انتهى بحرب عالمية خلقت فرص عمل.. تأملات في أسباب ونتائج الكساد الكبير
انتهى بحرب عالمية خلقت فرص عمل.. تأملات في أسباب ونتائج الكساد الكبير

الأربعاء | 06/05/2020 - 04:44 مساءً

بينما تختبر دول العالم بدايات أزمة اقتصادية نتيجة جائحة فيروس الكورونا، تعود إلى الأذهان مرحلة الكساد الكبير التي شهدتها الدول إثر الحرب العالمية الأولى في القرن الماضي.

فما الذي حدث في تلك الفترة؟ وكيف استعادت الدول عافيتها المالية بعد الانهيارات والمجاعات التي ألمَّت بمعظم الدول على سطح الكرة الأرضية.

ما هو الكساد الكبير؟

والكساد الكبير هو أسوأ تراجع اقتصادي في تاريخ العالم بعد الصناعة، واستمر 10 سنوات من عام 1929 حتى عام 1939. 

كان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح.

وبحسب ما نشرته قناة History الأمريكية ونقله للعربية موقع عربي بوست، بدأ بعد انهيار أسواق المال في أكتوبر/تشرين الأول 1929؛ وهو ما دفع سوق تداول الأسهم في وول ستريت إلى حالة من الذعر أضرت بملايين المستثمرين. 

وعلى مدار السنوات التالية، انخفض معدل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار؛ مما تسبب في انخفاض حاد بالناتج الصناعي والتوظيف، بسبب لجوء الشركات المتعثرة إلى تسريح العمالة. 

وبحلول عام 1933، عندما وصل الكساد الكبير إلى أدنى مستوى له، أصبح نحو 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، وأفلس ما يقرب من نصف البنوك الأمريكية.

وبالمقارنة مع الوضع الراهن، فإن انتشار البطالة وتسكير كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها وتراجع السياحة، فإن الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار من جديد في مأزق مشابه.

ما سبب الكساد الكبير؟

خلال عشرينيات القرن الماضي، توسع اقتصاد الولايات المتحدة بسرعة كبيرة، وتضاعف إجمالي الثروة الوطنية أكثر من مرة خلال الفترة بين 1920 و1929، الفترة التي عُرفت بـ”العشرينيات الهادرة“.

وكانت سوق الأسهم، المتمركزة يببورصة نيويورك في وول ستريت، مسرحاً للمضاربات المتهورة، حيث ضخ الجميع، من أصحاب الملايين، إلى الطهاة والخدم، مدخراتهم في سوق الأسهم. ونتيجة لذلك، شهد سوق الأوراق المالية توسعاً سريعاً، وصل إلى ذروته في أغسطس/آب 1929.

وبحلول ذلك الوقت، انخفض الإنتاج وارتفعت نسبة البطالة بالفعل، ما جعل أسعار الأسهم أعلى بكثير من قيمتها الحقيقية. 

بالإضافة لذلك، كانت الأجور في ذلك الوقت منخفضة، والديون الاستهلاكية في ازدياد، وكان القطاع الزراعي يعاني بسبب الجفاف وهبوط أسعار المواد الغذائية، وكان لدى البنوك فائض من القروض الكبيرة لا يمكن تصفيتها.

دخل الاقتصاد الأمريكي في ركود بسيط خلال صيف 1929، إذ انخفض الإنفاق الاستهلاكي وبدأت تتراكم السلع غير المبيعة، والذي أدى بدوره إلى تباطؤ الإنتاج في المصانع. ومع ذلك، استمرت أسعار الأسهم في الارتفاع، وبحلول خريف ذلك العام وصلت إلى مستويات لا يمكن تبريرها بأي أرباح مستقبلية متوقعة.

انهيار أسواق المال 1929

يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1929، بدأ المستثمرون القلقون بيع الأسهم المُبالَغ في سعرها بشكل جماعي، مما أدى إلى انهيار البورصة في النهاية كما كان يخشى البعض. 

في هذا اليوم، سجلت البورصة عمليات بيع قياسية بلغت 12.9 مليون سهم، فيما عُرف بـ”الخميس الأسود”.

وبعد خمسة أيام، في 29 أكتوبر/تشرين الأول أو “الثلاثاء الأسود”، سجلت البورصة بيع أكثر من 16 مليون سهم بعد موجة ذعر أخرى اجتاحت وول ستريت. انتهى الأمر بملايين الأسهم وقد أصبحت بلا قيمة، والمستثمرون الذين اشتروا الأسهم “بالهامش” (بأموال مقترضة) أفلسوا تماماً.

