الجار مستوطنة، وجدار فصلٍ، وحاجزٌ عسكري .. قرية النبي صموئيل حكاية صمود، وتطبيع، ومباغتاتٍ اسرائيلية
الجار مستوطنة، وجدار فصلٍ، وحاجزٌ عسكري .. قرية النبي صموئيل حكاية صمود، وتطبيع، ومباغتاتٍ اسرائيلية

الثلاثاء | 08/04/2014 - 02:12 مساءً

 تحقيق صحفي : ولاء خضير  - فرح كيلاني

كنا في تمام الساعة السابعة صباحاٌ حينما عزمنا الإنطلاق من نابلس، لنصل قرية النبي صموئيل في شمال غرب القدس، وما ان تميل بنا العربة، حتى تميل معها أفكارنا المبعثرة، كنا طوال الطريق نرسم ملامح تلك القرية التي سمعنا مطولا عن تعاسة أوضاعها، وطالما وصِفت القرية بصفات عدة أهمها "انها تضيق شيئا فشيئا"، "يخنقها المستوطنون من كل حدب وصوب"، "تلك القرية التي بنى بها صلاح الدين الأيوبي مسجدا"، "محاولات مستميتة لتهويد وطمس معالمها"، وما أن لمحناها ببصرنا حتى تنهدنا مطولاً، انها هناك جالسة على رأس الجبل، كملكة توسدت بين السحاب.

     كان قد طلب منا الجانب الإسرائيلي منذ ما يقارب الأسبوعان الاسماء الكاملة والهويات، للتنسيق مع مكتب الإرتباط الإسرائيلي، ومحاولة دخول قرية النبي صموئل وزيارتها، بعد ذلك تم الرد بإمكانية زيارة القرية تحت حجة "زيارة الإقارب"،  يقع قبل مدخل القرية نقطة تفتيش لا تختلف عن أي حاجز أخر صارم .

ذهبنا برفقة 7 أشخاص، وقام جنود الإحتلال بتوقيفنا، وطُلبت الهويات، وكان أحد الأشخاص برفقتنا بحوزته هوية ليست ملكه، كونه ممنوع قانونيا من دخول القرية، بادرنا شعور بالخوف حيينها، ولكن ما ان سمح  الجنود لنا بالدخول بعد اجراءات مشددة، حتى تنهدنا قليلا ثم استكملنا الطريق،  يسئلونك عن الهويات، عن التصاريح، يسئلونك عن كل بحوزتك،  من اجهزة محمول او كاميرات، حتى تشعر بأنك كائن غريب جئت لتستعمر منطقتهم، وهي بالأصل لك، وأهلك بها .

الشارع الرئيسي الوريد الوحيد للقرية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

موقع القرية

   أذهلنا موقع القرية، كونها تقع على قمة جبل كصرح شامخ عزه كبريائه رغم كبره وعجزه، كذلك نظام الشوارع التي مررنا بها حتى نصل القرية، فهي معدة بمواصفات اسرائيلية مثالية، كأنهم مدركون ان هذه الطرق ستصبح بالقريب العاجل طريقا اسرائيلية، إضافة الى اللافتات المترامية على أطراف الشوارع، وكتب عليها باللغة العبرية كأنها ملك اسرائيلي بحت.

صورة قديمة تعود للقرن العشرين في القرية

 وصلنا مشارف القرية، مدخل ترابي ضيق، هو الوريد الوحيد للقرية، شارع وعر، مستوطنون كثر مبعثرون على جوانب مدخل القرية وأرجائها، وعلى جوانب المدخل منازل للسكان العرب  غير مؤهلة للسكن، حتى ان كثيرا من السكان أكدوا لنا ان اسطبلا للخيل في احدى المستوطنات المحاذية أفضل من بيتهم، سرنا في الطريق حتى وصلنا الى مجموعة من الأطفال يلهون، ووجدنا بينهم أطفالا من أبناء المستوطنين، باشرنا بالحديث معهم، كان أحد الفتية المستوطنين، وما أن لمحنا حتى اقترب بكل جرأة وبقليل من السذاجة اخبرنا"  نحن دائما نسعى ونريد السلام، ولا شيء غيره".

