دخانٌ لطابون خبزٍ.. يحرك دعوة قضائية ضد مالكه في فلسطين

السبت | 12/04/2014 - 04:14 مساءً

تقرير : الصحفي رأفت دراوشة

 

قال تعالى " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب" هذه الآية من سورة البقرة، هي أول ما وقعت عيني عليه عندما فتحت كتاب الله عز وجل، والموضوع على أحد الرفوف القليلة المصفوفة في داخل مكتبة خربة أم الخير الفريدة من نوعها ولربما لا مثيل لها بكل العالم.
خربة أم الخير والواقعة إلى الشرق من يطا، جنوبي الخليل، يسكنها (150) نسمة، وهي المحاذية لمستوطنة كرمائيل لا يفصلها عن خيم الخربة سوى سلك شائك تستطيع من خلاله أن تميز حجم النعيم ورغد العيش الذي يتمتع به سكان المستوطنة، في مقابل المعاناة اليومية التي يعيشها سكان الخربة العرب.


بعيداً عن تعقيدات الحياة اليومية، خصص شباب الخربة جانباً أدبياً لهم، ليستوقفك هيكل معدني قديم لسيارة كانت تستخدم لنقل البضائع، لا عجلات لها ولا ألوان زاهية تكسوها، ولا شبابيك، مركونة على قطعة أرض لم يتغير عليها شيءٌ منذ زمن، محاطة بسلك شائك، ويعلوها هياكل معدنية حديدية لسلم لم يعد صالحاً للاستعمال.
عند رؤيتك لها تتأكد بأن لا شيء بها يبعث على الحياة، ولكنك عندما تنتقل لداخلها تتفاجئ لما تراه عيناك، فبداخلها رفوف مكتبية موضوع فوقها مئات الكتب العلمية والصحية والنفسية والدينية والثقافية، ومكتب يستخدمه من أراد أن يقرأ كتاب ما داخل المكتبة، وضع عليه جهاز حاسوب ومكبرات للصوت.


هذه المكتبة التي يقول أحد مؤسسيها من أبناء الخربة "أنها تضم المئات من الكتب والقصص والروايات، وتهدف إلى خدمة أبناء الخربة وأبناء التجمعات البدوية المجاورة لهم، لما للقراءة من أهمية في زيادة المعرفة والوعي لديهم، مشيراً إلى أن الفكرة جاءت من خلال النادي الشبابي في الخربة والذي بالرغم من محدوديات الإمكانات إلى أنه يحاول باستمرار إفادة أبناء الخربة من خلال مساهمتهم في تعليم الصغار، والترفيه عنهم، إضافة إلى عنايتهم بالماشية وزراعتهم لبعض الأشجار".


عدد من أبناء الخربة يحملون شهادات جامعية في العديد من التخصصات، إلا أنهم لم يحصلوا على فرصة عمل إلى الآن، وبالرغم من كل ذلك يتضح لك جلياً وأنت تتجول داخل الخربة شعارٌ عرفناه منذ الصغر، وقد خط على أحد البيوت القديمة التي بقيت صامدة لغاية يومنا هذا ولم تستطع العوامل الجوية أن تؤثر به مع مرور الزمن ألا وهو "العلم نور"، مما يدل على تمسك أهالي الخربة بالعلم، مع اضطرار أبنائهم للسير على أرجلهم مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة في إحدى المناطق المجاورة لهم.

 

طابون الخربة الشهير

في الخربة، قصة فريدة من نوعها لا تجد لها مثيلاً بالعالم، دخان لطابون خبز أثري يتسبب في رفع دعوة قضائية في المحاكم الإسرائيلية من أحد سكان مستوطنة كرمائيل ضد مالك الطابون مطالبين بتعويضات مالية كبيرة.


