ثالث أطول انهار فلسطين "المقطّع" في شمال الضفة الغربية يقطّع الأوصال وينذر بكارثة زراعية
ثالث أطول انهار فلسطين "المقطّع" في شمال الضفة الغربية يقطّع الأوصال وينذر بكارثة زراعية

الإثنين | 12/05/2014 - 11:32 صباحاً


تحقيق صحفي :الصحفيان يزن خضور/ مؤمن عتيق

 

ما إن يمر المرء من الشمال الغربي لمدينة جنين، حتى تشد إنتباهه من بعيد المساحات الخضراء الشاسعة لسهول مرج بن عامر الذي يعد بمثابة سلة الغذاء الفلسطينية، في الماضي كان نهر المقطع ذو المياه العذبة يشق طريقه بسلاسة بين السهول والأراضي الزراعية، لتجري مياهه في مسلك واحد قبل إجتيازها حدود الضفة الغربية، وصولاً لمصبّه في البحر الأبيض المتوسط.

  نهر المقطع والذي يعد ثالث أطول نهر في فلسطين لم يعد يحمل المياه كسالف الأزمان، فاليوم يتغلغل في سهول مرج بن عامر حاملا سيولاً متدفقة من المياه العادمة، تفرز مكرهة صحية غدت بمثابة آفة تقتل الأرض قبل المزروعات، وتثقل كاهل المزارع الفلسطيني البسيط، ولا تتوقف الأضرار على المزارعين المحليين فحسب، بل إن خسائر فادحة تطال القطاع الزراعي عبر انخفاض المنتجات الزراعية في أسواق الضفة الغربية كماً ونوعاً، نظراً لأن مرج بن عامر يعد شرياناً رئيسياً للحياة الاقتصادية عامة والزراعية خاصة.

المزارع أبو عباس العاصي من سكان برقين غرب جنين يقول:"مشكلتنا مع نهر المقطع تحمل أكثر من زاوية، فالزاوية الأولى تكمن في مجراه الذي يشق بعض الأراضي ويجعلها غير صالحة للزراعة، إضافة لارتفاع منسوبه خلال فصل الشتاء بفعل اختلاط المياه العادمة مع مياه الأمطار العذبة، أما الزاوية الثانية من المشكلة فتتمثل بالرائحة الكريهة التي تنتج من المياه العادمة".

ويؤكد العاصي أن مساحات كبيرة من أرضه في سهل مرج بن عامر أصبحت غير صالحة للزراعة بفعل زيادة نسبة الأملاح التي تترسب في الأرض بعد إغراقها بالمياه العادمة لفترات طويلة، مما دفعه الى تركها واستئجار أراضٍ زراعية أخرى بجانب أرضه أو في مناطق أبعد، الأمر الذي يحمله أعباء تنقله  بين هذه الأراضي، ناهيك عن التكلفة المادية التي يتحملها نتيجة إيصال خطوط المياه من مضخته الرئيسية.

 

ويشيرالعاصي إلى إعتياد المزارعين في المنطقة على رائحة المياه العادمة بحُكم الفترة الطويلة التي أمضوها بالعمل في أرضهم، لكن المشكلة تكمن في استقدام عمال مياومة للعمل في الأرض، موضحاً أن أغلب العمال الذين يحضرون للعمل بأجر يومي يتركون العمل بعد يوم أو اثنين أو حتى ساعات قليلة فقط، الأمر الذي يزيد من العبء الذي يتحمله العاصي في العناية بأرضه.

ويوضح المزارع أبو عبّاس العاصي أن المياه العادمة التي تجري عبر مجاري الصرف الصحي المركزية في مدينة جنين تسير جلها في مجرى النهر الذي يشق طريقه بين السهول قاطعاً الخط الأخضر، ليصُب في أحواض تجميعية صناعية أعدها الاحتلال مسبقاً للاستفادة منها، عبر إعادة تكريرها واستخدامها في ري المحاصيل والمزروعات.