ومع تلاشي ثقة المستهلك في أعقاب انهيار البورصة، أدّى تراجع الإنفاق والاستثمار إلى تباطؤ الإنتاج في المصانع وغيرها من القطاعات وبدأت الشركات والمصانع في تسريح عمّالها. حتى من كانوا محظوظين بالحفاظ على وظائفهم، تهاوت أجورهم بشكل كبير وانخفضت القدرة الشرائية للمجتمع بشكل عام.

أُجبر عديد من الأمريكيين على الشراء عن طريق الائتمان وسقطوا فريسة للديون المتراكمة، وارتفعت حالات حبس الرهن وإعادة الشراء على نحو مطّرد. 

وساهم الالتزام العالمي بمعيار الذهب، الذي يربط جميع الدول حول العالم بسعر صرف ثابت، في انتشار الأزمة الاقتصادية من الولايات المتحدة إلى جميع أنحاء العالم، خاصةً أوروبا.

سحب الودائع وإدارة هوفر

برغم تأكيدات الرئيس هربرت هوفر وغيره من القادة أن الأزمة سوف تتخذ مسارها، استمر تدهور الأمور إلى الأسوأ خلال السنوات الثلاث التالية.

وبحلول عام 1931، كان الملايين أصبحوا في قيد العاطلين عن العمل.

وفي الوقت نفسه، انخفض الإنتاج الصناعي للولايات المتحدة إلى النصف، وانتشرت في جميع قرى ومدن الولايات المتحدة طوابير الخبز، ومطابخ الحساء، وارتفعت أعداد المشردين، إلى أن أصبحت تلك المظاهر شائعة واعتيادية خلال تلك الفترة. 

لم يتمكن المزارعون من تحمّل تكلفة حصاد محاصيلهم، وأُجبروا على تركها تتعفن في الحقول، بينما يتضور الآخرون جوعاً في بقية أنحاء البلاد. 

وفي عام 1930، حملت موجات الجفاف الشديدة في السهول الجنوبية رياحاً شديدة وأتربة تسببت في مقتل البشر والماشية والمحاصيل. 

وكانت “قصعة الغبار” من الأمور التي ألهمت فكرة الهجرة الجماعية للسكان من الأراضي الزراعية إلى المدن بحثاً عن عمل.

وفي خريف 1930، بدأت أول موجة من الموجات الأربع للذعر في البنوك، إذ فقد عدد كبير من المستثمرين ثقتهم بالملاءة المالية لبنوكهم وطالبوا باسترداد ودائعهم ومدخراتهم نقداً، مما أجبر البنوك على تصفية القروض؛ من أجل استكمال احتياطاتهم النقدية غير الكافية.

وحدث تهافت آخر من المستثمرين بالولايات المتحدة على سحب ودائعهم النقدية في ربيع وخريف 1931، وفي خريف 1932؛ وهو ما دفع آلاف البنوك إلى الانهيار وأغلقت أبوابها في بدايات عام 1932.

وفي مواجهة هذا الموقف الصعب، حاولت إدارة هوفر دعم البنوك والمؤسسات الأخرى المتعثرة بالقروض الحكومية؛ كانت الفكرة أن البنوك سوف تُقرض الشركات بدورها، مما سيجعلها قادرة على استعادة موظفيها.

انتخاب روزفلت

كان هوفر، الجمهوري الذي شغل سابقاً منصب وزير التجارة الأمريكي، يعتقد أن الحكومة ينبغي ألا تتدخل بشكل مباشر في الاقتصاد، وأنها غير مسؤولة عن خلق فرص عمل أو تقديم الإغاثة الاقتصادية للمواطنين.

إلا أنه في عام 1932، ومع غرق البلاد في غياهب الكساد الكبير وأصبح أكثر من 15 مليون أمريكي (أكثر من 20% من سكان الولايات المتحدة في ذلك الوقت) عاطلين عن العمل، حقق الديمقراطي فرانكلين روزفلت نجاحاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية.

وبحلول يوم تنصيبه (4 مارس/آذار 1933)، كانت كل ولاية أمريكية أصدرت أوامرها لكل البنوك المتبقية بالإغلاق في نهاية الموجة الرابعة من الذعر المصرفي، ولم يعد لدى الخزانة الأمريكية ما يكفي من السيولة النقدية لدفع رواتب العاملين الحكوميين. 

ومع ذلك، أبدى فرانكلين روزفلت هدوءاً وتفاؤلاً كبيرَين، وقال عبارته الشهيرة: “الشيء الوحيد الذي ينبغي أن نخافه هو الخوف نفسه”.

اتخذ روزفلت إجراءات فورية لمواجهة المشاكل الاقتصادية التي تعانيها البلاد؛ أعلن أولاً عن “عطلة مصرفية” لمدة أربعة أيام تُغلَق خلالها كل البنوك، حتى يتمكن الكونغرس من تمرير تشريع الإصلاح وإعادة افتتاح البنوك التي يتقرر أنها سليمة. 