يقول أحد سكان الخربة "إن الطابون عمره أقدم من عمر المستوطنة المحاذية لهم، فهو عبارة عن قالب ترابي مفتوح مكونٌ من التربة الجيرية بعد خلطها بمادة التبن والماء وتعريضه لأشعة الشمس حتى يجف، ثم يطمر بعد ذلك بالرماد وروث الحيوانات الجاف (الزبل)، وبعدها تتم تغطية الطابون بغطاء حديدي خاص، ويوضع داخله حجارة مكوره ملساء يطلق عليها اسم الرضف أو الرظف، ويوقد عليه النار حتى يصبح بدرجة حرارة كافية لإنضاج العجين، وصنع الخبز".
ويضيف" حاول الاحتلال كثيراً هدم الطابون، ولكن قرار المحكمة حال دون ذلك لغاية الآن، مستوطنو كرمائيل لم يدخروا جهدا في محاولتهم لهدمه، حيث أقدموا على رشه بالمياه لتخريبه، مستغلين حلول الليل إلا أن سكان الخربة كانوا لهم بالمرصاد ومنعوهم من ذلك، وما زالت محاولاتهم مستمرة بكافة الطرق والوسائل".
مرافق الخربة.


يمنع الاحتلال أهالي الخربة من إقامة أي مشروع خدماتي أو مشروع لبنى تحتية بها، فترى الخيم المحاطة بخزانات سوداء للمياه، وبركسات وحظائر للماشية ولبعض الطيور، وأبراج للحمام مكونة من ألواح الزينكو، وحطب مجمع هنا وهناك لاستخدامه وقت الحاجة، وصحن لاقط مثبت على الأرض معرض للإنكسار في أي لحظة لقربه من مكان لعب الأطفال الذين أرهقتهم ظروف العيش القاسية والبيئة المحيطة بهم والتي تفتقر إلى أدنى مقومات العيش من خدمات صحية أو تعليمية أو حتى ترفيهية، فتراهم حفاة يسيرون ويخطون طريقهم لغد أفضل ومشرق رغم كل ما يحيط بهم والابتسامة مرسومة على وجوههم.


وعلى ذكر الأماكن الترفيهية، هناك وعلى قارعة الطريق قطعة أرض محاطة بسلك شائك يفصلها عن ما حولها، بها لعبتين أو ثلاثة من المراجيح، ويعلوها سقف من عسف النخل وسلك شائك يحمله عدد من المواسير المنتصبة فوق براميل حديدة مثبتة بالرمل، ومحاطة بمجموعة من الإطارات القديمة التي تشكل حدودها، والتي تشكل متنفساً للأطفال ومكاناً لرسم أحلامهم البريئة التي يريدون لها أن تتحقق في وقت ما، "أريد أن أصحى من نومي ويكون وطني قد تحرر" هذا حلمٌ لطفل كان يتمرجح داخل "المتنزه" إن صحت تسميته بذلك.


في الجهة المقابلة كل النقيض، ترى رغد العيش الذي يتمتع به سكان المستوطنة وأطفالهم، الأشجار خضراء من وفرة المياه، البيوت المتناسقة والمبنية على الطراز الحديث، الشوارع مخططة والأرصفة التي تحيط بها، الإنارة التي تحول ليلهم إلى نهار، والأبراج الاسمنتية وأبراج الهواتف المحمولة، كل ما يخطر ببالك من متطلبات الحياة الكريمة في متناول اليد.


في الخربة قصة صمود وتحدي لا نهاية لها مستمرة بتعاقب الأجيال، فالخربة بلا كهرباء مما يعني أن أبسط مقومات الحياة الأساسية معدومة، يلجؤن للخلايا الشمسية لأخذ بعض احتياجهم من الكهرباء والتي لا تكفيهم سوى لساعات، ومع ذلك تجد الحاج شعيب الهذالين الذي أفنى عمره في الدفاع عن الخربة والوقوف إلى جانب أهلها في وجه الاحتلال ومخططاته في تهجيرهم، يرحب بكل من يزور القرية بالرغم من مرضه الذي حد من حركته وجعله يستند إلى أحفادها في تنقله من مكان لآخر، يصر على الدفاع عن الخربة حتى آخر يوم في عمره، ويقول وهو متشبث بيد حفيدته التي تساعده على الحركة " نموت جميعنا هنا ولن نرحل من أرضنا".

 





التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:21
الظهر 12:36
العصر 04:17
المغرب 07:21
العشاء 08:52