 

   اقتربنا من بيت أحد سكان القرية، ووقفنا على الباب، وكنا على استعداد لطرقه، ليفتح لنا أحدهم ونسئله عن اوضاع القرية، لا سيما ان هذا البيت محاذٍ وقريب جدا من مدخل القرية، غير ان احدا ممن كانوا معنا منعنا من ذلك، وحين أدرنا وجهنا له وسئلناه لماذا تفعل ذلك، قال" لا يغركم صمود وإرادة اهل القرية، فبوجود الكثيرين من الوطنيين ، هناك بالمقابل الكثير من العملاء، والمتأسرلين، وسماسرة لليهود، القرية تفرق بينهم جيدا، وهنا هذا البيت محرم علينا حتى الأقتراب منه، فلنبتعد من هنا بصمت"، وابتعدنا وبنا نظرات غرابة لم تفارقنا حتى اللحظة.

 

مناصرة سلام وتطبيع

  أدركنا ان الأطفال هناك يتم  تلقينهم ليكونوا مناصري السلام بالدرجة الأولى، وما ان يستدرجوا ما يشاؤون من السكان، حتى تتفرغ الساحة لهم ويسهل عليهم طرد سكانها العرب، الذين للأسف بدى كثير منهم على اشد الاتفاق، والتعاون مع المستوطنين،  والملفت  حين توجهنا لتصوير إحدى خيام البدو القريبة، التي تعج بقطيع الغنم، استقبلنا الراعي بصراخ عارم في وجوهنا، لنتوقف عن التصوير حالاٌ، في حين تواجد بين القطيع مستوطن يحيطون به أطفاله، يقوم بإلتقاط الصور، من أي زاوية يشاء، ولم يمنعه  ذلك الراعي، كأنه صديق مقرب له، ونحن أعداؤه.

وبهذا الصدد تحدثنا مع محمد اكرم مواطن يقيم في قرية الجديرة المحاذية للنبي صموئيل، سبق وان زار القرية، ويعلم خبايا هذه القرية بحكم قربه منها، وعمله على مناصرة قضيتها في مؤسسات رام الله" للاسف ان كثيراً من القرى المستهدفة ، حين تصبح تجمعا للمستوطنين، تأخذ المنحنى السلمي، فعلاقة التعايش السلمي تكون حاضرة بشكل قوي، ومن يزور القرية يرى بشكل واضح للعيان ان العلاقة التي تتميز هناك هي علاقة جيدة، ويبدو ان اهالي القرية لا حول ولا قوة لهم الا التعايش السلمي، ومع ان الاحتلال لا يألوا جهدا لتهجير اهالي القرية، الا انهم وجدوا سبلا أخرى يقتربون بها الى مبغاهم الا وهي التطبيع، كما ترك الاحتلال المجال لمن يحملون الهويات الزرقاء الذهاب الى المستوطنات القريبة والتسوق من هناك".

       وبخصوص إمكانية دخول القرية، يتحدث أكرم عن أحد المواقف التي حصلت معه " تلقيت دعوة لحفل زفاف أحد الاصدقاء هناك، فعندما ذهبت ملبياً الدعوة منعت من الدخول، حينها بادرت بالاتصال الى الاصدقاء في القرية اسرد لهم ما يحدث معنا ، ولكن الغريب بالأمر وما دُهشت من أجله أنهم قالوا لي إن الاحتلال يمنع دخول اي شخص لا يحمل الهوية الزرقاء إلا بالتنسيق المسبق، وقد أخبروني بأنهم فعلوا ما يجب من أجل التنسيق وحضور عدد من الاصدقاء ، إنتظرنا وقت طويل من أجل الدخول هناك، ومرت الساعات وكأنها أيام ننتظر بلهفة من اجل المشاركة في حفل زفاف صديقنا الذي لطالما انتظرناه ، إلا أن مزاجية هؤلاء الجنود الموجودين هناك قد منعونا من الدخول والمشاركة وحرمونا وحرموا هذا الشاب من المشاركة ".