وبدأ أيضاً محادثة الجمهور مباشرة عبر أثير الإذاعة في سلسلة من المحادثات، عُرفت بـ “الدردشة بجوار المدفأة”، والتي أسهمت بشكل كبير في استعادة ثقة الشعب بالأداء الحكومي.

وخلال أول 100 يوم للرئيس روزفلت في الرئاسة، مررت إدارته تشريعاً يهدف إلى استقرار الإنتاج الصناعي والزراعي، وخلق فرص عمل وتحفيز الانتعاش الاقتصادي.

بالإضافة لذلك، سعى روزفلت إلى إصلاح النظام المالي، من خلال إنشاء شركة تأمين الودائع الفيدرالية لحماية حسابات المودعين، وإنشاء هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية من أجل تنظيم سوق الأسهم ومنع الانتهاكات التي أدّت إلى انهيار 1929.

الصفقة الجديدة: طريق التعافي الاقتصادي

من بين برامج ومؤسسات الصفقة الجديدة التي ساعدت على التعافي من الكساد الكبير كانت هناك هيئة وادي تينيسي، التي بنت السدود والمشروعات الكهرومائية للسيطرة على الفيضانات وتوفير الطاقة الكهربائية لمنطقة وادي تينيسي الفقيرة، وإدارة تقدّم الأشغال، وهو برامج وظائف دائمة تمكن من توظيف 8.5 مليون شخص في الفترة بين عامي 1935 و1943.

وبعد ظهور بوادر التعافي والانتعاش الاقتصادي في ربيع 1933، استمر تحسن الاقتصاد على مدار السنوات الثلاث التالية، ومن ضمن ذلك الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط 9% سنوياً.

ركود جديد وتوجهات سياسية متطرفة

ثم أُصيب الاقتصاد بركود حاد في 1937، ناجم جزئياً عن قرار الاحتياطي الفيدرالي زيادة متطلباته من المال في الاحتياطي.

وعلى الرغم من بداية تحسُّن الاقتصاد مجدداً في 1938، عكس هذا الانكماش الثاني الحاد عديداً من المكاسب المحققة في الإنتاج والتوظيف، وأطال تأثير الكساد الكبير حتى نهاية العقد.

وأدّت المصاعب التي شهدتها الشعوب خلال فترة الكساد إلى صعود الحركات السياسية المتطرفة في مختلف الدول الأوروبية، وأبرزها النظام النازي في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر، الذي سيقود الحرب العالمية الثانية.

نهاية الكساد الكبير وبداية الحرب العالمية الثانية

مع قرار روزفلت دعم بريطانيا وفرنسا في صراعهما ضد ألمانيا ودول المحور، أولت الحكومة الصناعات العسكرية اهتماماً كبيراً، مما خلق مزيداً من فرص العمل في القطاع الخاص.

وأدّى الهجوم الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر/كانون الأول 1941، إلى دخول الولايات المتحدة رسمياً غمار الحرب العالمية الثانية، وعادت مصانع البلاد إلى حالة الطاقة القصوى للإنتاج.

أدّى هذا التوسع الكبير في الإنتاج الصناعي، فضلاً عن التجنيد واسع النطاق الذي بدأ عام 1942، في انخفاض معدلات البطالة إلى مستوى أقل مما كانت عليه قبل الكساد. 

وانتهى الكساد الكبير أخيراً، وحولت الولايات المتحدة تركيزها نحو الصراع العالمي في الحرب العالمية الثانية.

نتائج الكساد الكبير

تركت الأزمة الاقتصادية الكبرى تأثيراً كبيراً في الأنظمة الرأسمالية، فقد تحوَّل النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه، وخضعت بعض القطاعات الحيوية لنظام التأميم. 

وأسهمت الأزمة في وصول بعض الأنظمة الديكتاتورية إلى السلطة كالنازية والفاشية، إلى جانب تراجع التجارة العالمية..

وأدى انهماك الدول في معالجة أزماتها الاقتصادية إلى إغفال خطورة ما يجري على الصعيد العالمي من انتهاك لقرارات دولية وعودة التسلح.

وتحولت الأزمة الاقتصادية الكبرى من نتيجة للحرب العالمية الأولى إلى سبب من أسباب الحرب العالمية الثانية.

تحذيرات اقتصادية من تداعيات الكورونا

بدورها حذَّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي من أن أزمة فيروس كورونا ستحول النمو الاقتصادي العالمي إلى “سلبي بشكل حاد”، خلال العام 2020.

ونقلت قناة BBC عن كريستالينا جورجيفا، أن العالم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية، منذ الكساد الكبير.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:30
الظهر 12:37
العصر 04:17
المغرب 07:16
العشاء 08:45