أما مشكلة المزارع محمد حيدر فهي تتعدى مشكلة العاصي بأضعاف فيقول الأول: "جميع الأراضي التي أمتلكها واستأجرها تقع على مجرى النهر مباشرة، حتى [المعرش] الذي أستريح فيه أنا وكل من يعمل معي في الأرض يقع بمحاذاة المجرى".

الأراضي التي يملكها محمد حيدر تنخفض نسبياً عن بقية الأراضي الزراعية التي تتوزع على ضفتي مجرى النهر، مما يسهل تدفق المياه إلى أراضيه فور إرتفاع المياه في العطل الرسمية، ويضيف حيدر: "في العطل الرسمية، إضافة لفصل الشتاء تندفع المياه العادمة نحو أرضي"، ويعود حيدر بذاكرته إلى موسمية الشتاء في العام الماضي فيذكر لنا أن فيضانات المياه العادمة أغرقت معظم أراضيه وأدت لكارثة زراعيةٍ ألحقت به خسائر فادحة.

ويتطرق حيدر في حديثه إلى آثار سلبية أخرى للمياه العادمة فيشير إلى الإنتشار الكبير للقوارض والحشرات المتنوعة التي تجد من تلك المياه ملاذاً مناسباً لها، موضحاً ان الحشرات والقوارض تعمل على تخريب بعض المحاصيل الزراعية الخضراء مثل:  الملفوف والملوخية وغيرها، ويضيف المزارع محمد حيدر:" إن القوارض كالفئران تتلذذ في رعي الأشتال ( النباتات الصغيرة عند أول زراعتها)  بالإضافة الى انتشار الأفاعي متنوعة الأشكال والأحجام  والتي تصل دائما الى ( المعرش) الخاص به، مما قد يؤدي إلى تشكيل خطورة على سلامته وسلامة المتواجدين فيه".

 

ومن جانب آخر تحدث حيدر عن مشكلة تسرب المياه العادمة إلى خزانات المياه الجوفية في منطقة مرج بن عامر بنسب متفاوتة خاصة في المناطق القريبة من مجرى نهر المقطع، مشيراً إلى اضطراره للتخلي عن أحد آباره الجوفية بعد أن أصبحت مياهه مشبعة بالأملاح القاتلة للنباتات، بالإضافة الى رائحة المياه الكريهة، وأبدى حيدر تخوفه من تحول البئر الجوفي إلى نقطة تجمع للمياه العادمة في ذلك الوقت.

الموظف الإداري في سلطة المياه محمد أبو الهيجا أكد عدم مقدرة السلطة على احتواء مثل هذا النوع من التسريبات إلى المياه الجوفية، حيث أن المياه العادمة تتسرب الى خزانات المياه العذبة عبر مسامات التربة في أعماق كبيرة لا تستطيع  الإمكانيات الفلسطينية المتواضعة السيطرة عليها.

 

وأضاف أبو الهيجا أن سلطة المياه في منطقة جنين حاولت التخفيف من أضرار تسرب المياه العادمة إلى الآبار الجوفية عن طريق توزيع أقراص على المزارعين، لوضعها في الآبار، ويشير أبو الهيجا إلى أن الأقراص تعمل على تخفيف نسبة الاملاح في المياه الى حد كبير، منوّها أن تكلفة هذه الأقراص عالية وبالتالي فإن السلطة غير قادرة على توزيعها بشكل دائم على المزارعين في كافة شهور السنة.

 

أثره على المزروعات

 

المزارع وليد مرعي من قرية كفر ذان والذي يمتلك عدداً من الدونمات التي تعتبر إحدى ضفاف مجرى المقطع يصف حال أرضه بـ "المأساوي"،  مشيراً إلى أن الإنتاج الموسمي لأرضه في تناقص مستمر، حتى أن بعض المواسم تكاليف الزراعة فيها تفوق ما جناه من بيع منتجاته الأمر الذي كبده خسائر فادحه.

