مترجم: هل انتهت الحرب الباردة حقًا؟
مترجم: هل انتهت الحرب الباردة حقًا؟

الثلاثاء | 05/04/2022 - 12:25 مساءً

شر موقع «سيفر بريف» الأمريكي المختص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية مقالًا كتبه كل من كريستوفر تيرنر، مسؤول عمليات سابق في وكالة المخابرات المركزية، وسونيا سيونجي ليم، رئيسة سابقة لمحطة بوكالة المخابرات المركزية، يناقشان فيه زيف مزاعم البعض حول انتهاء الحرب الباردة، وما يجب أن يستتبع ذلك.

يقول الكاتبان في مطلع المقال: إن الحرب الباردة لم تنتهِ في تسعينات القرن العشرين بسقوط الشيوعية، وذلك من منظور مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وآية ذلك أن مظهرها الخارجي فقط هو ما تغيَّر، في حين لم تزل الصين وروسيا، وتحت قشرة رقيقة من المشاركة الاقتصادية والسياسية، تشكلان تهديدًا للمُثل والقيم الديمقراطية الليبرالية بحسب وصف الكتاب. وقد شهدت السنوات العشرون الماضية عمليات روسية وصينية ضخمة ضد الولايات المتحدة وحلفائها لسرقة أسرارها ونشر دعاية مناهضة للديمقراطية.

هل انتهت الحرب الباردة؟

واستدرك الكاتبان قائلَيْن: ولكن خارج نطاق مجتمع الاستخبارات الأمريكي، كان التقارب السياسي من دون حسابات حصيفة والسعي وراء تحقيق المنافع الاقتصادية دون النظر في العواقب الطويلة الأجل هو النهج المفضل. وقد أفرز هذا التفكير القائم على التمني إحساسًا زائفًا بالأمن، وبإمكانية احتواء الحروب وإقناع المعتدين بالعدول عن خططهم المجنونة.

فمن الحرب الروسية الجورجية في عام 2008 إلى احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ودخولها المباشر لصالح نظام بشار الأسد في سوريا في عام 2015، وغزوها لأوكرانيا العام 2022، أثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرةً أخرى مدى عدم دقة مثل هذه التصورات ووهميتها. وسيلزَم العالم الخارج من أهوال عمليات (الافتراس الواسعة) الأخيرة – بحسب وصف الكتاب – التي أقدم عليها بوتين اتخاذ إجراءاتٍ حاسمة وتبنِّي سياسة واضحة لكبح تداعياتها (الدنيئة)، والانتشار المستفحل للمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية المستمرة والمناوشات المهلكة في مجالات الاقتصاد والأمن والاستخبارات.

ومنذ غزوه لأوكرانيا عجَّت موجات الأثير، وصفحات الإنترنت، ووسائل الإعلام المطبوعة، بالملاحظات والتحليلات حول أخطاء بوتين العديدة التي ركزت على حقيقة أنه أقدم على مثل هذه التصرفات الخاطئة على الرغم من خلفيته في المخابرات السوفيتية، وكون جهاز الاستخبارات الواسع تحت إشرافه ورهن إشارته. ومن الواضح أن بوتين اختار شنَّ هذه الحرب استنادًا إلى عدد لا يحصى من الافتراضات الخاطئة، وعلى تقييم غير دقيق لكفاءة المؤسسة العسكرية الروسية واستعدادها، وعلى معلومات استخباراتية ضعيفة، أو مرفوضة، أو أُسِيء تفسيرها (أو ربما الثلاثة).

روسيا وتهديد للاستقرار العالمي

وأضاف كاتبا المقال أن النظرية التي ترى في روسيا بزعامة بوتين تهديدًا للمُثل الديمقراطية لم تعُد فكرة مجردة يمكن رفضها أو استبعادها من أجل المصلحة السياسية؛ إذ يُظهر بوتين الآن أنه يمثل تهديدًا لأي مظهر من مظاهر الأمن والاستقرار العالميين، وليس لديه دور أو غرض آخر في العالم. وفي حين أن حرب بوتين فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافه الإستراتيجية، إلا أنها عجَّلت بالمواجهة الحتمية بين الديمقراطية الليبرالية والسلطوية، وقسمت كثيرًا من العالم، وإن كان بعبارات مفرطة في التبسيط، إلى معسكرين؛ الخير والشر.