وكون القرية يفصلها الجدار، فإن إمكانية البناء بها غير ممكنة إطلاقا لأهالي البلد، ويكون تنقل السكان وحركاتهم مرهونة بمزاجية الجندي الاسرائيلي ،"و بسبب عدم وجود مساحات للسكن في البيوت العربية في القرية، فمن يريد الزواج عليه اما السكن مع أهله في نفس الغرفة، او عليه الرحيل الى القرى المجاورة والاستئجار هناك ومنها الجيب ، بيرنبالا ، الجديرة، وهذه احدى اقوى محاولات التهجير التي يمارسها الاحتلال"  .

المقام يتجزأ لليهود

 

 

      بعد خيبة الأمل تلك التي أفجعتنا بعد لقاء الراعي، توجهنا لزيارة مقام النبي صموئيل، او ما يسمنونه الجانب الإسرائيلي بالمزار، تمالكنا انفسنا حين أيقنا انه تم تجزئته، ليأخذ المواطنون الفلسطينون في القرية جزءا يكون لهم مسجدا ، وما تبقى نسب الى الصهاينة ، يتوافدون اليه كمقامٍ دينيٍ اسرائيليٍ ينسب اليهم ولأجدادهم على حد تعبيرهم،  إضافة الى أن كل ما يحيط بالمقام من ساحات واثار، عملوا جاهدين لنسبه لهم.

      قديمة قصه قرية النبي صموئيل ترويها بقايا قلعة يعود اول بناء لها الى عهد الصليبيين، حين حولها صلاح الدين الايوبي الى مسجد للمسلمين، وبقي كذلك الى عام 1967، حيث حولت اسرائيل جزءا منه الي مزار يهودي ، ويتحدث نائب المجلس القروي في قرية النبي صموئيل محمد بركات عن المقام ” القبر موجود، وقبل 67 تم اغلاقه، ومنع أي احد بالدخول اليه بفتوى اسلامية لأن القبر لم يعرف أي موجود بالتحديد ، وبعد ذلك فتح المدخل الواصل بدرج داخلي ،ولكنه بات ليهود غرباء، يدّعون ملكيته ويصلون فيه ".

ولم تنتهِ الحكاية ، فالسكان الفلسطينيون كانوا على موعدا ايضا مع الاحتلال الاسرائيلي في مخاذلات جديدة، ويكمل بركات" ففي اوائل السبعينات قامت جرافات العدو الاسرائيلي بتحويل العشرات من البيوت القريبة من المسجد الى اثربعد غمضة عين، وحديثا تم تحويل المقام لحديقة وطنية أثرية تابعة للكيان الصهيوني".

وما أن غاردنا المقام حتى التقينا بالحاجة شكرية التي تجاوز عمرها ال8 عقود، وترفض كل محاولة لاقتلاعها من قريتها وارضها وتحدثتنا بملامحها المتعرجة حاملة شاكوشا بيدها ” كل واحد بنالوا مطبخ غرفة اجوا هدوها، ما بنقدر نعمر ونحط طوبة،  وكيف عايشين! شو بدي اقول، شغل ما فيش، والي بتحرك بحبسوا زي شربة المي، حطونا بقفص لا بنقدر نروح ولا نيجي . “

غرفة للتدريس

 

توجهنا بعدها لزيارة المدرسة الوحيدة في القرية، بل إن صح التعبير الغرفة الوحيدة، حيث يتعلم به عدة مراحل وفي نفس الصف، الغرفة مقسمة الى ثلاث صفوف، القاعة الأولى لتدريس الطلبة بالصف الأول والثاني، والباقي لتدريس الصف الثالث، والرابع، وتشمل مدير المدرسة، واستاذ واحد ومعلمة ، وما ان ينهى الطالب مرحلته الأساسية، حتى يجبر على الذهاب للدراسة في القرى المجاورة، ونسبة قليلة من السكان من التحقوا بسير التعليم.

   وبذلك تحدثنا مع خليل ابو عرقوب مدير المدرسة" لم يكن وضع المدرسة أفضل حالاً، بعدما وصل الامر الى منع السكان باصلاح شوارعهم المتهالكة، لا تحظى المدرسة الا بغرفة تدريس واحده لثلاثة صفوف، حاولنا الكثير بأن نتوسع، لكن الإحتلال بإستمرار يرفض، والدليل على ذلك لم نأت سوى بخيمة لنضع فيها بعض الطلاب لتدرسيهم ومع ذلك هددونا بهدمها،  لا يوجد في هذا العالم بلدة فيها سور وتشميع سوى قريتنا النبي صموئيل".