ويضيف مرعي: " إذا استمر الوضع على هذا الحال فسأضطر لترك الزراعة والبحث عن مصدر آخر للقمة العيش، لا يأتي أحد لسؤالنا أو حتى لمساعدتنا، مجرى النهر طويل وكثير من المزارعين لديهم ما لدي إن لم يكن الأسوأ".

توجه مرعي الى مديرية الصحة والبيئة  في مدينة جنين وطلب من قسم البيئة الحضور لفحص إنتاجية التربة لديه ونسبة الأملاح ليضع في حسبانه نوعية محصوله القادم، لكن طلب المزارع  بخرّه تباطؤ موظفي قسم البيئة في الحضور إلى أرضه، حتى خسر الموسم الزراعي.

توجهنا الى مديرية الصحة والبيئة في جنين للاستفسار عن قضية فحص الأراضي الزراعية عامة وفحص التربة في منطقة نهر المقطع بشكل خاص، فأكد لنا المهندس البيئي نبيل حمارشة أن الأجهزة المطلوبة ليست متوفرة بشكل دائم، عدا عن قلة عدد الموظفين المتخصصين في التعامل معها.


وأضاف حمارشة: "العديد من الفحوصات يتم إرسالها الى إسرائيل التي بدورها تماطل في  إعطائنا النتائج في وقتها المناسب، ناهيك عن الخلل في دقة هذه المعلومات وصحتها" موضحا أن اسرائيل تلجأ إلى تزويد الجانب الفلسطيني بمعلومات مغلوطة بشكل متعمد لتدمير الإنتاج الزراعي في مرج بن عامر، والذي يعد سلة الغذاء الرئيسية لمنطقة شمال الضفة إن لم يكن لمحافظات الوطن جميعها، الأمر الذي يضطر الجانب الفلسطيني الى  استيراد المنتجات الإسرائيلية كبديل عن المنتجات الفلسطينية المدمرة في مرج بن عامر.

من جانبها أهابت دائرة الزراعة في مدينة جنين على لسان نائب مديرها منذر صلاح بالمزارعين الذين تقع أراضيهم بمحاذاة مجرى نهر المقطع إلى زراعة الأشجار وخاصة الحمضيات كونها قادرة على تحمل نسبة الأملاح العالية في التربة بشكل أكبر مقارنة بغيرها من المحاصيل الزراعية الموسمية.

وأضاف صلاح بأن الحمضيات علاوة على  تحملها نسبة الأملاح العالية  في التربة فإنها تمكن المزارعين من زراعة محاصيل أخرى يمكن أن تتحمل نسب الأملاح في ظل وجودها.

 

 مشاريع في سبات

توجهنا الى بلدية جنين بعد سماعنا بوجود مشروع ألماني يقضي بتحويل مجرى مياه المقطع من حدود شارع الناصرة عبر مجرى صناعي لمنطقة أحراش السعادة، حيث سيتم تكرير المياه العادمة وتحويل المياه المُعاد تكريرها إلى المزارعين في مرج بن عامر.

تحدثنا مع موظف قسم المشاريع في البلدية احمد عامر عن فكرة المشروع وآليات التحضير له والسقف الزمني الذي يتحمله هذا المشروع فأوضح أن الفكرة بدأت خلال جولة في نهر المقطّع تمت خلال زيارة وفد من الإتحاد الأوروبي للتعرف إلى المشكلات التي تواجهها المدينة.

وأضاف عامر:"بعد الجولة اجتمع الوفد الأوروبي وممثلين عن بلدية جنين وأعضاء من جمعية اتحاد المزارعين لوضع النقاط على الحروف وتحديد آليات حل مشكلة مجرى نهر المقطع، وبعد عدة اجتماعات توصلت الهيئة الى آلية لحل المشكلة تكمن في تكرير وطني لمياه المجاري".

