته.

افترض وجود هذه المادة العالم الهولندي جان أورت لأول مرة عام 1932، لكن دون أدلة كافية على وجودها في ذلك الوقت. هذا الافتراض جاء من خلال عمليات حساب السرعات المدارية للنجوم في مجرة درب التبانة. العالم السويسري فريتز سفيسكي، كان أول من أطلق عليها اسم المادة المظلمة، وذلك عام 1933.

اكتشفت أدلة أكثر قوة على وجود هذه المادة من خلال منحنيات دوران المجرة (تمثل الرسوم البيانية بين مقدار سرعة مدارات النجوم وبين المسافة القطرية بين النجم ومركز المجرة) وذلك عام 1939، لكنها لم تنسب للمادة المظلمة في ذلك الوقت. وفي فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تم ربط هذه المنحنيات بوجود المادة المظلمة. بعد ذلك ظهر الكثير من الأدلة على وجود هذه المادة، مثل توزيع درجات حرارة الغازات الحارة في المجرات والتجمعات الكونية.

المصدر: ساسة بوست



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:28
الظهر 12:37
العصر 04:17
المغرب 07:17
العشاء 08:46