تحقيق الصحفي: عدي الخياط

" ما بعرف رح يرجع ولا لأ, اشتقتله كثير" بصوت متشحرج ، وأنفاس طفوليةٍ مضطربه تحدثت ابنة المغدور عماد جوابرة. فتهاجم بكلماتها العفوية البسيطة كل ما تبقى فيك من مشاعر انسانية . هذه الطفلة حالها كحال الكثيرين من عائلة جوابرة .

وكأن الغراب بكل ما يعنيه من شؤم حط رحاله في هذا البيت ،لكنه جاء هذه المرة في قصة اخرى ,لا ليعلم قابيل كيف يورى جثة هابيل بل ليكون شاهداً على قصة امتلأت بالتناقضات والخفاء وكل ما تشابه بيين القصتين  هي الاخوة والغراب لا اكثر.

"بحكو انهم قتلوه حتى يبيعوا اعضائه, قتلوه وحطو ببطنه نقود , ناقلين بجثته مخدرات" شائعات دبت بين اهالي القرية, ثم انطقلت الى كل انحاء الوطن, واستمرت بالتعاظم الى ان وُجدت الضحية , وبدل ان تُخرس كل ذلك, اثارت اخرى غيرها اشد عنفواناً وخطراً.

عماد جوابرة أب لثلاثة اطفال عاش وترعرع في قرية عصيرة الشمالية التابعة لمحافظة نابلس. فُقد في ظروف غامضة لما يزيد عن خمسة اشهر في بداية عام 2013, وبعد ان وجدت جثته في منطقة وادي الباذان في غموض اكبر من فقدانه وأتهم اخوه بقتله.

الام اكثر من ثكلى فهي تترنح تارة بين البكاء على عماد وفقدانه, واخرى على فجيعتها بأخيه سامر وسجنه. لم تبقي مجالا لاي سؤال "عمرهم ما تقاتلوا ولا تزاعلوا حتى , والله كان لاذبحو قبل لا يقتل اخوه"، بهذه الكلمات استبقت كل الاسئلة وكانت هذه العبارة اشبه بتحية السلام والوداع الى كل زوارها. وتصف تصريحات الشرطة بانها ضرب من الخيال وان سامر لا يمكن ان يقتل عماد فهم اكثر من اخوة على حد تعبيرها. اما جل ما يمكنها ان تفعله لاقناع الجميع ببراءة سامر, فلا تجد سوى الايمان المعظمة, لتنجد ما ابقاه لها الزمن من روح الامومة المكلومة.

زوجة سامر "ام محمد"هي الاخرى  لا تجد اشياءا  كثيرة لتقولها, فالبكاء حفر عميقا ليس على وجهها فقط بل وفي بقايا الكلمات التي ذرفتها دفاعا عن سامر "اقسم بالله انه بخاف يطلع خارج البيت بالليل ولما كان يضطر يلف ورا الدار كنت اروح معو او اوقفله على الشباك، فكيف له أن يقتل أخيه.

وتكمل الحديث بالقول ان رجل سامر كانت مصابة بكسر نتيجة التعرض لكدمة من الحصان اثناء الحراثة في الفترة التي اختفا فيها اخوه, وتشدد على انه لم يغادر البيت لايام عدة وان الاولاد والاهل وزملاء العمل شاهدون على هذه الحادثة.

وتضيف " عندما زرته بالسجن بكي وحلف انه ما قتل عماد وليس له علاقة وانه اعترف من  شدة الخوف، وتختم كل ما تبقى فيها من الم الكلمات, وبحروف منهكة متهدلة  وهي تقول "سامر بريئ من دم عماد براءة الذيب من دم يوسف".

ويؤكد زميل عمل سامر "عماد صوالحة" ما قالته عائلة جوابرة بان سامر تعرض الى اصابة اثناء الحراثة وكان هو شاهد على ذلك. ويستمر انه ضعيف ولا يمكنه ان يقتل, مستدلا بذلك بسيل من الامثلة الحية التي عايشها مع سامر, اثناء عمله.

وما يزيد الطين بلة ويزيد الأمر تعقيداً  هو رواية الشرطة  على الطرف الاخر بما لديها من براهين وادلة تثبت ان سامر اعتدى على اخيه عماد بالضرب بعصا, وقتله ثم نقله الى وادي الباذان ليبعد التهمة عنه, معتقداً ان ابعاد الجثة سيبعد عنه التهمة , على حد وصف العميد عبد الجبار برقان من شرطة نابلس.

ويؤكد برقان القتل كان على خلافات مادية بين الاخوة في حين كانت قد اكدت أم المغدور ان اولادها لم يكن بينهم اي خلاف مادية او غير مادية.

دوامة من الاراء والتعليقات المتشابكة, فسامر بين اهله وقريته بريء وهنالك الكثير من الادلة لتثبت ذلك. اما لدى الشرطة فهو مجرم بسابق الاصرار والترصد ويستحق السجن, فهذا ما اوصلت اليه التحقيقات لديهم الى الان وهذا ما اكده سامر باعترافه على حد تعبيرهم.

المحامي اسامة ياسين يبرز دور القانون موضحا ان اي جريمة في المجتمع تمر بثلاث مراحل والتي يكون نهايتها المحاكمة وتوجيه التهمة امام المحكمة, اما افشاء كواليس التحقيق فهو جريمة يعاقب عليها القانون. ويعتبر ان الاستباق والاعلان عن نتائج التحقيق واستباق الاتهام لاي شخص هو جريمة بحسب المادة 59 من قانون الاجراءات الجزائية.

قُتل عماد  وسجن سامر . اما الحقيقة فما زالت تدور بين ممرات التحقيق في السجن, والبيت الذي ما يزال يفتش في حناياه عن اي تفصيل يمكنه ان ينجي ليس فقط سامر,  بل والعائلة وربما القرية باكملها من شلال الاسئلة والغموض.

او  لعله علينا ان ننتظر عماد الى يوم يبعثون ,لتكون عدالة السماء هي المفصل بين الاخوين بعد ان عجز عن ذلك الى اهذه اللحظة, ما بقي من عدالة الارض.

ويبقى لغز عماد يحتاج الى إجابة