 

منسق مشروع تكرير المياه عماد مصطلح يوضح أن المخطط المستقبلي للمشروع يقضي بتحويل مجرى المقطّع عبر ممرات صناعية من منطقة شارع الناصرة الى منطقة أحراش السعادة، حيث سيتم إنشاء محطة تكرير لتلك المياه بتمويل ألماني خالص.

وأكد مصلح أن هذه المياه ستحول عبر مضخات من منطقة الأحراش الى مناطق عدة في المرج تجري عبر أنابيب صناعية، منوّهاً أن هذه المياه ستستخدم في ري المزروعات التي لا يتناولها الإنسان، بل الحيوانات أمثال البرسيم وغيره من المنتجات الزراعية.

 

وأعرب مصلح عن أسفه لعدم وضوح الجدول الزمني للبدء في المشروع بسبب وجود عدة مشاكل تواجه المشروع وعلى رأسها رفض الجانب الإسرائيلي إعطاء الإذن للبدء في المشروع كونه يعمل على تكرير هذه المياه بعد اجتيازها الحدود الفلسطينية واستخدامها في ري المزروعات لديه.

أما المعيقات الأخرى فوصفها منسق المشروع بالجزئية إذ أنها تكمن في رفض بعض المزارعين مرور الأنابيب الصناعية لمياه المجاري من أراضيهم، وفي حال موافقتهم فهم يطلبون مبالغ مالية باهظة الأمر الذي يفوق التقديرات المالية التي خصصها الجانب الألماني للمشروع.

لخروبة حكاية أخرى

يعاني حي خروبة الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة جنين من عدّة مشاكل يعزوها سكان المنطقة والمارون منها الى قرب مجرى نهر المقطع من المنطقة.

 

فما إن يحل الظلام وتأتي رياح المساء الباردة من سهول مرج بن عامر إلا ويذوق سكان حي خروبة الأمرّيّن من الرائحة الكريهة التي يحملها الهواء، فيتحول سكنهم من نعمة مطلة على السهول الخضراء وأراضي ال 48 الى نقمة سببها الأول والأخير مجرى النهر الذي تتدفق فيه المياه العادمة.

المواطن هلال الأحمد يحدثنا عن المعاناة في المنطقة فيقول: "من سنة الى سنة يزداد أثر مجرى المقطع على السكان هنا، فإما أن يتخلل المجرى أراضي زراعية جديدة أو يقترب السكان الجدد بأبنيتهم منه".

أما عن تجربته الشخصية فيقول الأحمد بأن المشكلة لديه ليست في الرائحة فحسب دائماً، بل إن معاناته تتعدى ذلك إلى الحشرات والناموس الذي يهاجم بيته وحديقته في الليل.

وعن محاولاته العلاجية فقد شجّر الأحمد عددا من "أشجار الكافور" في حديقته المنزلية، ويعرف هذا النوع من الأشجار برائحته العطرة التي تصدر من أوراقه، كناية عن كونه مبيد طبيعي للحشرات والناموس.

 

شجر الكافور

 

الأحمد ليس الوحيد الذي زرع شجر الكافور في حديقته المنزلية، فأغلب العائلات في حي خروبه لجأت اليه كوسيلة للحد من الرائحة القوية هناك، حتى أنك تراه أيضا مزروع على ارصفه الطرق في تلك المنطقة.

ما بين تقاعس الجانب الاسرائيلي عن منح الإذن للمباشرة بمشروع تكرير مياه مرج بن عامر من جهة، ونقص الإمكانيات الفلسطينية من جهة أخرى، يبقى الخطر مُحدقا بشريان الحياة الزراعية في شمال الضفة الغربية، ويُنذر بالمزيد من النكبات الزراعية التي ستحل على المزارعين في الأعوام القادمة





التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:21
الظهر 12:36
العصر 04:17
المغرب 07:21
العشاء 08:52