ويكمل ابو عرقوب" اصدر مؤخراً قرار فيما يتعلق بالغرفة المدرسية الوحيدة في النبي صموئيل، وذلك بإزالة – مرحاض- المدرسة، بذريعة انه أقيم حديثاً، وبدون رخصة بناء، ليس مهماً لدى سلطات الاحتلال أن تكون ' المدرسة' بدون منافع – مرحاض- ولسنوات طويلة، بل المهم لدى الاحتلال أن المرحاض أقيم بعد عشرات السنين من الاحتلال بدون ترخيص".

  تعيش القرية في معزل عسكري تحت وطأة التطهير العرقي، والتهويد للقرية، ومنع بناء ولو غرفة مرحاض 1×1 متر سواء للبيت أو للمدرسة، وتنعدم فرص الدخل كل ذلك من أجل الترانسفير ' الذاتي'،  وتتعرض قرية النبي صموئيل إلى مجزرة تهجير مروعة، تتم وتستمر وسط النهار، لكن التعتيم والطمس لمحو أي اثر للقرية جارٍ بدون توقف.

ارادة البقاء ماثلة

اهالي القرية يدركون انه كل هذه الاجراءات ما هي الا مخطط اسرائيل خبيث، في تهويد قرية النبي صموئيل وتصوير اراضيها على انها يهودية، وارضي متنازع عليها، يواحهون  ابشع طرق التهجير المبرمج، والحصار، ويصرون على البقاء على ارضهم ،ولا يملكون الا ارادة  البقاء والصمود.

   وما لبثنا الى ان توجهنا الى رئيس المجلس القروي لقرية النبي صموئيل حسني بركات، يتحدث عن أوضاع القرية "  يقدرعدد سكان القرية 250 نسمة، وباقي سكان القرية، يقيمون في قرى مجاورة بسبب عدم سماح الاحتلال لهم في البناء، يعمل اغلبية سكان اهل القرية ( عمالا ) خارج القرية، لعدم توفر فرص العمل فيها، ومن حيث الزراعة، هي عبارة عن منطقة جبلية زراعيه تشتهر باللوزيات واشجار الزيتون ، وقليل منهم يزرعون الحمضيات".

ويصف لنا علاقة اهالي البلدة "يوجد في القرية 3 عائلات تقوم بينهم علاقة ود واحترام، اما بخصوص علاقة اهل القرية مع المستوطنين، فإن سكان القرية يتعرضون لعدة مضايقات من المستوطنين، حيث قام احد المستوطنين قبل عدة ايام برفع السلاح على سكان القرية، وايضا في اعيادهم يتعرضوا سكان القرية لمضايقات عديدة منها، الحد من حرية الحركة، وعمل بعض الطقوس التي تضايق سكان القرية، ومن ضمن الاجراءات المشددة ايضا يمنع دخول المواد الغذائيه الا بتنسيق ".

ويكمل بركات حديثه عن الخطة التي يسعها الاحتلال الى تحصيلها" اعتبار القرية حديقة قومية يمنع البناء فيها، مما يؤدي الى اجبار سكان القريه للخروج منها، من اجل السكن والعمل، بالإضافة  الى ادعائهم بوجود ضريح النبي صموئيل لزيادة حشد المستوطنين اليها، وطرد سكانها، لم يكتفي الاحتلال في خنق وحصار القرية وعدم اتاحة فرص العمل فيها، فقام ايضا باجراء تعسفي لكل مواطن يتواجد داخل اسرائيل للبحث عن العمل بفرض غرامة مالية او السجن".

ابراج مسرطنة

 

ابراج الاتصالات الاسرائلية التي تسبب انتشار الامراض في قرية النبي صموئيل

لم نبعد كثيرا عن مقر المجلس حتى ق



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:27
الظهر 12:37
العصر 04:17
المغرب 07:18
العشاء 08:47