ونوَّه المقال إلى أن هذا الانقسام أثَّر أيضًا على النظام العالمي وتحديد الأولويات. فبعد فترة من إرسال إشارات مختلطة، عادت الولايات المتحدة إلى الظهور بوصفها قائدة لتلك البلدان الديمقراطية الليبرالية التي تقف ضد الأنظمة الاستبدادية القاسية. وقد يؤدي هذا التطور أيضًا إلى إيجاد اتفاق أوثق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن سياساتهما تجاه الصين. ومن الناحية البراجماتية قد تستفيد الولايات المتحدة من التكرار الجديد للحرب الباردة؛ إذ يقلل الاتحاد الأوروبي كثيرًا من اعتماده على الطاقة والتجارة مع روسيا. وتقدم ألمانيا مثالًا واضحًا حول هذه النقطة.

وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، حافظت ألمانيا على علاقة وثيقة مع روسيا. وأظهر بناء خط أنابيب نورد ستريم 2، على الرغم من العقوبات المحدودة و(الانبطاح) الأمريكي في ذلك الوقت، موقف برلين الإيجابي تجاه روسيا. وقد غيَّر غزو بوتين لأوكرانيا كل هذا، وتجد ألمانيا نفسها الآن على أعتاب الاضطلاع بدور بارز آخر في الاتحاد الأوروبي؛ رسم مستقبل المنطقة في الشؤون الأمنية والعسكرية.

تعاون روسي صيني محتمل

ويرى كاتبا المقال أن الصين ستكون على الأرجح خيار بوتين الوحيد والعملي للحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي، وذلك في ضوء التراجع الكبير في العلاقات الاقتصادية لروسيا مع الاتحاد الأوروبي. وبسبب المواجهة الراسخة والمتنامية بين الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، سواء من حيث التجارة أو توسُّع الصين في النفوذ والأراضي، إلى جانب حاجة الصين الكبيرة إلى الطاقة، يبدو أن روسيا والصين مصممتان على تكثيف تعاونهما، غير أن طريقة ترتيب هذا التعاون على وجه التحديد لم تزل غير مؤكدة، لكنه أمر لا يبشر بالخير للعالم غير الاستبدادي.

ولكن روسيا لديها مؤيدون آخرون بحكم الأمر الواقع، وإن كانوا أقل وزنًا. وبصفتهم أكبر منتجي طاقة الوقود الأحفوري، ستستفيد الدول العربية من ارتفاع أسعار الطاقة الناجم عن الطلب المتأخر الذي سببته جائحة كوفيد والعقوبات المفروضة على روسيا.

وقد تصبح تلك الدول العربية التي لم تدعم العقوبات الأمريكية/الأوروبية ضد روسيا ملاذاتٍ آمنة للأوليجارشية الروسية. وليس من المستغرب أن يكون بعضهم قد بدأ بالفعل في استثمار أصولهم الأكثر قيمة في المنطقة في محاولة لتجنب مصادرتها.

وتُنْذِر التوقعات بكثير من سحائب الكآبة والويلات، لكن يجب أن نتذكر دائمًا أنه وفي أوقات النكسات والتحديات الكبرى، غالبًا ما تكمن فرص كبيرة بالقدر نفسه. وكان الاعتماد على الطاقة والاستثمارات الاقتصادية والنفور من المخاطرة من العقبات الرئيسة أمام بناء تعاون أوثق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن روسيا والصين في الماضي القريب. وفي هذه الأثناء، نشهد تشكيلًا خطيرًا لنظام دولي تعزز فيه روسيا والصين عزمهما على مواجهة التحالفات والمبادرات التي تقودها الولايات المتحدة. ولكننا نشهد أيضًا نقاط الضعف التي يمكن استغلالها في نظام بوتين، ذلك أن غرائز الصمود والولاءات المتغيرة والجشع الفج على المستويين الفردي والوطني، ستوفر فرصًا لجمع المعلومات الاستخباراتية الأساسية عن أعتى أعداء الديمقراطيات الليبرالية. ونشهد أيضًا القوة الهائلة للأيديولوجيا، والقيم الليبرالية، والإجراءات الجماعية.

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إنه وبغض النظر عن نتيجة حرب بوتين ضد أوكرانيا، ستشن روسيا والصين في الأشهر والسنوات المقبلة حربًا تجسسية أكثر ضراوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بيد أن النبأ السار هنا هو أن الديمقراطيات الليبرالية قد استيقظت أخيرًا من سُبات الرضا عن النفس الذي كانت تتخبط فيه إلى حد كبير منذ سقوط الشيوعية. وحان الوقت الآن للالتزام بالتعاون الاستخباراتي والأمني الشامل بين حلفائنا حتى نتمكن من صياغة سياسات متماسكة وواضحة لمواجهة هذه التهديدات الحالية والمقبلة.



التعليـــقات 
جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر طقس فلسطين

النشرة الجوية
جاري التحميل ..
أحدث الاخبار
أوقات الصلاة
الفجر 04:22
الظهر 12:36
العصر 04:17
المغرب 07:21
العشاء 08:51